العلاج الذي تسبب بوفاة الأطفال لم يكن متوفرا في مخازن وزارة الصحة

أجرى الحوار: عبدالله الحسامي / لا ميديا -
«الكل يتنصل، والكل لا يتكلم بواقعية، لا أنتم كإعلام ولا نحن كمؤسسة حكومية. المريض في هذه الحالة ليس أمامه إلا أن يشكونا إلى الله سبحانه وتعالى». بهذه الكلمات يلخص مدير صندوق مكافحة السرطان، الدكتور عبدالسلام المداني، معاناة المئات من مرضى السرطان، في ظل تقليص ميزانية المركز الوطني لعلاج الأورام من خمسة مليارات إلى 500 مليون ريال، تتقلص بدورها عبر نظام المقاصصة إلى 120 مليون ريال، وفي ظل إيقاف شراء الأدوية من الصيدليات بعد حادثة مستشفى الكويت، وعدم إيجاد بدائل لتوفير الأدوية التي يحتاجها مرضى السرطان، فلا وزارة الصحة وفرت الدواء للمرضى ولا سمحت للصيدليات ببيعه.
المداني في حوار مع صحيفة «لا» يتحدث عن حادثة أطفال مستشفى الكويت، ولماذا تم تأخير الإعلان عنها، وما هي مشاكل مرضى السرطان، وكذلك العراقيل التي تواجه عمل صندوق مكافحة السرطان، فضلا عن مخزون وزارة الصحة من أدوية السرطان... 
فإلى الحوار.

تقلص الدعم المالي
 ما هي العراقيل التي تواجه عمل صندوق مكافحة السرطان في توفير الأدوية الخاصة بالمرضى؟
 أول العراقيل عدم وجود وكلاء للأدوية في ظل حصار تحالف العدوان. نحن كصندوق نوفر الأدوية التي تسمى «الأدوية الموجهة»، التي لم تكن تتوفر في السابق قبل العدوان.
بالنسبة لمرضى السرطان معروف أن لديهم أدوية كيميائية وأدوية موجهة. الأدوية الكيميائية لها بروتوكولات معينة ويوفرها المركز الوطني لعلاج الأورام. طبعاً، نحن ندعم المركز بهذا الموضوع، حيث قدمنا للمركز هذا العام نحو مليارين و700 مليون ريال من خلال الأدوية نتيجة لانقطاع الموازنة من وزارة المالية.
في السابق كانت (وزارة) المالية تدعم المركز بخمسة مليارات ريال، ثم تقلص الدعم حتى وصل إلى 500 مليون ريال. وللأسف هذا المبلغ (500 مليون) لا يسلم نقدا، بل بنظام المقاصصة، أي أن قيمته الحقيقية تصبح 120 مليون ريال.
بداية عملنا في 2019، كانت المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان تساهم بتوفير العلاج لمرضى السرطان بنسبة 30٪ وكان الصندوق يساهم أيضاً بنسبة 40٪ ويبقى على المريض 30٪ فقط.
وجدنا أن المريض لا يستطيع توفير بقية العلاج (30%)، فقررنا توفير العلاج له 100%. طبعاً، كانت الأمور ماشية؛ لأن الأدوية كانت موجهة، وليست بالكم الكبير كالأدوية الكيميائية التي يحتاجها المركز، أي أننا كنا نوفر الأدوية من الصيدليات؛ لأن أغلب الأدوية ليس لها وكلاء، أو أن الكمية التي تطرحها لا يمكن أن تدخل بها في مناقصة. وكانت الأمور ماشية إلى أن وقعت حادثة وفاة عشرة أطفال من مرضى السرطان في مستشفى الكويت، إثر تلقيهم دواء، فأوقفنا شراء الأدوية من الصيدليات.

لا حل حتى الآن
  هل يعني هذا أن الصيدلية التي تم إغلاقها أمام المستشفى الجمهوري بصنعاء بحجة بيعها الدواء المهرب الذي تسبب بوفاة الأطفال في مستشفى الكويت كنتم تتعاملون معها في شراء أدوية السرطان؟
نعم. حقيقة ليس لدينا، خلال الثلاث السنوات الماضية، أي أطباء أو تقرير في مركز الأورام قال إن العلاج الفلاني تسبب بمضاعفات أو أفاد بذلك، كما لا يوجد تقرير يقول إن الصناعة أو الشركة الفلانية أفادت...
من يوم حادثة مستشفى الكويت توقفنا عن شراء الدواء من الصيدليات التي كنا نشتري منها ونتعامل معها في شراء أدوية السرطان. عرضنا الموضوع على وزير الصحة، طه المتوكل، وبدوره وجه المركز بتوفير أدوية بديلة. وتوقفنا فترة لنرى حلاً، سواء من وزارة الصحة أم من هيئة الأدوية؛ لكن وإلى الآن لا يوجد حل.

الجميع تنصلوا من المسؤولية
 لا وزارة الصحة وفرت الدواء للمرضى، ولا سُمح للصيدليات ببيعه؛ إذن ما هو البديل للمريض؟
 كيف أجيب عليك؟! هذا من الأمور المؤسفة، ويعلم الله أننا يوميا نسأل أن يغفر لنا أرحم الراحمين؛ لأن الأمر ليس بيدنا كصندوق. بالنسبة لنا حاولنا وعملنا مذكرة -حتى وإن كانت مخالفة- للإخوة في المركز الوطني للأورام أن هذه الأدوية لم تعملوا معها مذكرة للصيدليات؛ لكن فوجئنا بأنهم أرجعوا الأدوية في اليوم السابق.
حقيقة، المريض في هذه الحالة ليس بيده حل إلا أن يشكونا إلى الله سبحانه وتعالى، فالكل يتنصل، والكل لا يتكلم بواقعية، لا أنتم كإعلام ولا نحن كمؤسسة حكومية.

الحل بيد الوزير ورئيس الحكومة
 ما هي الحلول إذن؟
 الحلول أن تجتمع وزارة الصحة مع رئاسة الحكومة من أجل تحمل المسؤولية، أن يناقشوا الموضوع بجدية وواقعية وينظروا للمصلحة العامة بعيداً عن الإعلام وبعيداً عن كل ما سيكتب، ويخرج الاجتماع بقرار بما سنعمله خلال هذه الفترة لاستكمال إجراءات المناقصة وتوفير الأدوية بعيدا عن المثالية الزائدة، كوننا في ظل عدوان وحصار.

توجيه خاطئ
 برأيك لماذا لم يوجد حل لهذه المشكلة؟
 للأسف الشديد، ومع احترامي للإعلام، فإن الإعلام هو الذي أصبح يوجه الحكومة ومؤسسات الدولة للاتجاه الذي يريده. ما عاد الإعلام يوجه الحكومة أن تشتغل بطريقة عقلانية ولما فيه المصلحة العامة.
مثلا: قضية مستشفى الكويت ربما الإعلام نحا بها منحى بعيدا، حيث دفع المرضى ثمنا ما كان يجب أن يدفعوه.
 أي منحى بعيد؟
 مثلاً، مدير الهيئة العليا للأدوية ونائبه حولوهما إلى النيابة، بأي حق؟! نحن نعرف أننا في ثماني سنين من العدوان والحصار، وعملية دخول الأدوية بمشقة، لأنك تعرف أن مطار صنعاء مغلق. إذا كان أهل عدن وحضرموت تأتيهم الأدوية من عندنا في صنعاء!!
 هذا لا يعني أنهما معفيان من الرقابة على السوق ومنع بيع الأدوية المهربة...؟
 لا أنكر هذا. من زمان، ومنذ كنت طالبا في الإعدادية وأنا أذكر أن اليمن بلد تهريب من زمان.

الوثيقة حجة لها وليس عليها
 هناك وثيقة موقعة من رئيس الهيئة العليا للأدوية في صنعاء، محمد الغيلي، وموجهة للهيئة العليا للأدوية في عدن، تطالب بالإفراج عن أدوية خاصة بمرضى السرطان وتابعة لإحدى الصيدليات التي تقوم ببيعها بصنعاء وتعز. ما صحة تلك الوثيقة؟
 الوثيقة حقيقية. الهيئة تقوم بعملها؛ لكن الذريعة التي أخذت عليها أنها قدمت طلب تسهيلات من الفرع في عدن لأجل دخول أدوية إلى صنعاء. المفترض أن يشكروا الهيئة على ذلك، لا أن يأخذوا ذلك حجة عليها.
الهيئة عندما أعطت وثيقة لشخص معين معناه أنها تعرف أن هذا الشخص هو من جاء بهذا الدواء، ولو حدث شيء أنا أعرف من قام بتوريد هذا الدواء، بينما الكثير من الأدوية تدخل بدون وثائق.
عدن تعتبر محافظة من محافظات الجمهورية اليمنية، وليست دولة ثانية.

المريض هو من يدفع الثمن
  إلى أين وصلت قضية أطفال مستشفى أطفال الكويت؟
إلى النيابة. أقول لك بكل حقيقة ووضوح إن هذا التصرف الذي تم سببه أن الكثيرين، الوزارة والمركز والهيئة والصندوق، تركوا النظر إلى المصلحة العامة.
أصبح الكل ينظر إلى مصلحته، خائفا من أن يتم تحويله إلى التحقيق في قضية ما، فيما أصبح المريض هو من يدفع الثمن.
 لماذا تم تأخير الإعلان عن حادثة مستشفى الكويت؟
 لا نريد تكبير هذا الموضوع نهائياً؛ لأنه موضوع يخص الوزارة ومركز الأورام.

كبش فداء
  هل يمكن القول إن وزارة الصحة جعلت هيئة الأدوية كبش فداء في تلك القضية؟
 هذا الذي حدث للأسف الشديد. ما أريد أن أقوله أن الوزارة جعلت الهيئة كبش فداء.
الآن الجهات الأربع كل واحد يرمي المسؤولية، لا أحد رضي أن يتحمل المسؤولية.
نحن اجتمعنا مرتين مع المركز وعملنا محضرا برعاية وزير الصحة، على أساس أن الصندوق ينزل مناقصة، وأنزلنا مناقصة قبل حوالى 10 أيام، وفي الوقت الحالي يواصل عمله بالآلية السابقة لتوفير الأدوية؛ لكن المحضر لم يأتِ إلينا حتى الآن.
حاولنا محاولة أخرى؛ على أساس الصيدليات توفر الأدوية للمركز، وتأتي لجنة من الهيئة تراها وتفحصها. نزلت اللجنة؛ لكن فوجئ الصيادلة بأنه أنا مثلا لديَّ من هذا الصنف 10 باكت، واللجنة تريد 20 أو 30 للفحص، أكثر مما لدي للبيع؛ وهذه إشكالية.
المفترض أن يأخذوا من كل نوع باكت للفحص؛ لكن لم يتم ذلك.
يجب أن نستشعر رقابة رب العالمين بأنه سيحاسبنا؛ لكن ذلك لا يوجد. نحن نخاف من القانون، الذي لا أدري هو قانون حق ويصلح للوقت الحالي! لا أدري أنه نفسه القانون الذي يعمل به أيام السلام والحرب!
 هل العلاج الذي تسبب بوفاة الأطفال في مستشفى الكويت كان موجودا في مخازن وزارة الصحة؟
 لم يكن متوفرا.

جزء من المسؤولية
 هل حادثة مستشفى الكويت درس لتلافي المشاكل مستقبلاً، أم أنها نبهت المسؤولين فقط للحرص على أنفسهم من الوقوع في أي مزلق قانوني يقودهم إليه؟
 نتمنى أن نستفيد منها من الجهتين، وفي الوقت نفسه تحسين أداء الخدمة؛ لأنه في الأول والأخير لا نريد أن نصل إلى أن نكرر العمل السابق نفسه.
أقول لك حقيقة أن حادثة الكويت أخذت منحى آخر، وهو توجيه كل اللوم على الوزير، وأنا لست مع هذا، حتى ولو قيل إن هناك اختلافا، ليس الوزير ولا غيره نستطيع أن نقول إنه هو المسؤول عن تفتيش الحقائب التي تأتي من الخارج.
 ولكن ألا يتحمل الوزير جزءا من المسؤولية؟
 يتحمل جزءا؛ لكن ليس المسؤولية كاملة.

«المالية» قيدتنا
 لماذا لا توفر وزارة الصحة هذا العلاج للمرضى بدلاً من شرائه من السوق؟
 أعطوا وزارة الصحة موازنة، أيام ما كنت موجوداً في وزارة الصحة كانت ميزانية الوزير 4 ملايين في الشهر. لم تعد الموازنات التي كانت قبل 21 أيلول/ سبتمبر. وزارة الصحة تحت مسؤولياتها مرضى كثير، فشل كلوي، ومرضى السكري، وغيرهم الكثير. الصندوق وجد للمساعدة. حتى في القانون السلطة تقول إنه لا يعفي الحكومة من مسؤولياتها. نحن الآن نعفي وزارة المالية من كل شيء. تحملنا الآن قيمة الديزل والنظافة والقرطاسية والتدريب والتأهيل...
وزارة المالية قيدتنا أكثر. تفيد رسالة منهم بأنك تجاوزت مبلغ 320 مليون ريال قيمة أدوية! يا أخي لم آخذها إلى بيتنا، وإنما للمرضى. تحكمني أنك ما تعالج 100 مريض في الشهر، طيب والباقون؟! نتبرأ منهم؟! مش منطق. نعاني كثيرا من وزارة المالية، رغم أن الفلوس ليست للمالية وإنما لصندوق مرضى السرطان، ورغم ذلك للأسف الشديد المالية قيدتنا.
أنا لا أمانع من وجود الرقابة؛ لكن أرفض أن تقيد عملنا الذي نعمله لما فيه المصلحة العامة. من حقي أن أتجاوز مليار ريال إذا كان المرضى محتاجين.
الآن فتحنا باب الدراسات العليا في مجال الأورام، ونسقنا مع الإخوة في المجلس الطبي على أساس أن يكون التدريس مجانيا للطالب؛ لكن يجب أن نوفر له حافز شهر، 200 دولار، وأريد حق المدربين. المالية تقول: أنا ما لي دخل! أريد أن أؤهل كوادر، المحافظات كلها لا توجد فيها كوادر، الكادر الوحيد هو عندي في المركز، ونحن فتحنا سبع وحدات بالمحافظات، من سيؤهلها؟! نتمنى التراجع عن تخفيض ميزانية المركز.
 ما مبرر وزارة المالية لتخفض الدعم على المركز الوطني لعلاج الأورام؟
 لا أدري. ربما لا يوجد لديهم قدرة مالية؛ لكن كنا نتمنى من وزارة المالية ألا تنظر للمركز كواحدة من المؤسسات الخدمية التي تأخذ مقابلا ماديا من المريض.
يعني مثلا عندما تخفض الدعم عن مستشفى الثورة أو الجمهوري، نظراً لأن لديهما عائدات يأخذها هذان المستشفيان من المرضى، بينما المركز يقدم الخدمات من الألف إلى الياء مجانا.
نتمنى من وزارة المالية أن تتراجع عن قرارها خفض موازنة المركز.

حرص في غير محله
   لماذا لا تذهبون إلى رئيس الجمهورية، مهدي المشاط، وتشكون إليه وزارة المالية؟
 رفعنا بذلك؛ ولكن مشكلتنا أن المختصين يعتقدون أنهم ملائكة الله في أرضه، وأنهم حريصون. وللأسف الشديد هذا الذي يحدث. نتمنى حرصهم أن يكون في محله. نحن قلنا إن لديهم ممثلين عندنا، أي أن تهدأ أو قل إنه لم يعجبك هذا الممثل؛ هات هذا الحريص، هنا عندي أو عند غيري؛ ولكن اصرفوا للمرضى، وبعدها يكون الحل. المالية تعرف ما عليها من مسؤوليات، وإذا كان هناك شيء توجد إجراءات رادعة؛ ولكن يعاني الناس بسبب فاسد؟! يجب أن يقدم للمحاكمة.
 
«البند السابع» أضر بمرضى السرطان
   قلت إن بعض الأدوية الخاصة بمرضى السرطان ليس لها وكلاء. ما السبب؟
 غالبيتها، للأسف الشديد، خاصة الأدوية الموجهة، كانت تكتب زمان بكميات قليلة، فالكميات التي تكتب للمرضى غير مشجعة للوكلاء كي يوردوها.
الشيء الثاني: عندما وضعت اليمن تحت البند السابع، امتنع كثير من الشركات الأوروبية عن توريد الأدوية إلى اليمن؛ كون البلاد تحت البند السابع ولا يجب التعامل التجاري معها.
البعض لديه تفسير آخر يقول إن الشركات الأوروبية ترى أن عدم توصيل الدواء مباشرة من الدولة التي يتم الاستيراد منها إلى مطار صنعاء، بل يصل الدواء إلى عدن.
 ثم ينقل بطريقة غير سليمة برا إلى صنعاء. ولهذا فالدواء قد يتغير بالظروف المناخية، فيما الشركة تحافظ على سمعتها وتمتنع عن التوريد.

غير متوفرة
   ما سبب توفير الأدوية لكل المراكز باستثناء تلك التي يغطيها صندوق مكافحة السرطان؟
 ليست متوفرة في كل المراكز. لدينا مركز واحد في صنعاء، والباقي عبارة عن وحدات. كان لدينا وحدتان فقط في الحديدة وإب، وعندما وصلنا إلى الصندوق فتحنا وحدات في حجة وصعدة وعمران وذمار والمحويت.

يذكرون السلبيات ويتناسون الإيجابيات
   البعض يتحدث عن عدم توفير الأدوية بسبب خلافات بين مدير الصندوق ووزير الصحة. ما صحة ذلك؟
 لا يوجد خلاف. هذا بعيد كل البعد. حتى لو كان هناك خلافات فإنما هي مجرد رؤى في وجهات النظر تصب في مصلحة العمل.
عدم توفر الأدوية التي كان يوفرها الصندوق للأسف الشديد. الكل يتنصل ويخاف أن يطاله العقاب؛ لأننا نسميهم مهربين. وللأسف الشديد، حتى اليوم 40 سنة وهناك ناس يشتغلون بالتهريب. والآن نحن لا ننظر للإيجابيات. فلو نظرت من العام 2019 حتى الآن كم عدد المرضى الذين تعافوا وخففت عنهم الآلام بتوفير هذه الأدوية؛ ولكن نسينا هذا كله! صحيح أن حادثة مستشفى الكويت مؤلمة؛ ولكن تمسكنا بهذه السلبية ونسينا كل الإيجابيات!

لا أدري عن تورط مسؤولين
   ما صحة الأنباء عن تورط مسؤولين في تهريب الأدوية؟
 في الوقت الحالي لا فكرة لديّ؛ لكن زمان وعندما كنت أدرس في باكستان كانوا يكلمونني بأنهم كانوا يدفنونه في الرمال. الأدوية الخاصة بالسرطان ليست كميات كبيرة، التي يأتي بها تجار شنطة بالمفتوح وعلى بلاطة؛ صيادلة أو تجار شنطة يجلبونها من الهند، وبطريق عدن، يوصلونها إلى صنعاء... وحتى الآن ليس لديّ فكرة عن تورط مسؤولين.

المنظمات الدولية رفضت
   لماذا لا يتم استيراد الأدوية عن طريق ميناء الحديدة بدلاً من اللجوء إلى المهربين؟
 المفترض. هذا ما كان في السابق، فميناء الحديدة ليس مفتوحا بالشكل المطلوب للأسف الشديد، فأي بضاعة من الضرورة أن تبقى في جيبوتي فترة وتتعرض للتغيير بسبب ظروف المناخ. أذكر وأنا في الوزارة أن بعض اللقاحات والعلاجات كانت تبقى في جيبوتي ستة أشهر، وتتلف بسبب عدم التكييف.
كنا نتمنى أن يكون للمنظمات دور فاعل في توفير الأدوية، مثلما هي حريصة على تحصين الطفل، تكون حريصة على توفير الدواء له، بنفس الإنسانية. أما أن تحرص على توفير اللقاح ولا توفر الدواء فهذه إشكالية.
لدينا إشكالية في توفير مادة «اليود المشع»، التي يحتاجها مرضى تورم الغدد الدرقية. وأيضاً نحتاج مواد أخرى لإجراء المسح الذري، كانت في السابق توفر عن طريق سورية أو تركيا، ويتم إرسالها مباشرة عبر مطار صنعاء ويتم فحصها في مستشفى الثورة. الآن المريض يسافر للخارج من أجل الفحص الذي يكلف 600 دولار، ويخسر أكثر من 5 آلاف دولار. خاطبنا الصليب الأحمر والصحة العالمية والأمم المتحدة والمجلس اليمني للتنسيق، وأيضاً خاطبنا وزير الصحة بأننا سنشتري هذه المادة فيما المنظمات الدولية تقوم بنقلها إلى مطار صنعاء؛ إلا أن المنظمات رفضت ذلك.
 
لهذا لم نستلم جهاز الإشعاع
   من يعرقل عمل الصندوق؟
 لا توجد عرقلة. العرقلة للمريض، وليست للصندوق.
   جهاز المعالجة الخطي المعالج بالإشعاع ظل فترة ولم تستلموه من شركة ناتكو. ما السبب؟
 لم نستلمه حتى الآن.
   لماذا؟
 لأن العقد بيننا ألا نستلمه إلا جاهزا؛ لأن لنا تجربة سابقة، أعطونا جهازا وتركوه في مخازن الوزارة ثم سلموه للمستشفى الجمهوري وأحرقوه في الحوش، ولا أحد يدري ما السبب ومن أحرق الجهاز! فحرصنا ألا نتسلم الجهاز إلا جاهزا وشغالا، وأن يدربوا الكوادر، ثم لم نستكمل المبنى المخصص له، الغرفة التي سنضعه فيها بمواصفات معينة وتكلف 600 ألف دولار.
  هل هناك موعد محدد لتسليمه؟
 بإذن الله في بداية العام 2023.

مناقصة لتوفير الأدوية
   كان هناك اجتماع لوزير الصحة، وكنتم ضمن المجتمعين، وكان الاجتماع بشأن إيجاد حلول لمشاكل مرضى السرطان. بماذا خرج الاجتماع؟
 تم الاتفاق على أن تنزل مناقصات وعملنا بها، ويتم الاستمرار بالعملية السابقة في توفير الأدوية؛ لكن هذا الاجتماع لم يتم تعميده كمحضر رسمي.
في الوقت نفسه خاطبنا شركة «يدكو»، الشركة الوطنية لإنتاج الأدوية، واليوم وصلني منهم كشف بحوالى 17 صنفا من الأدوية المهمة التي نحن محتاجون لها، على أساس أنهم مستعدون أن يوفروها خلال شهر ونصف. طلبنا منهم السعر لنستكمل الإجراءات معهم.

حقيقة ما حدث
    ما صحة الأنباء التي تحدثت عن رفض هيئة الأدوية فحص أدوية خاصة بمرضى السرطان، فيما قام مركز الأورام بإعادتها إلى الصندوق؟
 مثلما قلت لك، اتفقنا في لقاء أن نطلب من الصيدليات والشركات التي يتعامل معها الصندوق أن توفر أدويتها للمركز. سلموا الأدوية، وعلى أساس أن تنزل لجنة من الهيئة تفحص، ونزلت اللجنة؛ لكنها لم تعط المركز تقريرا خطيا؛ عند ذلك قال لهم المركز: عفوا يا صيدليات، خذوا أدويتكم؛ لأنه لا يوجد لدي تقرير خطي، فقط يقولون لي هذا ممتاز وهذا رديء، شفهي، ما ينفع! هذه حقيقة ما حدث.

لا يوجد مخزون علاجي
   هل لديك معلومات عن مخزوننا من أدوية السرطان في وزارة الصحة أو غيرها؟
 لا يوجد لوزارة الصحة مخزون، هناك مخزون عند الإخوة في مركز الأورام.
 نحن لدينا صيدلية وأدوية بسيطة، بدل أن يذهب المريض ويرجع، قلنا نوفر الأدوية هنا، أقله حق الشهر؛ ولكن بعد هذه الحادثة توقفنا عن هذا.

العدوان يمنع دخول الأدوية
   إذا كان السبب أن تحالف العدوان يمنع دخول الأدوية إلى مناطق السيادة، لماذا لا تقوم وزارة الصحة ومركز الأورام بعقد مؤتمر صحفي وإعلان مسؤولية التحالف، مثلما تعلن وزارة النفط عن احتجاز تحالف العدوان سفن الوقود؟
 عقدنا مؤتمرات وليس مؤتمرا؛ ولكن لا حياة لمن تنادي.
    ما هي الأدوية الخاصة بالسرطان التي منعها؟
 التي تم منعها بشكل أساسي «اليود المشع»، وكان لدينا جهاز إشعاعي، ومادة اسمها «المصدر المشع» يستخدمه الإخوة هنا في مركز الأورام. ولدينا جهاز يعالج بالإشعاع، المصدر المشع، رفض العدوان إدخاله. أما باقي الأدوية مثل غيرها.

يد المرتزقة في القضية
   هل وزارة الصحة هي الملزمة بتوفير هذا العلاج مجاناً؟
 العلاجات مجاناً، وسعره رخيص؛ ولكن لا أدري هل كانت عملية جنائية وعملوها ضجة! العلاج لا يتعدى الألف ريال. لا أدري إن كانت عملية جنائية مستهدفة من قبل المرتزقة! الله أعلم! ربما!
   ربما كان المرتزقة والخونة شطارا وعملوا هذه الضجة والإشكالية التي جعلتنا نبتعد كثيرا عن التعامل بعقلانية وتوفير الدواء. وهذا ربما من خطط العدوان.
وزارة الصحة لديها المركز، الذي يقدم الخدمات كاملة من الألف للياء مجاناً، أدوية وفحوصات، ونحن الآن فتحنا وحدة في مستشفى الثورة لإجراء عمليات جراحية مجانية، وهذا من الأشياء التي لم تكن موجودة أيام النعمة والرخاء.

المطلوب التعامل بمنطق وحكمة
   مرضى سرطان الدم يشكون عدم توفر الأدوية الخاصة بهم...؟
 لا ننكر ذلك. ربما يكون العلاج متوفرا في الصيدليات؛ ولكنهم خائفون من مصادرتها أو مساءلتهم، فهم من كانوا يوردونها على مدى ثماني سنوات أو من بداية الحرب، سواء للأطفال أو للكبار. لماذا لا نتحدث بواقعية ونقول إن هؤلاء خدموا ثماني سنين، وهم الذين كانوا يوفرون الأدوية؟! والآن نقول عليهم إنهم مجرمون، بينما كنا نقول في السابق إنهم طيبون ويوفرون الدواء. للأسف لا نتكلم بعقل، بمنطق، بحكمة.

لا نتوقع منهم خيرا
   ألا تتحمل وزارة الصحة مسؤولية توفير هذا الدواء؟
 أنت تتكلم عن وزارة الصحة التي ميزانيتها أربعة ملايين ريال في الشهر! ماذا تفعل الوزارة بهذا المبلغ؟!
   وأين دور المنظمات الدولية؟
 لا أخفيك، أنا راسلتهم لتوفير الأدوية؛ لكنهم طنشونا. الوزارة خاطبتهم أكثر من مرة أعتقد، لتوفير أدوية مرضى السكري والفشل الكلوي.
المنظمات كل سنة تخفف المساعدات. تخيل أن المركز الوطني للأورام كان يحصل على الديزل من منظمة الصحة العالمية إلى قبل سنة، وتم وقف الدعم. الآن نحن نتحمل قيمة الديزل، وأشياء كثيرة.كانت منظمة الصحة تقدم لنا أدوية لمركز السرطان، والعام الماضي رفضت، لا ندري ما هي سياساتهم، ولا نتوقع منهم خيرا.