محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا -
من كان يتصور أنه سيأتي يوم سيكون فيه بمقدور معتمري الدشداشات ومثليي الجنس الخليجي.. تمزيق أمم بحالها.. أمم ذات إرث وحضارة وثقافة وجذور تاريخية ممتدة على امتداد التاريخ الوجودي للبشرية.
ومن كان يتصور أن أمثال محمد بن سلمان الشبيه إلى حد ما بفتوات حي الباطنية في قاهرة مصر.. أو محمد بن زايد الذي تطغى على مظهره الشخصي سمات الأنوثة والمثلية الجنسية.. سيصبحان من طغاة العصر في محيطهم العربي والإقليمي.. وسيغرقون أمما بأكملها في دمائها.. وسيمزقون من شاؤوا من شعوبها.. ويدمرون من شاؤوا أيضا.. مخلفين وراءهم الفوضى والموت والدمار والدماء والكوارث والنكبات القومية الممزوجة بكل مآسي العصر.. من ليبيا إلى سوريا والعراق والسودان وصولا إلى اليمن، خدمة لأجندة ومطامع أسيادهم في "اليانكي" و"أورشليم".
في الثلث الأخير من مارس العام 2015م هاجموا شعبنا وبلادنا غيلة وفي أبشع وأوسع عدوان ائتلافي "دولي وإقليمي" بذريعة الدفاع عن الشرعية المزعومة.
وخلال ما يقرب من أحد عشر عاما جائرة من العدوان الحربي والحصار الهمجي واللإنساني قوضوا كل أسس ومتطلبات العيش الحضاري والإنساني في بلادنا، مدمرين بذلك الجسور والطرق والمنشآت المدنية والإنتاجية والمدارس والمعامل والمصانع والمستشفيات والأسواق العامة والشعبية والسجون القضائية، وأبادوا قطاعات واسعة من مدنيينا، جلهم من النساء والشيوخ والأطفال، وشردوا الملايين من قراهم ومدنهم ومناطق سكنهم الأصلية، وليوصلوا شعبنا في نهاية المطاف إلى حافة الهلاك المعيشي الفعلي، حيث فاقت نسبة الذين بلغوا عتبة الفاقة الفعلية ممن يعيشون تحت خط الفقر حسب الإحصائيات الأممية نسبة التسعين في المائة من إجمالي شعبنا الصابر والمكافح.. وكله من أجل عيون شعبنا اليمني لتمكينه من "استعادة شرعيته"، كما يقال، والحفاظ على وحدته أرضا وإنسانا، عليهم لعنة الله والمشيئة والتاريخ.
اليوم الوحدة واللحمة الوطنية و"الشرعية" المزعومة باتت مجسدة بجلاء وبأبشع صورها، الماثلة في حياتنا كأمة ممزقة ومنقسمة ومأزومة تتنازعها أطياف الصراعات المناطقية والسلالية والعشائرية والمذهبية على قاعدة الحداثة الموءودة والمشوهة.. بالشكل الذي يمكن قياس أبعاده وتداعياته الكارثية من خلال استقراء مآلات ووجهة الأحداث المتفجرة في المحافظات الجنوبية والشرقية والتي تشكل من خلال استعار مسارها الحالي الفصل المتقدم والأكثر وضاعة وابتذالا في صميم المشروع العدواني المكرس لـ"استعادة شرعية الدولة" التي يتباكون عليها، رغم أنه لم يتبق منها سوى طيفها الغارق والمتعفن في مستنقع العمالة والارتزاق الانبطاحي.
وبالطبع.. لا يمكننا في هذه الحالة التقليل بأي شكل من خطورة الأحداث والتطورات العسكرية والجيوسياسية الجارية حاليا في شقنا الجنوبي المحتل والمتحكمة في مسار التبدلات الحالية في مفاصل الهيمنة المليشياوية والسلطوية في المحافظات الشرقية المستلبة تحديدا على إثر السيطرة العسكرية شبه الكاملة للقوى الانفصالية المتطرفة والعميلة لأبناء زايد "مجلس عيدروس الانتقالي الجنوبي" على مسار الأحداث هناك وعلى حساب طوابير العمالة السعودية، ممثلة بتحالف (نظام العليمي -الإخوان).
فما يحدث في المحافظات الجنوبية والشرقية من صراع نفوذ وهيمنة.. وبقدر ما يشكل ومن خلال تراجيديته المؤلمة والمخجلة طعنة دامية وغائرة في بدن اللحمة والوحدة والهوية الوطنية التي تباكوا عليها طويلا، بقدر ما تشكل في الوقت ذاته إنجازا فعليا للقوى والحركات الانفصالية الموغلة في عمالتها.. ونجاحا ملفتا للمشروع التفكيكي الإماراتي.. بالشكل الذي يضع الجميع من وجهة نظري -الجميع دون استثناء- وعلى اختلاف مشاربهم ومشاريعهم السياسية المتنوعة، والمقصود هنا "حلفاء أبوظبي الإقليميون والدوليون.. وعملاؤها المحليون، بالإضافة أيضا إلى خصومها في الداخل الوطني (الحوثيين تحديدا)" أمام امتحان فعلي وأخلاقي مع مبادئهم المعممة.. وما إذا كان سيتعين عليهم الرضوخ لمشيئة أبناء زايد.. وإصباغ الشرعية على طبيعة الوضع الانقسامي المعزز اليوم بقوة في سياق معركتهم المسوقة ضد شعبنا باسم العروبة التي لا ينتمون إليها أصلا، أم سيسارعون بإدانة هذا المسعى التفكيكي والتصدي لسيناريوهاته المخجلة.. والتي وبقدر ما تنسف وتقوض بجلاء كل ذرائع العدوان المسوقة بإصرار مع هدير مدافعهم الأولى في مارس 2015م.. وبقدر ما تقوض في الوقت ذاته من نفوذ وهيمنة كل من الرياض وأسيادهم في إمبراطورية اليانكي (أمريكا) في مناطق جنوب وجنوب شرق اليمن مع احتمالية فقدانهم، وهذا مؤكد، بالنظر إلى تصاعد نذر المواجهة العسكرية مع قوى "ثورة أيلول 2014م" في الشمال.. لمواطئ أقدامهم في الموانئ الجنوبية والشرقية.. والمنافذ البحرية الحيوية ومواقع التموضع الاستراتيجية.. مثل حقول النفط وغيرها، بقدر ما تنسف، وهذا هو الأهم، كل آمال ومبادرات السلام المرتقب في بلادنا وتعقد من فرص الحل السياسي السلمي للمعضلة اليمنية الشائكة والمعقدة.
الأمر الذي يتعين من وجهة نظري على القوى المتخاصمة في الداخل الوطني تحديدا، إن كان تبقى لديهم أي حس وطني وأخلاقي بالعزة والشرف والهوية الوطنية، تخطي ندوب صراعاتهم الماضية وتجاوز خطوط خلافاتهم الأيديولوجية والمذهيية في سبيل التوافق على تغليب المصلحة الوطنية العليا على ما عداها.
فمثلما مهدت الوثبة التفكيكية الحالية لعملاء الإمارات "انتقالي الزبيدي" وانتصاراتهم العسكرية في محافظات الجنوب والشرق، والتي وصفتها صحيفة "إسرائيل هيوم" العبرية بأنها أحداث واعدة ومبشرة بالخير بالنسبة للمسائل المتعلقة بـ"الأمن القومي اليهودي"، داعية المجتمع الدولي بأسره لمساعدة مجلس الرذيلة الجنوبي ومده بالأسلحة المتطورة والمعدات العسكرية الكفيلة بضمان ديمومة انتصاره، ولمحاربة الحوثيين أيضا. الفرصة للم شمل مختلف الأطياف الانفصالية المتخاصمة بمكوناتها ومسمياتها المختلفة مثل "المكتب السياسي للحراك الثوري الجنوبي -فصيل فادي باعوم- الذي لم يكن حتى الأمس القريب على وفاق حتى مع أبوظبي.. قبل أن يصبح اليوم وعلى وقع الأحداث المتسارعة في الخارطة الجنوبية قطبا محوريا في تشكيل القوى والتحالفات الانفصالية الموجهة والممولة إماراتيا بهدف بناء قوة جنوبية منضبطة ومنظمة، مدعومة اقتصادياً وعسكرياً، تكون قادرة ومؤهلة للسير بمشروعها الانقسامي إلى نهايته، فإنه ينبغي على هذا الواقع المتغير والمنذر بمخاطر التفكك والانفصال أن يحفز أيضا القوى المتخاصمة في الداخل الوطني ممن تدعي شرف الانتماء المقدس لهذه البلاد المكلومة بجحود أبنائها على تأجيل معاركهم الجانبية.. والاستنفار معا في معركة الدفاع المشترك عن أقدس وأعمق قضايانا الوطنية (السيادية) المتمثلة في الوحدة، وإلا فإن الوقت سيصبح متأخرا.. ومتأخرا جدا... لخطوة كتلك.

أترك تعليقاً

التعليقات