حوار: يسرية الشرقي / لا ميديا -

صفاء الفقيه أو كما يطلق عليها البعض لقب «أميرة العقيق» لتفردها وبراعتها في صياغة العقيق بكل حرفية وإتقان.. فهي من أوائل النساء اللواتي تميزن في مهنة يدونها التاريخ اليمني كواحدة من أهم الحرف اليمنية على مر العصور.
في أول لقائي معها شدتني عبارتها حين قالت: «الأحجار لها روح ونشعر بها كما هي تشعر بنا وتخفف من آلامنا عندما نكون متعبين».
هكذا بدأ حواري معها، فزاد فضولي لأعرف عنها أكثر وأتعرف على سبب تسميتها بـ»أميرة العقيق»، ومن أطلق عليها هذا الاسم، وهل هي حقا أميرة في مجالها، فزرتها في معملها في سمسرة النحاس بصنعاء القديمة، وكان لي معها هذا الحوار.

حرفية في سمسرة النحاس
 بداية هلا تحدثينا عن نفسك؟
صفاء عبده ناجي، موظفة في وزارة الثقافة كمتعاقدة منذ 10 سنوات، حرفية في مجال قطع وصقل وتشكيل الأحجار الكريمة، أعمل في المركز الوطني للحرف والمشغولات اليدوية في سمسرة النحاس بصنعاء القديمة، كما أعمل مدربة في مركز الحرف بالسمسرة.

دعم والدي لا حدود له
 من هو المشجع الأول لـ»أميرة العقيق» كما يطلق عليك الجميع في المجال الحرفي؟
طبعا حب الناس وتشجيعهم لي يعتبر أكبر حافز، لكن بصراحة لا وجود لأميرة دون والدها، وأبي (حفظه الله ورعاه) هو أكبر داعم لي بكل شيء في حياتي، وهو دائما يشعرني بأنني أميرة الدنيا كلها؛ وليس فقط «أميرة العقيق».

أشهر الحرف اليمنية
  كم هي ساعات عملك خلال الأسبوع؟
طبعا أنا متواجدة يوميا عدا الجمعة، من الساعة الثامنة والنصف صباحا حتى الساعة الواحدة ظهرا، دوام رسمي.
  ما نوع عملك بالضبط في السمسرة؟
أعمل في المعمل من بداية قص الحجر إلى تركيبه على الخاتم، وهذه تعتبر حرفة من أشهر الحرف في اليمن، وهي هوية اليمن وحضارتنا، وتعتبر البوابة الرئيسية لليمن، ونحن كيمنيين منذ آلاف السنين نبرع في أكثر الحرف إبداعا وتقنية.

عشق وشغف
  ما الذي دفعك للعمل في هذه الحرفة التي ربما يعتقد البعض أنها حكر على الرجال؟
كان لدي شغف منذ طفولتي بهذه الحرفة، خصوصاً وأني أعشق الأحجار الكريمة وأحس أن لها روحاً مثلنا وتحس بنا أيضاً، كما أنني مؤمنة بضرورة الحفاظ على هوية بلدنا ورعاية هذه الحرفة التي من الممكن أن تندثر إذا لم تجد اهتماماً ورعاية من الجهات المعنية ممثلة بوزارة الثقافة، وإذا لم يستشعر كل حرفي بأهمية عمله، وأنه بمثل هذا العمل يحمي هوية وطنه قبل كل شيء. وأنا في الأول والأخير مواطنة يمنية، ومن حقي أن أشتغل في المجال الذي أحببته، ولا أعتقد أن هكذا مهنة ـ ولو أنها صعبة قليلا ـ حكر على الرجال، فنحن النساء شقائق الرجال في كل شيء.

رمز هويتنا وحضارتنا
  ماذا تعني لك صياغة العقيق اليمني الأصيل؟
هذه الحرفة هي رمز هويتنا وحضارتنا اليمنية، والإنسان اليمني منذ القدم يستخدم الأحجار في كل شيء تقريباً؛ في الزراعة والزينة للتيجان والجدران، فليس من المعقول أن الدول الأخرى تدرس تاريخنا الحرفي والحضاري، بينما نحن أبناء البلد نتجاهل ولا نهتم بما تمتلكه بلادنا من ثروة حقيقية من الأحجار الكريمة، التي يعد استخراجها وصقلها ليس ثروة ثقافية فقط، ولكن أيضاً يمكن أن تتحول ثروة مادية تدر الدخل على المشتغلين فيها وعلى الدولة أيضاً، إذا ما وجدت اهتماماً حقيقياً من قبل الجهات المعنية.

غيرت نظرة المجتمع السلبية لعمل المرأة
  ما مدى تقبل المجتمع لتواجدك في حرفة صناعة العقيق؟
طبعا الحرفة مليئة بالصعوبات، وخصوصا عندما تكوني فتاة، لأن المجتمع ـ إلى حد كبير ـ غير متقبل لتواجدك في مهنة يعتقد الكثيرون أنها ذكورية أكثر، وقد واجهت في البداية النظرة السلبية لدى الناس والمجتمع الذين كانوا غير متقبلين لتواجدي كامرأة بين الحرفيين، وممارستي هذه المهنة، لكن مع مرور الوقت تعودوا على تواجدي، واستطعت أن أثبت لهم أن المرأة يمكن أن تمارس أي عمل، المهم هو حب العمل والإخلاص، وأن تعطي العمل كل طاقتك وحبك، والناس الآن في السمسرة وحتى في السوق بالكامل أصبحوا يعرفونني جيدا، بل إنهم يأخذون رأيي ويعملون به أيضا.
  في مجال صناعة العقيق، من هو أكثر من شجعك وأسهم في وصولك إلى هذه الدرجة من الحرفية؟
الأستاذ إسماعيل المهدي، مديري، هو أكثر شخص في الدنيا أمن بموهبتي وقدرتي على العمل، فكان ولازال السند في حياتي، فهو المشجع الأول لي، والذي وقف بجانبي في كل الظروف والأحوال، ولم يشعرني أبداً في أي يوم من الأيام بأنني عاجزة أو ينقصني شيء ما، بل بالعكس كان دائما يؤمن بقدراتي أكثر مني، ومهما قلت عنه لا أستطيع أن أفيه حقه، ويا رب أقدر أكون عند حسن ظنه دائما.

حرب على جبهتين
  ما هي أكبر الصعوبات التي تواجهينها أثناء العمل في هذه الحرفة؟
كما قلت سابقاً، المهنة في الأصل هي إلى حد ما صعبة، تقطيع ونحت وصقل، والحجر الكريم قبل أن يخرج إلى السوق يمر بمراحل كثيرة، وهي مراحل تتطلب مجهوداً كبيراً، غير أن حبي للمهنة ينسيني كل التعب والوجع، لكن أكبر صعوبة وعائق نواجهه أنا وبعض الزملاء الحرفيين هو إسقاط أسمائنا من كشوفات الرواتب، على الرغم من أن عملنا ميداني، وأننا متواجدون ونشتغل ربما أكثر من الموظفين الموجودين في ديوان وزارة الثقافة ومكاتبها، واسمحي لي بأن أستغل هذه الفرصة لأطرح شكواي الخاصة عن طريق صحيفة «لا»، فنحن منذ سنة ونصف نعاني من قطع رواتبنا على الرغم من أن كل نظرائنا الموظفين يستلمون نصف راتب، ولا نطالب سوى  بالعدل والمساواة بيننا وبين زملائنا في ديوان الوزارة ومكاتبها.

متعاقدون بلا مستحقات
  هل تم التوضيح لكم عن سبب إسقاط أسمائكم من كشوفات الرواتب؟
في كل مرة يتحججون بسبب ما، وآخرها أننا كمتعاقدين ليس لدينا حقوق مثل بقية الموظفين الرسميين، وأبلغونا أن ما كان مرصوداً لنا تسمى مستحقات وليست رواتب، كما هو حال الموظفين الرسميين الذين يستلمون نصف راتب، والأولوية في الصرف لرواتب الموظفين الرسميين، بينما نحن كمتعاقدين لا نستلم شيئاً لأنه ليس لدينا رواتب، رغم أنني والكثير من زملائي نشتغل وننتج باستمرار، ولسنا جالسين في البيوت، ونحن هنا نطالب بحقوقنا.
  هل تم الرفع بشكواكم إلى الجهات المعنية؟
بالنسبة لي، لم أستطع القيام بالأمر، نظراً لظروفي الصحية التي تجعلني غير قادرة على متابعة المعاملات الطويلة، غير أن العديد من زملائي رفعوا شكوى للوزارة بهذا الشأن، لكن دون فائدة، ولم يتم صرف أي مستحقات لنا منذ ما يقارب العام والنصف، ولم نستلم نصف راتب ولا حتى ربع راتب أو أي مبلغ مثل بقية موظفي الدولة.

توجيهات الوزير لم تُنفذ
  ما هو دور وزير الثقافة في حل مشكلة المتعاقدين؟
كان وزير الثقافة متجاوباً معنا، ووجه مرارا بحل مشكلتنا، لكن دون أية نتيجة إيجابية، والسبب أن الإدارات الأخرى في الوزارة هي التي تعرقل تنفيذ هذه التوجيهات، ولا ندري بالضبط أي منها المتسببة بعرقلة تنفيذ توجيهات الوزير، رغم أننا نعمل وننتج يومياً ولا نرتاح حتى ولو يوماً واحداً، حتى وأنا مريضة لم أتوقف عن العمل، فكنت آتي إلى العمل رغم شدة مرضي وقربة المغذية موصولة بيدي، لكن نسأل الله أن يفرج همنا جميعا.
  مع ما تعانين من مشكلة صحية، هل حصلت على أي دعم من قبل الوزارة؟ 
للأمانة، فإن وزير الثقافة لم يقصر معي في شيء، حيث قدم كل ما يستطيع من دعم، فقد عاملني كابنته، وتكفل بأغلب مصاريف علاجي على نفقته الخاصة، وكل عبارات الشكر والامتنان لا تفيه حقه لما قدمه لي من دعم ومساندة في حالتي المرضية.

حقد خليجي على اليمن
  رسالة توجهينها للمختصين في مجال الحرف اليدوية وصناعة العقيق بالذات؟
أولاً أحب أن أقول لكل شخص مسؤول في مجال الحرف اليدوية، حبذا لو نستشعر جميعاً المسؤولية، فالخليجيون لا ينتزعون أرواحنا فقط بطائراتهم، وإنما أيضاً يسعون لطمس تاريخنا وحضارتنا، فقد استهدفوا بغاراتهم العدوانية الكثير من الأماكن والمعالم الأثرية والتاريخية.. ولم يكتفوا بذلك، بل يقومون بسرقة التراث والفن الغنائي اليمني وينسبونه لأنفسهم، كما أنهم في كثير من المهرجانات يعرضون أعمالنا اليدوية ومشغولاتنا والعقيق اليمني الأصيل دون الإشارة لبلادنا أبدا، وهو ما يفرض علينا كيمنيين العمل بمسؤولية وطنية من أجل حماية تاريخنا وإرثنا الحضاري وهويتنا الأصيلة، لتبقى اليمن بلاد الحضارة والفن.