إلى رجال الكلمة
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
أعوذ بالله من الكلاب البشرية المسعورة، حراس الجهل، سدنة الطواغيت، وعصي وسياط الظالمين والجلادين والمستبدين وسيوفهم في كل زمان ومكان، كلما ظننا أن عهدهم قد ولى، وأن نجمهم قد ذهب إلى غير رجعة؛ وجدناهم يزدادون حضوراً وفاعليةً وتمدداً واتساعاً، فلا تعتقدَنَّ يا ابن أمي أننا قد تخلصنا من تبعات وإرث نظام الوصاية والعمالة والقمع والظلم والبطش والترويع والتجويع والسجن والقتل، حاشا لله!، إنما قمنا بتغيير التردد، وتبديل الموجة من النظام والبيت الأموي، إلى الحضن والنهج والمسلك العباسي ليس إلا.
إننا وإن نادينا بولاية سيد الوصيين إمام العدالة ورمز الإنسانية ومصداق كمال الرسول والرسالة علي بن أبي طالب عليه السلام، وادعينا تمثل منهاجه، نبدو هذه الأيام أكثر تعطشاً للظلم، وأشد اندفاعاً للإتيان بما لم تأتِ به أوائل الظلمة والمفسدين المجرمين، وذلك بفعل تمكن رواد الجهل، وأتباع الهوى من الإمساك بمقاليد الأمور، وحاكميتهم على ساحة وميدان الكلمة والفكر، فنتج عن ذلك وجود معاقين ذهنياً ونفسياً وأخلاقياً، وكثر التمادي في الابتعاد عن الحق، كجوهر، والاكتفاء بالتذكير ببعض المظاهر التي إن لم تقدم مرتبطةً بما قبلها، ممهدةً لما بعدها من الأسس والمفاهيم، مبنيةً على منهجية تراعي الإحاطة والشمول لكل جوانب الإنسان، ومجالات حياته، تصبح من الدواعي المنفرة للناس عن الحق، والعوامل الداعية لرفضه ومحاربته.
لكننا لن نولي الدبر، ولن نترك مواقعنا ومتاريسنا مهما اشتدت الخطوب، وتعاظمت المخاطر والتحديات، وعهداً لله وللشهداء؛ أننا لن نكل ولن نمل ولن نضعف ولن نستكين حتى تقام دولة الإمام علي، وتكتمل أهداف ثورة حسيني الطف ومران. وقد سبقنا الآلاف من الأخيار في السير باتجاه هذا الهدف، ومهدوا لنا الكثير من الدروب الوعرة، وأزاحوا من أمامنا الكثير من العقبات، كما استطاعوا القضاء على الكم الهائل من الحيات والعقارب، التي كانت تتأهب لغرز أنيابها في أجسادنا، ونفث سمومها في كل مجاري دمائنا، فعلوا كل ذلك حينما فاضت أرواحهم إلى رحاب الله شهداء في سبيله، وسالت دماؤهم في ثرى كل أرض لكي تسقي زروع العزة، وتنمي وترعى منابت الإيمان والحق والعدل والكرامة لدى كل جيل، ولم يبق أمامنا خيارٌ إلا أن نحفظ أمانتهم التي حملونا إياها، ونؤدي الحقوق التي عهدوا بها إلينا، كلٌ بحسب قدراته، وفي مجاله، دونما تواكل أو تسويف.
وليعلمْ رجال الكلمة، من حملة القلم والفكر عن صدقٍ في الإيمان بالله، وإخلاصٍ للرسالة، من موقع الولاء والطاعة لله ورسوله والمؤمنين: أن أمانة الدم التي حملنا إياها كل شهيد تقتضي منا البقاء على يقظة تامة لحراسة كل القضايا التي ضحوا من أجلها، ولا يقولنَّ أحدٌ: لقد سئمنا المكوث على هذا الحال، ونحن ننادي وننصح، ونحاول فعل شيء، كي نسهم في إحداث نقلة ما، على طريق السعي لتحقيق التغيير الشامل، ولكن ما من مجيب، إذ الميدان اليوم ميدان المهرجين والخاوين فكرياً، وحتى أخلاقياً، فهم مَن كلمتهم مسموعة لدى الجميع، والأبواب مشرعةٌ لاستقبال كل شيء يأتي من قِبَلهم، وحاجاتهم مهما عظمت أو صَغُرَتْ دائماً مقضية، أما نحن فكأننا نكتب لأنفسنا، ونتحدث فلا نجد سوى ارتداد صدى أصوات كلماتنا، التي تنطلق منا فلا تجد أمامها سوى الفراغ، فترتد إلينا من جديد خائفةً مستوحشةً متعبةً مذعورة لهول ما وجدته. ولكن هذا كله لا يعد سبباً كافياً لكي نسلم بالهزيمة، بل علينا أن نحوله إلى دافع للمزيد من العطاء الفكري، والعمل التوعوي، ولنتذكر دائماً قول المولى تبارك اسمه: {إنّا لا نضيع أجر مَن أحسن عملاً}. إلى جانب التزود من أحداث التاريخ، فكم من الشخصيات والأفكار رُجمت بالحجارة في زمانها، ولكنها صارت في ما بعد هي القيمة والمرجعية التي يستلهمها كل حر، ويستند إليها كل فكر، على مدى الأزمان، وستبقى كذلك حتى يرث الله الأرض وما ومَن عليها.
فيا رجال الكلمة؛ قيدوا المبطلين بقول الحق كل الحق، والدفاعِ عن أهله، قبل أن يقيدوكم في زنزاناتهم إلى الأبد. قولوا اليوم كل شيء، فقد يستحكم الظالمون علينا بعد اليوم بفعل تقصيركم، وعندها لن يستطيع أحدٌ أن يقول شيئاً.

أترك تعليقاً

التعليقات