حاوره: يسرية الشرقي / صحيفة لا -

تنهض الأمم والشعوب بعقول أبنائها، ومادام فينا عقول تفكر، ويد صادقة تبني، ولو بأبسط الإمكانيات، فإن من الصعب القول بأن ما نحن عليه سيستمر، فاليمن زاخرة بعقول نيرة يمكن لها غرس بذرة الأمل لمستقبل مشرق كإشراقة عقول أبناء هذا البلد الجميل. 
وحين يكون لدينا أحلام لا بد أن نسعى ونجتهد لتحقيقها، حتى وإن بدت للوهلة الأولى مستحيلة.
كثيرون هم الشباب الطامح الذي يسعى لتحقيق الكثير والكثير في سبيل بناء هذا الوطن وتطوره وتقدمه. محمد الدبا أحد ألمع الشباب في مجال الأعمال الابتكارية، شاب بدأ برسم أحلامه منذ سنوات عمره الأولى، وهو اليوم يعيش أولى خطوات النجاح في تحقيق جزء بسيط مما يطمح إليه. شارك في المسابقة الوطنية لرواد العمال الابتكارية، بابتكاره المتمثل في طرف صناعي (صنع محلي). وبعد أن تم تطبيق وتجريب هذا الابتكار على حالة حقيقية، حاز على رضى لجنة التحكيم ليحصد المركز الثالث بكل جدارة وامتياز.
 بداية هلا أعطيت القارئ نبذة تعريفية عنك؟
محمد عبده الدبا، تخصصت في دراسة الهندسة الميكانيكية «ميغا ترونكس» في كلية الهندسة بجامعة صنعاء، وتخرجت من الكلية عام 2017، حاصلاً على المرتبة الأولى بدرجة ممتاز، وحالياً أعمل معيد، في جامعة صنعاء.

شغف منذ الصغر
 لماذا اخترت هذا التخصص بالذات؟
 اخترت هذا التخصص لشغفي الكبير بهذا النوع من الهندسة، فمنذ الصغر وأنا أحب فتح الأجهزة وأجرب إصلاحها، طبعاً لم أتمكن من إصلاح أي من هذه الأجهزة. فقد كنت في صغري أخرب الأجهزة، وغرفتي منذ المراحل الأولى في دراستي الإعدادية كانت مليئة بالأجهزة التي كنت أقوم بتخريبها، وعندما كبرت قررت أن أتخصص في دراسة الهندسة لكي أقوم بإصلاح تلك الأجهزة التي سبق وخربتها في صغري. واستمر شغفي بالهندسة، ولكن بطريقة علمية ومنهجية، وقد وجدت في كلية الهندسة بجامعة صنعاء البيئة المناسبة لتحقيق طموحاتي، والتمكن من ممارسة شغفي على أرض الواقع.
 
الطريقة المثلى لتحقيق الطموحات
 من الذي ساعدك في اختيار تخصصك؟ وما الذي كنت تتمناه في تلك المرحلة؟
بعد تخرجي من الثانوية، كان أكثر ما أتمناه أن أجد المشورة والنصيحة في اختيار تخصصي الجامعي. صحيح أنني كنت أعرف جيداً ما أرغب في دراسته، لكني لم أكن قادراً على أن أحدد المجال أو التخصص الجامعي الذي فعلاً يتوافق مع أحلامي، وهذه مشكلة يواجهها تقريباً أغلب الشباب بعد التخرج من الثانوية، والأهل طبعاً يفكرون في هذا الأمر بالطريقة التقليدية الروتينية، فتجدهم يقولون لك: «إذا معدلك عالي ادخل طب أو هندسة»، وقد تكون هذه التخصصات أوغيرها ليست الطريقة المثلى لتحقيق الطموحات التي يحلم بها هؤلاء الشباب، حيث يجدون أنفسهم بعد خمس سنوات من التخرج يعلقون الشهادة على الجدار، بينما يزاولون وظيفة أخرى لا علاقة لها بما درسوه من تخصص، أو يزاولون عملاً في نطاق تخصصاتهم لكن دون إبداع أو تميز، أما أنا -ولله الحمد- فأعتبر نفسي محظوظاً أكثر من غيري، لأنني نجحت في اختيار التخصص الذي يشبع رغبتي، ويلبي طموحاتي، لذا فقد كنت أشعر بأني أبذل مجهوداً في تخصص ومجال أحبه فعلاً.

نصيحة مجرب
 نصيحة تقدمها للطلاب المقبلين على الجامعة..!
أهم نصيحة يمكن أن أقدمها لهم هي أن يدرسوا التخصص الذي يرغبون فيه فعلاً، وأقول لهم: انتبهوا أن تدخلوا تخصصات لستم متأكدين من أنكم فعلاً ترغبون فيها، وتتمنون أن تكملوا بقية حياتكم العملية فيها، لأن الطالب بعد التخرج يجد نفسه يعيش في جو معين بنسبة 70 % من حياته في هذا التخصص، وإذا لم يكن يحب هذه الأجواء فسيندم، ولن يستطيع الاستمرار، ويمكن أن يحبط ويفشل، لذلك أهم شيء هو أن يركزوا في اختيارهم لتخصصاتهم، وأتمنى للكل التوفيق بإذن الله. 
ثاني نصيحة يمكن أن أقدمها للمقبلين على الدراسة الجامعية، وحتى للذين يدرسون في الجامعات، وأنصح فيها طلابي دائماً هي أن يضعوا لأنفسهم أهدافاً كبيرة وطويلة الأمد، من أجل أن تكون حافزاً لهم ويستطيعون معها مواجهة صعوبات الحياة.

التعليم الجامعي غير كاف
 هل وجدت ما كنت تطمح إليه في الجامعة من معارف وعلوم؟
على الرغم من أنني كنت من المتفوقين، والحمد لله، في الجامعة، إلا أنه من الصعب أن يجد الطالب منا كل ما يحتاجه من معارف من أساتذة الجامعة فقط، فقد كنت أطالع وأقرأ مراجع أكثر بكثير من الكتب الجامعية، فكلنا نعرف أن التدريس الأكاديمي يكون مقتصراً على جوانب معينة فقط، وهي بالتأكيد غير كافية لوحدها لأي طالب لديه أحلام كبيرة يريد تحقيقها، فقد كنت أسهر حتى الفجر في أغلب الأيام، وأنا أقرأ مرجعاً أو كتاباً دون أن أشعر بمرور الوقت، فالإنسان يجب أن يطلع ويقرأ ويطور نفسه بشكل مستمر، فالعالم يتسارع بشكل خيالي في جميع العلوم، خصوصاً في مجال الإلكترونيات والذكاء الصناعي الذي يعد شغفي الأول.

السير في طريق تحقيق أهدافي
 بعد الجامعة ماذا كانت خطوتك التالية في طريق تحقيق أهدافك؟
 في الحقيقة، منذ أول يوم التحقت فيه بالجامعة، بل وحتى من قبل الجامعة، وضعت لنفسي أهدافاً وحاولت أن أبني لها بشكل صحيح، حيث كنت قد وضعت مخططاً للكثير من الأهداف التي أريد تحقيقها، والآن أواصل السير على هذا المخطط.
فعلى الرغم من المتغيرات التي حصلت في البلد والوضع الذي نعيشه، إلا أنني تمكنت من تحقيق ما أصبو إليه، فأنا الآن معيد في كلية الهندسة، وأحاول مساعدة الشباب في ألا يكرروا بعض الأخطاء التي مررت فيها وأنقل لهم كل تجاربي. 
كما أني استطعت ـ ولله الحمد ـ أن أفتتح مشروعي الخاص في مجال صناعة الأطراف الصناعية، وطبعاً -بإذن الله- فإن الحصول على الماجستير هو خطوتي القادمة، لكن لا يزال أمامي بعض الخطوات التي أسير في تنفيذها بثبات وثقة. 

ابتكار طرف صناعي محلي
 تجربة المشاركة في المسابقة الوطنية لرواد الأعمال الابتكارية.. ماذا تعني لك؟
مشاركتي في المسابقة كانت بمثابة تحد لذاتي، وكيف أنني أستطيع أن أحقق شيئاً أخدم به بلدي عن طريق العلم الذي تعبت سنوات طويلة في تحصيله، وقد تمثلت مشاركتي بابتكار طرف صناعي، وقد أظهرت للجميع جدوى وفائدة هذا الطرف الصناعي المصنوع محلياً، حيث قمت بتجريبه على حالة حقيقية، وأثبت لهم بأنه يعمل، وهذا الأمر كان مصدر سعادة لي، لأن أجمل ما في الحياة هو أن ترى أحد أحلامك يتحقق، وابتكارك ينجح، والناس تعترف به وتنتفع منه، وبإذن الله ستكون هذه الخطوة نقطة تحول في حياتي للأفضل. 

اهتمام أكبر بالمخترعين والمبدعين
 باعتبارك أحد رواد الأعمال الابتكارية، هل ترى أن دور وزارة الصناعة كاف ومجد في دعم وتشجيع مثل هكذا مشاريع؟
مثل كل شاب يمني، نطمح إلى أن نجد ونلمس تشجيعاً أكبر، وخطوات أقوى وأعمق، لكن لا ننكر نهائياً أن الدولة حالياً تهتم بشكل كبير بالمخترعين والمبدعين أكثر من ذي قبل، ونأمل -بإذن الله- أن تكون المسابقة الوطنية بمثابة حجر الأساس لرعاية الشباب المبدع والطموح، الذي بالتأكيد لو وجد الرعاية الكافية فإنه سينهض بهذا البلد رغم كل التحديات.
فرغم التحديات الكبيرة والظروف الصعبة التي يعيشها البلد، إلا أن الدولة أصبحت تولي اهتماماً أكبر بالمجالات الإبداعية والابتكارية، وبصورة أكثر من ذي قبل، حيث شهدنا في السنوات الأخيرة الكثير من جوانب الاهتمام كتشجيع الشباب المبدعين في مجالات عديدة، ومنها المسابقة الوطنية في مجال المشاريع الابتكارية، التي تم تنظيمها برعاية وزارة الصناعة، التي قدمت جوائز عينية وتمويلات للمشاريع الرابحة في المسابقة، وهو ما يعد خطوة إيجابية وجدية، نأمل بألا تكون الأخيرة، حتى يستطيع هؤلاء المبدعون خدمة وطننا الحبيب، وتقديم الكثير من أجل نموه وتطوره. 
 أصعب موقف واجهته وترك أثراً في حياتك..!
الإنسان دائماً يمر عليه الكثير من المواقف الصعبة التي تترك أثراً لديه، وبالنسبة لي فإن موت أخي (رحمة الله عليه) عندما كنت في مستوى ثالث جامعة، ترك أثراً كبيراً في نفسي، وكان صدمة بالنسبة لجميع أفراد الأسرة، وخصوصاً أنه كان سيتخرج، ولديه الكثير من الأحلام مثلي ومثل الكثير من الشباب في عمره، كانت أصعب تجربة مررت بها في حياتي، وخرجت من آثارها السلبية بصعوبة، وحاولت أن أتقبل الأمر وأتعايش مع الواقع، غير أن الألم على فراقه لا يزال يلازمنا، لكن نحاول أن نستمر في الحياة. 

تحويل الأفكار الإبداعية إلى منتجات
 هل لديك خطط مستقبلية لرعاية مشاريع صغيرة إبداعية، أو حتى المشاركة في مثل هذه الأفكار؟ 
أشارك حالياً في مؤسسة حكومية وهي المؤسسة العلمية للرواد المبدعين، وتم افتتاحها حديثا بتوجيهات مباشرة من القيادة السياسية بهدف رعاية المبدعين، ولدي خطة مستقبلية تتمحور حول إيجاد وتوفير البيئة الملائمة والمناسبة للمبتكرين والمبدعين، مثلاً، نحاول توفير معامل مكتملة لتحويل الأفكار الإبداعية إلى منتج، وسأسعى هنا إلى الاستفادة مما مررت به من تجربة شخصية في إخراج فكرتي عن الأطراف الصناعية من الورق إلى الواقع 

العملي، وإن شاء الله، نتمكن من توفير هذه المعامل ليستطيع الشباب المبدع من تحويل أفكارهم الابتكارية إلى منتجات، وبعدها سنبدأ بالخطوة التالية المتمثلة في التسويق لهذه المنتجات، ومنع التجار من استيراد المنتجات الخارجية المنافسة، حتى يأخذ المنتج المحلي مكانه في السوق، وبإذن الله يكون بجودة تليق بهذا البلد ويكون دافعاً لكل مبدع. 
 رسالة أخيرة توجهها إلى كل شاب لديه طموحات في معانقة الإبداع والابتكار..!
أنصح كل شاب لديه أحلام يريد تحقيقها، أن يجتهد في دراسته الجامعية، وألا يكتفي بما تقدمه الجامعة من علوم ومعارف، بل يبحث ويطلع على كل ما له صلة بتخصصه العلمي.
العلم بحر واسع ويجب ألا نكتفي بمصدر واحد للحصول عليه، بل يجب أن نبحث عنه في أكثر من مصدر نتعلم ونستفيد منه، ونطور معارفنا في المجالات المرتبطة بالتخصص العلمي الذي ندرسه ونتمنى التفوق فيه.
ودائماً ما أنصح طلابي بأن ينظروا للحياة نظرة واقعية، فيسعون إلى الإبداع في المجال الذي يبرعون فيه، ويستطيعون منه خدمة المجتمع وفي نفس الوقت كسب لقمة العيش، أما أن يبتعدوا بأحلامهم عن الواقع المعاش ويجرون وراء أشياء من الممكن ألا تتحقق إلا بعد سنوات من العناء، وربما قد لا تتحقق في نهاية المطاف، فإنهم سيجدون أنفسهم في طابور المحبطين.