في البدء كان اليمن
 

عدنان باوزير

عدنان باوزير / لا ميديا -
سبع سنوات عجاف أكلت الأخضر واليابس. سبع سنوات جمر استهلكت ما ادخره اليمنيون من خبز ومن صبر. سبع سنوات طويلة، طويلة كأنها الدهر. سبع سنوات من القهر ومن الظلم والظلام... لاحت بعدها تباشير الفجر وتجلت في الأفق ملامح النصر.
سبع سنوات أريد بها أن تعصف باليمنيين، فعصف بها الرجال الأباة مرددين: «عصَفَتْ فأوقِدْ أيُّها الغضَبُ.. أوقِدْ، وَكُلُّ دمائِنا حَطَبُ.. عَصَفَتْ، فَأوقِدْ أيُّها الغَضَبُ.. أوقِدْ، وأحْرقْ كُلَّ شائِبَةٍ.. فينا لِيَبقى الخالِصُ الذَّهَبُ»، فذهب معها الزبد والخبَث، وبقي الذهب الخالص.
منذ أن أدلت «المسيرة» بدلوها في البئر وأخرجت اليمن من غياهب التاريخ، بعد أن رماه إخوته في غيابة الجب وكادوا له وما زالوا يكيدون كيداً تزول منه الجبال، فخرج إلى النور اليمن المغيّب قسراً في دياجير الظلام حقباً طويلة، فانطلقت الشرارة كالنار في الهشيم لتهيئ الأرض خصباً وسماداً لمواسم النماء. لقد خرج المارد اليمني العظيم من حبسه متعطشاً للنور والحياة، ولن تستطيع كل قوى الأرض أن تعيده إلى قمقمه مرة أخرى. حسناً، هل يستطيع الجن والإنس مجتمعين أن يحجبوا شمس النهار إذا أشرقت؟! عبثاً يحاولون.
سجل عندك على أسفار التاريخ باب سفر اليمن، وانقش هذه الحقيقة على الحجر: جاعت صنعاء الحرة ذات يوم ولم تأكل بثدييها، أنفت الذل والخنوع، وعافت نفسها الأبية الركوع والاستجداء، ربطت على بطنها وجعلت من جوعها نفسه وقوداً لمسيرة كفاحها ونضالها نحو الحرية، وضربت في الصمود والشموخ والإباء أمثلة ستُدرس في أكاديميات نضال الشعوب ليستلهم منها القادمون فنون الكبرياء، فيمشون على خطاها ويرددون شعاراتها ويغنون أغانيها ويرقصون على زوامل الرجال الأوفياء.
«إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى». نعم، فالإيمان، والإيمان وحده، صمد وانتصر اليمنيون. فتية صنعوا أمجادهم بإيمانهم وشجاعتهم وحميتهم وشهامتهم، لبنة بلبنة، حتى بلغوا العلياء، فناطحوا بأمجادهم الجوزاء. فتية «أمروا المجد فاستجابا».
لقد راودت «السعودية» اليمن عن سيادته فأبى، وقال بملء فيه: الحرب والجوع أحب إليّ مما تدعونني إليه! واختار بفطرته السليمة الفضيلة، ولم تغره الرذيلة ببهرجها أو تخدعه الأسماء (المزوقة) التي اتخذوها في عصرنا زيفاً لها. وهل السعودية إلا وجه آخر للرذيلة، بل هي الرذيلة نفسها؟!
لن تذهب تضحيات اليمنيين سدى، ولن تضيع دماؤهم الزكية التي أوقدوها في مسارج الحرية هباء، وسيخرج كعادته من تحت أكوام الدمار والرماد منتفضاً كطائر العنقاء. وكدأب كل القديسين سيسامح ويعفو عن عقوق وظلم الأقرباء، ولن يقود شعبه فحسب، بل سيقود معه إخوته من (الكواكب) العربية إلى الانعتاق والحرية، ويعبر بهم اليم، يم الظلم والهوان والتبعية، إلى بر السيادة الحقيقية، إبراراً وانتصاراً لقضايانا الوطنية والقومية.

أترك تعليقاً

التعليقات