النساء يزاحمن الرجال في أسواق القات


بشرى الغيلي/ لا ميديا
رفيقُ جلساتهم، وأنيس وحشتهم حين يهربون من ضغوطِ الحياة، يتعاطاه الصغار والكبار، ذكوراً وإناثاً، أغنياء وفقراء، لدرجة أن الفقير قد يشتريه على حسابِ قوتِ أطفاله،  فالبعض يجعل منه فرصة للقاءاتِ الود ومناقشة قضايا مجتمعية، والبعض الآخر قد يجعله (وجبة لجلساتِ الحش)، وذكر الآخرين بما يسوء، لا أحد يستطيع أن يغير من أن تعاطيه صار جزءاً من ثقافة المجتمع، وأنه على قائمة مناسباته، أعراس، ومآتم، وولادة، ولقاءات اجتماعية.. وغيرها.. الجديد في الأمر أن (حواء)، الجنس (اللطيف)، صارت تقتحم عالم (المقوات) وبقوة جنباً إلى جنب مع (الموالعة)، وتبحث بنفسها عن أجود أنواعه لتتفاخر به بين الصديقات، وهي ظاهرة جديدة على مجتمعنا، ورغم ارتفاع أسعاره في الآونةِ الأخيرة، إلا أن الإقبال عليه مستمر مهما غلا ثمنه، لا يوجد من يسخط أو يتذمر منه..

زبونات في (المقوات)!
أوقفت سيارتها بجانبِ (المقوات)، وترجلت منها تتهادى نحو (المقوات)، الأنظار تلاحقها وهي تقف عند (مقوّت) يبيع أفخر أنواع (القات) حسب خبرتها في النوعيات الجيدة من الرديئة، المنظر لم يكن مألوفاً لدى العيون التي تتابعها بذهول، كون ذلك جديداً على مجتمعنا، لأن (المقوات) رواده زبائن من الرجال، ولا يُسمح للبنات بدخوله، بل يُعد ذلك محرجاً لهن، أو حسبما قال مصطفى (رب أسرة): هذه مش بقالة (الحارة) تجي تأخذ ما تشتي، هذا (مقوات).
فيما كان رأي (ع.ك) حسب رغبتها في عدمِ الإفصاح عن اسمها لصحيفة (لا)، أن ذلك حرية شخصية، ومن حقها أن تأتي (للمقوات) وتشتري ما يعجبها، وأن (المقوات) مثله مثل أي سوق، حسب تعبيرها.
تظل تلك التصرفات حرية شخصية، حسب الأخت (ع.ك)، وبالمقابل هناك خصوصية مجتمعية أيضاً يجب أن تُحترم، كون بعض الظواهر ليست موجودة من سابق، والاقتراب منها يلفت الأنظار.  
                                         
يوم (جن) بدون (قات)! 
ما يلاحظ على بعضِ (الموالعة)، أن (علاّقي القات) شيء مقدّس لديهم، ولا يمكن التفريط به مهما غلا ثمنه، فحق (القات) يعملون له ألف حساب، وتجد أسواق القات مزدحمة بزبائنها.. ومثلما تروي أم نهى: يقع يوم جن إذا لم يخزن زوجها، بل يتحوّل إلى شخص مختلف تماماً، لذلك كلنا نتجنّب في البيت أن نفرِّط في حق القات، ولو على حسابِ مصروفنا اليومي، وإن غُلبنا نحن... وعند سؤالها من أين مصدر الدخل طالما القات ضروري لزوجها، قالت: ابني الأكبر (16 عاماً) يذهبُ إلى المخبز بعد خروجه من المدرسة، ويأخذ عربية المخبز ليوصل الخبز إلى (البقالات) بالأجر اليومي، ونحرص أن نخصص جزءاً منها لقات والده!
ما تقومُ به (أم نهى)، من فعلٍ يومي لترضي غرور زوجها المتزمّت، يجعلُ (القات) يخرج عن القيمة الاجتماعية التي يقول عنها (البعض)، وأنه فرصة للقاءات الاجتماعية، والمناسبات العائلية وغيرها، والذي يفترض أن يكون حسب ميزانية الشخص، لا أن يكون على حسابِ الخبزِ اليومي.

ليس دائماً
ورغم النماذج التي مررنا عليها سابقاً، إلا أننا أثناء النزول الميداني لـــ(لا)، وجدنا تصرفات تبدو عقلانية إلى حدٍّ ما، في حدودِ التعاطي مع هذه (العشبة) التي استنزفت مياهنا الجوفية، واستنزفت الأوقات، يقول مختار (36 عاماً): صحيح أنني أخزّن، ولكن في المناسباتِ فقط، وإذا (خورت) أخزن مع أصدقائي يوماً ما، المهم لا يكون ذلك على حساب أشياء ضرورية بالبيت، أو التقصير تجاه متطلبات عائلتي، فأنا أيضاً مسؤول عليهم، ولا يحق لي أن أقُصّر بحقهم.
تخالفه بالرأي (أمل) (24 عاماً)، طالبة جامعية، تقول إنها لا تستطيع المذاكرة والتركيز دون أن تخزّن و(تكيّف)، حسب تعبيرها... تضيف: طالما أمي تعطيني من (قاتها)، أنا مش خسرانة، لأن والدتي (مولعية)، ولا بد بعد الغداء أن يكون معها (قات)، وهي صارت تعمل حسابي معها.
بينما (عاصم) (40 عاماً) موظف، يخزّن عندما يشعرُ بالقهر والإحباط، فيلجأ إلى مضغِ (القات)، حسبما يقول، ويضيف: رغم حالتي المادية الجيدة، إلا أنني لا أجعله من أولوياتي اليومية، ولكن عندما أشعرُ بحالاتٍ من الانكسار أنزوي بمكانٍ لوحدي، وأخزّن حتى أشعر أنني تخلصتُ مما أعاني، وإن كنت أحياناً أشعرُ بعد (التخزينة)، (بضبحٍ) مضاعف، حسب تعبيره، إلا أنني أكون تخلصتُ من الضغوط النفسية بهذه الطريقة.

قتل الفراغ!
أثبتت دراسة ميدانية قامت بها مجموعة من الطالبات بجامعة صنعاء، أن 65% من الشاباتِ المتعلمات والمثقفات، وكذا من مختلف الشرائح الاجتماعية، يلجأن إلى تعاطي (القات) لقتلِ الفراغ!
وتضيف الدراسة أن تعاطي القات يعدُّ إشكالية خطيرة تفاقمت حدتها بعد أن أخذت أبعاداً اقتصادية واجتماعية غاية في التعقيد، ابتداءً من تفشيها في أوساطِ المجتمع، مروراً بحجم المساحات الواسعة من الأراضي الزراعية التي احتلتها، وكميات المياه التي تستنزفها زراعة شجرة القات من إجمالي الموارد المائية المتاحة، والتي قد تصل إلى 4،3 مليارات متر مكعب سنوياً.

 حقائق عن القات!
تزرع شجرة القات على المرتفعات الجبلية والهضاب البالغ ارتفاعها أكثر من 800م فوق سطح البحر، ويصل طولها إلى 6 أمتار، وتعتبر من النباتات المعمرة دائمة الخضرة وذات قدرة كبيرة على تحمل تقلبات الطقس. 
وللقاتِ حسب تقارير طبية ومختصين مركبات عضوية أهمها (الكاثين) و(النوربسيدو إفيدرين)، وهي مواد تتشابه في تركيبها مع الإمفيتامين التي تؤثر على الجهاز العصبي، حيث تتسبب بإفراز بعض المواد الكيميائية التي تعمل على تحفيز الخلايا العصبية، مما يقلل الشعور بالإجهاد والتعب، ويزيد القدرة على التركيز في الساعات الأولى للتعاطي، ثم يعقب ذلك شعور بالاكتئاب والقلق. 
الجدير ذكره أن هناك العديد من التقارير الدولية الصادرة عن منظمات دولية كبرى حذرت من تناوله، حيث جاء فيها أن القات يحتوي على 40 مادة من أشباه القلويات، صنفوها ضمن مجموعة الكاثيديولين، ومعظمها يتشابه مع الكوكايين والإمفيتانيات في تأثيرها على المتعاطي.. تؤدي هذه المواد إلى زيادة ضربات القلب والنشاط الحركي، وزيادة استهلاك الأوكسجين. وقد أجرى الخبراء تجارب على الفئران لمعرفة تأثير الكاثينون، فوجدوها تعيش حالة من المرح الصاخب لمدة 24 ساعة عقب تناول الجرعة، ثم تعقبها حالة من الاكتئاب والخمول والشعور بالأرق والقلق بعد ذلك، وهي حالات مشابهة لما يشعر به مدمنو القات.