حـوار / عادل عبده بشر / لا ميديا
تتمتع بدينامية عالية لا تعرف السكون، دائمة النشاط، حاضرة بصوتها وكلماتها وإنسانيتها إلى جانب الشعوب الحُرة في اليمن وفلسطين وسورية ولبنان وغيرها، حيثما وُجِدَ مقاوم للطغيان الأمريكي والصهيوني وعملائهم من أنظمة الخنوع في المنطقة، توجد هي كالمقاتل كتفاً بكتف؛ غير أن سلاحها التقارير التلفزيونية التي وصفها الكثيرون بـ«البالستية» وهي فعلاً كذلك.
لا تؤمن بالأحلام، بل بالأهداف، ولم تولد وفي فمها ملعقة ذهبية، وإنما عركتها الأيام والسنون. استشهد والدها في معركة حزب الله ضد الاحتلال الصهيوني عام 1989، وهي مازالت طفلة، لتنشأ على الطريق المقاوم والنفس الجهادي ذاته.
من شدة التحامها بالصمود اليمني في وجه التحالف الكوني على مدى تسع سنوات، صارت جزءاً من هذا الشعب. يناديها رفاقها بـ»زهراء اليمن». ومطلع العام 2019، كُرِّمت بدرع «صوت الجيش اليمني واللجان الشعبية».
إنها الإعلاميّة والصحفية لدى قناة «الميادين» الفضائيّة اللبنانية زهراء ديراني، التي حلت ضيفة على صحيفة «لا» في حوار صحفي

• زهراء ديراني اسمٌ لامع في عالم الصحافة والإعلام... كيف تقدمينَ نفسَكِ لجمهور القرَّاء؟
- زهراء نضال ديراني، صحفية لبنانية، حائزة على إجازة في الإعلام من جامعة بيروت العربية، وإجازة في العلوم السياسية من الجامعة اللبنانية، وماجستير في العلاقات الدولية من الجامعة الإسلامية. انضممت إلى أسرة "الميادين" عام 2011. كان لي محاولات سابقة في أكثر من قناة وفضائية عربية؛ لكن أعتبر أن مسيرتي الإعلامية بدأت فعلياً من لحظة انضمامي إلى قناة "الميادين".
كانت لي مشاركات خارجية ضمن فريق "الميادين"، في تغطية الانتخابات الإيرانية عام 2013، والانتخابات البرلمانية العراقية عام 2014 وعام 2021، كما قمت بتغطية التفجيرات التي استهدفت الضاحية الجنوبية في لبنان بين عامي 2013 و2014.
منذ عام 2015 بدأ اهتمامي الكبير بالقضية اليمنية، وأخذت هذا الملف الإنساني والسياسي والميداني العسكري بشكل شامل وكامل على عاتقي، إضافة إلى جهود الكثير من الزملاء، ولكن أصبح اسمي مرتبطاً ولصيقاً بالقضية اليمنية، حتى أن بعض الزملاء كانوا على سبيل المزاح ينادونني بزهراء الحوثي ولاحقاً زهراء اليمنية، وهذا شرف كبير لي. ولديّ كثير من التقارير، حيث كان اهتمامي أكثر بالقضايا الإنسانية في اليمن والعراق وسورية وفلسطين، حتى خارج حدود منطقتنا، لأنكم تعلمون أن "الميادين" شعارها "مع الإنسان في كل مكان"، وبالتالي أي قضية لأي مستضعف في هذا العالم نحن نسلط الضوء عليها ونوليها اهتماماً بالغاً.

أؤمن بالأهداف
• كيف اخترتِ مجال الصحافة والإعلام؟ ما الذي جذبكِ إلى هذا العالم؟
- في الثامنة من عمري كان لديّ هذا الهوس بأنني سأصبح صحافية، سأصبح إعلامية، سأكون مذيعة، فكنت دائماً أُردد ذلك لأمي وأقول لها: سيأتي اليوم الذي ترين فيه أن العالم يتحدث عن ابنتك وأنها ستصبح صحفية. وكانت أمي ترد على هذا الكلام بالضحك وعدم إعطائه الكثير من الاهتمام. ولاحظ الأقارب وكل من حولي أنني أمتلك هذا الصوت والحضور والقدرة على حفظ الدعايات والبرامج وتأليف المقدمات وكتابة النصوص والشعر، فكنت أتساعد أنا وأخي لكي نزيح التلفاز وأقف خلف المكتبة وأكون أنا المذيعة وأقدم له نشرة الأخبار على سبيل المزاح واللعب. وتطور الأمر لاحقاً، أي مسرح أو احتفال أو نشاط أو فعالية، دائما تجدني أتسلق على المسرح، رغم صغر سني في ذلك الوقت، لأحمل المايك وأبادر إلى التقديم أو التعريف في أي حفل لمؤسسة الشهيد، لأنهم كانوا دائماً ينظمون احتفالات متواصلة لعوائل الشهداء، وكان لديهم هذا البعد التربوي الثقافي والرعائي لعوائل الشهداء، وأقصد هنا شهداء حزب الله، كون والدي شهيدا في حزب الله، واستشهد وأنا في الثالثة من عمري. وهكذا كانت البداية، كان لدي هذا الشغف إلى أن دخلت الجامعة وتحقق هذا الهدف. أنا ليس لديّ أحلام، أنا أؤمن بالأهداف ولا أؤمن بالأحلام، الأحلام قد لا تتحقق، لكن الهدف إن وضعه المرء نصب عينيه فإنه إن سعى وعمل وجدّ وكدّ وتعب وسهر، حتماً يصل إليه، وهذا كان هدفاً وحصلت عليه.

ملعقة ذهب
• ُرفت زهراء ديراني بتقاريرها الإعلامية التي وصفها الكثيرون بأنها تقارير "بالستية". أين تجدين نفسكِ وأنتِ تُعدين تلك التقارير؟
- تحديداً في التقارير الإنسانية، وبشكل أخص التقارير المتعلقة باليمن وفلسطين، فإنني أجد نفسي مكان أهلي في اليمن وفي فلسطين، أضع نفسي وأشعر بشكل يفوق الوصف بمن أراهم أمامي، أو أي قضية أكتبها، مع الحفاظ حتماً على الموضوعية ونقل المعلومة الدقيقة، ولكن لا يمكن أن تكتب عن موضوع إنساني وأن تُوصل هذا الإحساس باللغة وبالصوت إلى المستمع من دون أن تشعر بمعاناة الناس وأن تختبر هذه المعاناة. وأنا لم آتِ من عائلة مُرفّهة ولم أُولد وفي فمي ملعقة من ذهب. عايشت الفقر واليُتم والحُزن والصعاب والكثير من التفاصيل التي مرّت على أهلي في اليمن والعراق وسورية وفلسطين. أنا ابنة هذه البيئة، وبالتالي عايشتها وعشتها بأدق تفاصيلها، ولهذا أبرع، وهذا ليس من باب المدح لنفسي، ولكن بحسب شهادات زملائي ومدرائي والإدارة والجمهور، بأنني بارعة جداً في التقارير الإنسانية وأن التقارير تلامس المُستمع وتُحرك مشاعره وتستقطب الجمهور لكي يتابعوا التقرير إلى النهاية.
كان دائما رفاقي وزملائي في القناة عندما يجدون كيس المناديل أمامي وأنني أذرف الدموع، يقولون: "يبدو أن زهراء عم تشتغل تقرير عن مجزرة، الله يستر، اليوم بَدَّها تبكينا"، وعلى الفور يتأكدون أنني أُعدّ تقريراً عن اليمن أو عن فلسطين؛ لأنني رغم كتابتي مئات التقارير عن اليمن وفلسطين والعراق وسورية ولبنان وكل التقارير الإنسانية حتى اليوم، لا يمكن أن أُعد تقريرا إنسانيا دون أن تسبق دمعتي قلمي، دون أن تسبق الدمعة الحبر، حتى هذه اللحظة، ويسألونني دائماً: معقول بعد كل هذه الخبرة وهذا الكمّ الهائل من التقارير مازلتِ تتأثرين؟! فأقول: إن لم أتأثر فلن أؤثر. الكاتب إذا لم يتأثر فلن يكون له تأثير على المستمع والمتابع والقارئ. ووصل الأمر إلى أن بعض التقارير التي أعددتها كان لها أثر جسدي وظهر الحُزن عليّ على شكل عوارض جسدية. في أحد التقارير عن عائلة الهُميمي في صعدة، الأطفال الأربعة بوجوههم المشوهة أثناء غارات العدوان، من شِدة حُزني وأنا أُعد التقرير، يدي اليُسرى عجزتُ عن تحريكها لمدة ثلاثة أيام. وتقرير جنين الحديدة، والمجازر التي ارتُكبت في اليمن، ووصل بي الأمر في مرحلة من المراحل إلى أنني كنت أقول لأمي بأنني أسمع صراخ الأطفال قبل أن أخلد إلى النوم.

خطوة مدروسة
• ظهرت الكثير من الأصوات تتحدث بأن "طوفان الأقصى" عملية غير محسوبة العواقب، وأن النتائج كانت وخيمة على المدنيين في غزة... كيف تعلقين على ذلك؟
- لا يمكن للمقاومة، وتحديداً المقاومة الفلسطينية والمقاومات في المنطقة التي خبرناها وعرفناها منذ أكثر من سبعة عقود، أن تقوم بأي خطوة غير مدروسة وغير محسوبة. ولا يمكن لأي عملية تحرير أن تتم بلا تضحيات وبلا دماء وبلا شهداء وجرحى، تحديداً هذه المقاومة تواجه أقذر جيش عرفته البشرية، وأقذر فئة مرّت على التأريخ البشري، وأقصد هنا الاحتلال "الإسرائيلي" الذي لم يوقف آلة القتل منذ 75 عاماً، هذه الآلة متواصلة ومستمرة بشكل يومي، وليست محصورة فقط بعملية "طوفان الأقصى" كما يحاول البعض أن يمسح التأريخ المُضرّج بالدماء لهذا الاحتلال، وكأن الاحتلال كان وديعاً قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وكأن آلة القتل "الإسرائيلية" والاعتقال والاعتداءات المتواصلة على أهلنا في الضفة الغربية والقدس والمسجد الأقصى وعلى غزة لم تسبق "طوفان الأقصى"! هذا الاحتلال معدنه وأساسه الإجرام والقتل، وبالتالي ما أقدمت عليه المقاومة هو خطوة مدروسة بكل أبعادها، ودماء الشهداء حتماً هي التي تُعبّد الطريق نحو التحرير والنصر. نحن في لبنان عام 2006، وقبل التحرير على مدى 20 عاماً من احتلال جنوب لبنان، كُنا نقدم الشهداء والتضحيات، وأثمرت هذه التضحيات وهذا الدم، نصراً إلهياً عام 2006، أثمر تحريراً عام 2000، وكان لبنان أول بلد يُكبِد هذا الجيش الذي يقال إنه "لا يُقهر"، هزيمة ساحقة وكسرنا جبروته. اليوم المقاومة الفلسطينية أعادت الأمور إلى نصابها، أعادت القطار العربي إلى السكة والطريق الصحيح، لأنه كان يُراد أن تذهب المنطقة بمجملها نحو التطبيع، ورأينا اتفاقيات "أبراهام"، الإمارات والبحرين والمغرب، وسبقتهم إلى هذا العار مصر باتفاقية "كامب ديفيد" والأردن باتفاقية "وادي عربة". أمّا بالنسبة للأصوات التي أشرت لها في سؤالك، فهؤلاء مجرد أبواق تتلقى أجراً نهاية الشهر، باعت ضميرها وصوتها ودينها وقضيتها وأخلاقها، مقابل حفنة من الأموال والمكاسب الشخصية، لا يقدمون ولا يؤخرون أمام الزلزال الذي أحدثه "طوفان الأقصى"، والذي لم يهزّ المنطقة فقط، وإنما تداعياته هزّت العالم بأسره، وإلا لِما جاءت الولايات المتحدة بأساطيلها وحاملة الطائرات، والرئيس الأمريكي بايدن، ووزير خارجيته بلينكن بزياراته المتعددة، لكي يصمد الكيان الكسيح الذي بات عاجزاً عن الوقوف على قدميه بمفرده، ونحن نتحدث عن "إسرائيل"، الكيان النووي الذي يمتلك أعظم وأقوى ترسانة تسليحية وعسكرية في المنطقة أن يظهر بهذه الهشاشة وأن تُعرّيه المقاومة وتظهره على حقيقته أمام أنظمة كانت تُراهن عليه وربطت مصيرها بمصير هذا الاحتلال العاجز عن حماية نفسه. من إنجازات "طوفان الأقصى" أنها أسقطت كل الأقنعة. اليوم لا مكان للرماديين، لا مكان لمن يقفون في الوسط أو على الحياد. اليوم هي معركة الحق أمام الباطل، اجتمع الإيمان كله لمبارزة الكفر كله، المتجسد اليوم بالشيطان الأكبر (الإدارة الأمريكية) وربيبته "إسرائيل" في المنطقة، والأنظمة الوظيفية المطبعة المتخاذلة، التي كان لها الدور الكبير، أيضاً، في العدوان على اليمن على مدى 9 سنوات، والحصار المتواصل منذ العام 2015. وبالتالي سقط القناع عن القناع، اليوم الشعوب هي التي تُحدد وتُقيّم، هُناك حالة استنهاض للوعي العالمي تخطت المنطقة عندما نجد المظاهرات تملأ الشوارع في دول غربية، ونجد هذا الاصطفاف العالمي الشعبي مع القضية الفلسطينية، فهذا يؤكد لنا أن عملية "طوفان الأقصى" أعادت تقويم المسار، وأعادت إصلاح ما أفسده الكيان الصهيوني والإدارة الأمريكية والأنظمة المتخاذلة.

رسائل "طوفان الأقصى"
• ما الرسائل التي حملتها عملية "طوفان الأقصى" فلسطينياً وعربياً؟
- فلسطينياً أكدّت عملية "طوفان الأقصى" أن الفلسطيني لم يبع أرضه، كما كانوا يُروجون في وسائل إعلام الـ"بترودولار" وتحديداً وسائل الإعلام الخليجية الناطقة باللغة العربية ولكنها في سياستها عِبرية بامتياز. هذه القنوات كانت على مدى السنوات الماضية تُروِّج لعدد من المفاهيم المشوهة عن الفلسطيني تحديداً وعن القضية الفلسطينية، بالقول بأن الفلسطيني باع أرضه، تخلّى عن قضيته، بأن الشعب الفلسطيني يستخدم هذه الورقة لابتزاز الأنظمة من أجل تقديم المساعدات له. أكدت عملية "طوفان الأقصى" أن الشعب الفلسطيني متمسك بحقه وبأرضه ولو تخلّى عنه العالم كله لنّ يتخلّى عن خياره في المقاومة.
النقطة الثانية هي انتصار الدم على السيف، أكدت المقاومة الفلسطينية أنه مهما بلغ الحِصار، مهما بلغ التخاذل والتواطؤ والتآمر من القريب والبعيد مِن الدول المجاورة، للأسف، التي تُطبق بحصارها وتشارك الكيان الصهيوني بحصار الشعب الفلسطيني، أن هذه المقاومة قادرة على تمريغ أنف الاحتلال بوحل الهزيمة، وأن المقاومة لم تركن إلى الحلول المتعلقة بحل الدولتين وبالتسويات التي روجوا لها على مدى العقود الماضية وتحديداً في العقد الماضي.
أيضاً الإبداع الذي رأيناه في دقة التنفيذ من قبل المقاومة وبالحرفية والجهوزية وتنوع الوسائل التي اعتمدتها في "طوفان الأقصى"، وأنها تغلبت على هذا الكيان بما يمتلكه من أجهزة استخبارية وتفوق على كل المستويات، تمكّنت المقاومة من أن تُحرز نصراً لن يُغيّر فقط وجه المنطقة، وسيكون لها انعكاس على كل العالم، ولا نبالغ عندما نقول ذلك.
وعربياً "طوفان الأقصى" أجهضت مسار التطبيع، وأكدت للأنظمة المُطبعة أن ربط مصيرها بالكيان الصهيوني هو كمن يشتري سمكة في البحر، كمن يُراهن على السراب، كمن يُراهن على الوهن. وأكدت لهذه الأنظمة العائمة على بحار النفط والمُتخمة بالثروات، أن هذا الكيان عاجز عن حماية نفسه، فكيف سيقدم الأمان لهذه الأنظمة؟! أيضاً أعادت الوعي عند الشعوب العربية التي مارسوا عليها تضليلاً إعلامياً مكثفاً خلال السنوات الماضية والترويج لتصفية القضية الفلسطينية بأشكال متعددة، وأعادت الأمور إلى نصابها. ويطول الحديث عن إنجازات هذا اليوم المبارك الذي أعاد للأمة عزها ومجدها ومقاومتها وعروبتها وانتمائءها إلى مقدساتها، لأن الشعب الفلسطيني لا يُدافع عن أرضه ومقدساته فقط، هو يُدافع عن مقدسات المسلمين، المسجد الأقصى لا يعني الشعب الفلسطيني وحده، والقضية الفلسطينية لا تخص الشعب الفلسطيني وحده، القضية الفلسطينية أكبر بكثير من أن نحدّها بحدود جغرافية، هي قضية كل الأحرار في العالم، من يرفضون الذُل والخضوع وقول نعم للطُغاة في هذا الزمن.

تفوق المقاومة
• كيف استطاعت المقاومة في غزة إدارة المعركة والصمود بثبات لأكثر من 70 يوماً حتى اليوم وإثخان العدو؟
- المقاومة تفوقت بكل المجالات على كيان الاحتلال، نتحدث عن كيان نووي، عن جيش هو من أقوى الجيوش في العالم ولديه دعم مفتوح مالياً وعسكريا وسياسياً وتسليحياً من أمريكا والدول الغربية بوضوح وعلانية، أيضاً للأسف، لديه دعم من بعض الأنظمة العربية المتخاذلة وتلك المشاركة في العدوان على الشعب اليمني، وأقصد الإمارات والسعودية. هناك الكثير من التقارير التي تحدثت عن مشاركة مباشرة من هاتين الدولتين في العدوان على غزة وحصارها، وأيضاً الطلب من الكيان الصهيوني القضاء على المقاومة، وتحديداً حركة حماس. حتى اليوم دخلنا الشهر الثالث من العدوان على غزة لم يُحقق هذا الكيان هدفاً واحداً، ولا يزال المقاومون في الميدان يكبدونه خسائر لا يُفصح عنها، ويخفي أرقامها، كي لا تتزعزع معنويات جيشه التي هي في الحضيض. وإن عُدنا للتقارير "الإسرائيلية" يتبيّن لنا الإحباط الذي أصاب جنود الاحتلال، بعضهم يتحجج بالمرض وبعضهم يرفض الانضمام إلى العملية العسكرية، وهم لا يمتلكون أساسا هذه الروحية، خاصة أنهم يقاتلون وهم يعلمون أن هذه الأرض ليست أرضهم، على عكس المقاتل الفلسطيني الذي يؤمن بالشهادة وصاحب عقيدة وروحية قتالية عالية ويتسلح بالإيمان ويعلم أنه إن ارتقى سيرتقي شهيداً دفاعاً عن أرضه. هُم جبناء لا يملكون ثقافة ولا يملكون هذه العقيدة وهذا الارتباط، خلافا لصاحب الأرض الذي يدافع عن أرضهِ.
المقاومة تدير المعركة بكفاءة عالية، تكبد خسائر بشرية وعسكرية ومادية لهذا الاحتلال العاجز الذي ارتكب المجازر ودمّر الأحياء. ورغم كل المآسي والحصار والخذلان يُصر الفلسطيني على الثبات في أرضه، ويقول: لن أنزح وأنا متمسك بخيار المقاومة. كانوا يُراهنون من خلال هذه المجازر على أن تنقلب بيئة المقاومة والحاضنة الشعبية لها، وهذه الورقة لعبوا بها كثيراً، وهي ورقة محروقة، لأن الشعب الفلسطيني لا يمكن أن يتخلى عن مقاومته، لأن هذه المقاومة خرجت من كل بيت فلسطيني. هذا جزء من انتصارات المقاومة، وأيضاً الحرب النفسية والإعلامية والبراعة التي تستخدمها المقاومة في تعرية الاحتلال وفضحه أمام جبهته الداخلية، العقل الاستراتيجي الذي أدار عملية تبادل الأسرى، وأيضاً توثيق المعارك التي يقوم بها المجاهدون ونشرها، وحتى اليوم لم نجد فيديو للكيان الصهيوني يُظهر قتل عُنصر واحد من حماس، تجرؤوا ودخلوا إلى مراكز الإيواء والمستشفيات وسحبوا الرجال العُزل المدنيين الذين هم مع عائلاتهم وجردوهم من ملابسهم في محاولة ليصنعوا نصراً، وكانت فضيحة، لأن هذا الكيان أثبت أنه الأب الروحي لتنظيم داعش، وإن اختلف اللباس واللغات بينه وبين داعش، إلا أن الفكر الإجرامي هو واحد لهذه العصابات الإجرامية، وما الكيان الصهيوني إلا عبارة عن عصابات إجرامية تم جمعها كالمرتزقة من كل أنحاء العالم.

العداء للمقاومة وحماس
• تحدثتِ عن مطالبة أنظمة عربية لـ"إسرائيل" بعدم إيقاف الحرب حتى القضاء على حماس. لماذا كل هذا العداء لحماس؟
- هناك عدد من الأنظمة العربية، السعودية تحديداً والإمارات والبحرين، طلبت بشكل رسمي وتمنت على الكيانا لصهيوني أن يقضي على حركة حماس، وهذا ليس مستغرباً؛ لأننا في جنوب لبنان عام 2006 بحسب التقارير التي كُشفت بعد حرب تموز وبحسب عدد كبير من الدبلوماسيين الذين كان لديهم تواصل وتنسيق وكانوا يُديرون إيقاع المفاوضات، أبلغوا حزب الله بهذه المعلومات وكشفها أمين عام حزب الله في أكثر من خطاب، بأن السعودية عرضت تمويل العدوان على لبنان عام 2006 بعد أن أُنهكَ الجيش "الإسرائيلي" وتعرض لهزيمة، لكي يُكمل هذا الجيش معركته لسحق المقاومة في لبنان. اليوم المشهد يُعيد نفسه من هذه الأنظمة المتخاذلة التي سقطت أقنعتها، وكان هناك طلب واضح بسحق هذه المقاومة.
أما لماذا هذا العداء لحماس، فلأن هذه الأنظمة هي أنظمة وظيفية وأنظمة متبنية للخيار الصهيوني والأمريكي، وأدوات تعمل وفق الأجندة الأمريكية ولا رأي لها، بل على العكس هم متماهون جداً مع الكيان الصهيوني، ويجدون أن بقاءهم وبقاء هذه العروش مُرتبط ببقاء هذا الكيان، وبالتالي هم يراهنون وكانوا يُمنون النفس بأن يتمكن الاحتلال من سحق المقاومة في غزة، فلم يتمكن هذا الجيش كما سبق وعجز عن القضاء على حزب الله عام 2006، عن نجاح المشروع التكفيري في سورية والعراق أيضاً. اليوم حركة حماس تؤكد أن المقاومة متجذرة في هذه المنطقة، وأنه لا حياة لمشروع تطبيعي، ولا يمكن أن يكون هناك سلام مع كيان غاصب ارتكب أفظع المجازر وكان نازياً وفاشياً تجاه ليس فقط الشعب الفلسطيني، فمشروع "إسرائيل الكبرى" هو أبعد بكثير من فلسطين المحتلة، هم عينهم على المنطقة بأسرها بما فيها من ثروات وخيرات وإمكانيات.

مستقبل المنطقة
• هل نستطيع القول بأن غزة –بما تفعله الآن– ترسم مستقبل فلسطين؟
- غزة لا ترسم مستقبل فلسطين، هي ترسم مستقبل المنطقة، المنطقة اليوم مستقبلها مربوط ومرهون ومعقود على النصر في غزة. الموضوع أبعد بكثير من فلسطين المحتلة، كان يُراد لهذه المنطقة بما فيها من ثروات ومقدرات أن يعبرها قطار التطبيع وأن تتسيد "إسرائيل" ومن خلفها أمريكا المشهد والمنطقة، وأن تُنهب هذه الشعوب بشكل أكبر من السنوات الماضية، وتحديداً بعد أزمة أوكرانيا والعملية العسكرية الروسية وظهور المجتمعات الأوروبية بهذه الهشاشة وحاجتهم إلى الطاقة والغاز والنفط وكل هذه المقدرات التي تتميز بها منطقتنا. غزة ترسم اليوم المشهد على مستوى المنطقة، لأنها تُعيد ترتيب المشهد. خلال السنوات الماضية كان الرهان على الإرهاب، حرّكوا هذه التنظيمات وخلقوها ومولوها وغذوها كي تقوم بتقسيم المُقسم في المنطقة ولكي تُضعف هذه الشعوب وتُغرقنا في الحروب، فتم القضاء على هذا المشروع وهذه المؤامرة الكُبرى. اليوم غزة تضرب التطبيع في مقتل، وتقضي على هذا المشروع بشكل كامل وتُعيد الأمور إلى نصابها، وتُعيد الشعوب إلى البوصلة والوجهة الحقيقية، فبدلاً من التناحر فيما بيننا البين وإغراقنا في الأزمات تُعيدنا فلسطين وتجمعنا تحت رايتها، لتقول لنا إن عدونا هي أمريكا ومن خلفها ربيبتها "إسرائيل".

دخول اليمن الحرب
• كيف ترين دخول اليمن بهذه الجرأة والعلنية الحرب نصرة لغزة خاصة وفلسطين عامة، في الوقت الذي لم يتجرأ أي من الأنظمة العربية على رفع سبابته في وجه أمريكا و"إسرائيل"؟
- لم يكن مستغرباً، ولم يُشكل لي أي صدمة، بل على العكس. كان بالنسبة لعارفة بالشعب اليمني، لعارفة بتاريخ اليمن وارتباطه الوثيق بالقضية الفلسطينية ودفاعه الصادق وليس مجرد شعارات وأقوال وإنما أفعال. ارتباط هذا الشعب بالقضية الفلسطينية ودفاعه الصادق عنها لم يكن لديّ أدنى شكّ في أنه سيكون هناك خطوات، وإن كنت لم أكن على معرفة بهذه الخطوات أو كيف سيُترجم هذا الدخول والمشاركة من اليمن، ولكن على مدى سنوات كان هناك خطابات متواصلة من السيد عبدالملك الحوثي (حفظه الله)، وكان يؤكد على أن أي تهديد أو استهداف من قبل الكيان الصهيوني أو مشاركة مباشرة مع تحالف العدوان على اليمن، سيكون الرد جاهز وحاضر، وأنا أعلم أن هذا القائد وأن القيادة اليمنية وحكومة صنعاء لا تتحدث من اجل الكلام ولا ترفع الشعارات وإنما تستند في قولها إلى الفعل وإلى الميدان وما يمكن إنجازه على الأرض وعلى الواقع. ومن هنا جاء التناغم الشعبي والرسمي، هذا التناغم الفريد، لأنه كما تعلم أن في الكثير من الدول العربية إن لم يكن أغلبها هناك رغبة شعبية، ولكن القرار الرسمي لا يتناغم مع رغبة الشعوب في مواجهة الكيان الصهيوني. الحالة اليمنية هي فريدة بامتياز، هذا التناغم الرسمي الشعبي، وقوف الشعب واستماع القيادة إلى نبض الشارع وتلبية مطالب الناس، ورغبة الجمهور اليمني بالانضمام إلى المعركة كان أولاً رسالة قوية إلى مرتزقة الداخل والدول التي يعملون تحت إمرتها وإلى الإقليم والعالم بأسره، بأن كل المحاولات لدق الأسافين بين القيادة والشعب ذهبت هباءً منثورا. أيضاً على وحدة الصف في اليمن وارتباط هذا الشعب ارتباطا وثيقا بالقضية الفلسطينية، رأينا كيف هب الجميع، وكان هناك مطالبات شعبية ورسمية لفتح الحدود والانضمام إلى الجبهات، وهم لا يقولون هذا الكلام لمجرد القول، أنا أُدرك أنهم إن سُمح لهم وفُتحت الحدود وكان بإمكانهم أن يصلوا، والله ولن أُبالغ إذا قلت بأنه لن يكون هناك صُبح على المستوطنين، لن يكون هناك كيان في اليوم التالي، وهذا ليس من باب المبالغة ولكن بمعرفتي بالشعب اليمني، المقاوم اليمني وشراسة وصلابة وقوة عقيدة هذا المقاوم.
حتماً كانت عمليات اليمن صادمة لكل المتابعين، أن يأتي هذا اليمن المُثخن بالعدوان بعد تسع سنوات، استُخدمت أبشع أساليب القتل وكل صنوف القتل بحق اليمن وشعبه، أكثر من 750 مجزرة، أكبر كارثة إنسانية في التاريخ الحديث، نتحدث عن انتشار أوبئة عفا عليها الزمن، عادت وظهرت في اليمن، تدمير البنى التحتية، حصار مطبق براً بحراً جواً، استخدام الأسلحة المحرمة دولياً، محاولة ابتزاز الناس، وسياسة التجويع ومنع المرتبات ونهب ثروات اليمن... كل هذه الويلات ثم يأتي العملاق اليمني ينهض من تحت كل معاناته ويقف هذه الوقفة الجبارة التي هزت المنطقة وجعلت أمريكا والكيان الصهيوني يقفون على قدم واحدة، وأن يقوم بما قام به، هذا كان تحولاً على مستوى ليس فقط المنطقة، الكل الآن في العالم ينظرون إلى اليمن على أنه النموذج والقدوة، وكل الشعوب باتت تطالب أنظمتها وحكوماتها بأننا نريد أن نكون كاليمنيين. اليمنيون اليوم هم القدوة لكل الأحرار في العالم، لا يمكن لأحد أن يتذرع بعد التجربة اليمنية وهذا الدخول القوي لليمن والعمليات المتتالية التي دكّت "إيلات" وأوجعت الكيان، وإن كان هناك من يحاول أن يُقلل من قيمة هذه الضربات التي تُنفذها المُسيّرات والصواريخ البالستية، وكذلك استخدام اليمن أقوى ورقة التي هزت العالم بأسره، وهي ورقة الملاحة الدولية ومنع عبور أي سفينة تتجه نحو الكيان مهما كانت جنسيتها، هذا الأمر هو الشغل الشاغل لكل عواصم القرار وكل القنوات العالمية الكبرى والمحللين العسكريين والاقتصاديين والأمنيين، الكل يتحدث منذ أيام على ما قامت به اليمن، وعن الضربة التي قصمت ظهر هذا الاحتلال ومن خلفه أمريكا والدول الأوروبية. وبالتالي ما حدث هو يوازي سبت السابع من أكتوبر، وهذا ستشهد له الأجيال وسيكتب عنه التأريخ وربما لن يكفي الحبر ليكتب عن حجم هذا الإنجاز النوعي.

قرار أمريكي
• البعض وصف إعلان القوات المسلحة اليمنية منع مرور جميع السفن المتجهة إلى موانئ الكيان الصهيوني، من أي جنسية كانت، بأنه استجلاب لعدوان جديد على اليمن تقوده أمريكا و"إسرائيل" وحلفاؤهما في المنطقة، ما رأيكِ أنتِ؟
- متى توقف العدوان على اليمن، أو المؤامرات وخطط التقسيم ونهب الثروات وإفقار الشعب اليمني؟! أليس هذا الحصار متواصل منذ 2015، والمكائد تسبق عام 2015، وكانت الولايات المتحدة تعتبر أن اليمن في جيبها وحولته إلى حديقة خلفية للسعودية التي استخدمت كل صنوف الترهيب والترغيب لجعل اليمن تابعاً لها ولنهب ثرواته؟! وبالتالي لم يخسر الشعب اليمني شيئاً أمام العدوان الذي تعرض له على مدى 9 سنوات، وهذا ما أقرؤه في التغريدات وأسمعه في المساحات وأتابعه عبر التصريحات، وتحديداً أتحدث عن نبض الشارع قبل التصريحات الرسمية، المواطنون اليمنيون يقولون: ليس لدينا شيء نخسره، أنتم دمرتم بيوتنا، قتلتم أطفالنا، ارتكبتم بحقنا المجازر، حاصرتمونا، منعتم عنا الرواتب، نهبتم ثرواتنا، وبالتالي ما الجديد الذي ستقومون به ضدنا؟! لا جديد، أن نخسر مادياً وبضربات لعدوان اختبرناه على مدى 9 سنوات وصمدنا صموداً اسطورياً في وجهه، أهون علينا من أن نخسر كرامتنا وديننا ودنيانا وآخرتنا. نحن نتحدث عن مجتمع يمني محافظ مرتبط بعاداته وتقاليده وفي المقام الأول بدينه، وهو ذو خلفية إسلامية متأصلة ومرتبط بهويته ارتباطاً وثيقاً ولا يمكن سلخ اليمن عن هويته الإسلامية والعقائدية، لذلك يعتبر اليمن أن من واجبه الديني والأخلاقي والإنساني والعروبي أن يقف مع الشعب الفلسطيني، وأكثر شعب يعلم ما الذي يعيشه الشعب الفلسطيني هو الشعب اليمني، لأنه خبر ما نراه اليوم في غزة. كل ما رأيناه في غزة منذ عملية "طوفان الأقصى" حتى هذه اللحظة، تم استنساخ التجربة الصهيونية وتطبيقها على الشعب اليمني من عام 2015 حتى اليوم، ولا يمكن لعاقل ومتابع للشأن اليمني أن ينكر أن للكيان الصهيوني بصمات في المخطط والعبث والإجرام الذي رأيناه في اليمن، وما سُمي "عاصفة الحزم"، عدوان الإمارات والسعودية الصهيوأمريكي، لأن هذه الأدوات المتمثلة بالسعودية والإمارات كان يحركها الأمريكي وتُحركها المصلحة والمشروع "الإسرائيلي" في المنطقة، وإلا لماذا أعلن وزير الخارجية السعودية عادل الجبير من واشنطن في عام 2015 انطلاق العمليات ضد اليمن، وأعطى الضوء الأخضر وأعلنها في مؤتمر صحفي؟! وبالتالي مصنع ومطبخ قرار العدوان على اليمن كما قرار العدوان اليوم على غزة هو أمريكي بامتياز، وأمريكا هي ربّ هذا الإجرام في المنطقة.

دور الإمارات
• في الوقت الذي حرّمت فيه صنعاء مرور السفن الصهيونية من البحر الأحمر، ذهبت الإمارات لتوقيع اتفاقية تقضي بإنشاء جسر بري بين ميناءي دبي وحيفا المحتلة، ما تعليقك على ذلك؟
- سبق أن أشرت إلى الدور الإماراتي الخبيث المتماهي بشكل كبير مع المشروع "الإسرائيلي"، وهي أداة "إسرائيلية" في المنطقة، وتعد مستوطنة من المستوطنات "الإسرائيلية" في المنطقة، وإن كان لباسهم عربياً ولسانهم عربياً؛ لكن سلوكهم صهيوني بامتياز، وبصمات الإمارات الشيطانية في أكثر من دولة عربية، آخرها كان السودان وقبلها اليمن، واليوم بصمات الإمارات في غزة واضحة بالعين المجردة، وشراكتها وتناغمها واضح مع العدو "الإسرائيلي". وفي الأيام الأولى لـ"طوفان الأقصى" تحدثت تقارير غربية أن الإمارات فتحت قاعدة الظفرة، واستقبلت طائرات أمريكية وأوروبية تحمل دعماً عسكريا للكيان الصهيوني، أيضا المساعدات التي أُرسلت للمستوطنين في غلاف غزة من الإمارات كتعويضات لهم.
الإمارات لا تختلف في مشروعها عن الكيان الصهيوني، وهذا ليس اتهاماً، وإنما وقائع وأدلة ومعطيات نستند إليها في تقييم دور الإمارات، منذ 2020 واتفاقية "أبراهام" وهي تنحدر إلى الدرك الأسفل. أما اليوم فظهرت الأمور بشكل واضح وجلي، الإمارات قامت بأخبث ما يمكن أن يُقام به، وهو تغيير المناهج التعليمية وحذف كلما يتعلق بالقضية الفلسطينية بصلة، وتكريس الرواية "الإسرائيلية"، وبالتالي تعمل على صنع أجيال مطبعة تكره القضية الفلسطينية وترفض مبدأ المقاومة ولا تعترف به، وتتماهى مع المشروع "الإسرائيلي".

سر التعلق باليمن
• ما سر التعلق الشديد للإعلامية زهراء ديراني باليمن، ويظهر ذلك جلياً في التقارير الإعلامية والحضور الفعّال على مواقع التواصل الاجتماعي؟
- السر لا يُفشى؛ ولكن من الصعب جدا أن أصف مدى ارتباطي بالشعب اليمني والقضية اليمنية، مهما حاولت أن أتسلح وأن أستنجد بمخزوني من المصطلحات والعبارات وبما أمتلكه من ترسانة مصطلحات لكي أصف لك مشاعري على المستوى الشخصي والمستوى المهني باليمن، سأكون مقصرة جداً في هذا الجانب.
أنا أعتبر نفسي ابنة اليمن وجزءا من الشعب اليمني، أنا نقلت اليمن إلى داخل بيتي، أدق تفاصيلي مرتبطة باليمن، كل شبر في حياتي تجد فيه شيئاً من اليمن، مكتبي، جدران البيت، حاملة المفاتيح، الجنبية ومحفور عليها اسم اليمن، هاتفي المليء بالزوامل التي هي رفيقة دربي في كل رحلة ومشوار أقوم به مهما كان صغيراً. متابعة الواقع اليمني الداخلي قراءة تاريخ اليمن، التعرف على شخصياته، على أهله، طبائعهم وعاداتهم، يعني هناك شيء يفوق الوصف يربطني باليمن، ربما لأني لمست هذه المظلومية التي تعرض لها الشعب اليمني، ولأنني خبرتها وعشتها بأدق تفاصيلها على المستوى الإنساني الشخصي، ولكن أنا أعتبر نفسي جزءا من هذا اليمن الكبير العظيم، واحدة من أبنائه، صحيح أنني لبنانية بالهوية، ولكن الهوى يمني وقلبي ينبض يمنياً ولا أبالغ، كل من حولي إن حدث أي عملية للقوات اليمنية، هاتفي لا يهدأ بالتبريكات، هم باتوا يؤمنون بأنني يمنية.
عندما أقول: أهلي في اليمن فأنا أعنيها وأشعر بها، وهدفي الأساسي والرئيس وكل يوم أدعو الله أن أزور اليمن قبل أن يأخذ منيته وأن يكتب لي هذا اليوم وألا يكون بعيداً، حاولتُ مراراً أن أتجاوز كل المعوقات لكي أصل، ولكن كانت النصيحة بأن الوقت غير مناسب للزيارة، وإن شاء الله تكون زيارتي إلى صنعاء قريبة جداً، ولدي مشروع كبير بتأسيس عمل يخدم اليمنيين إن شاء الله. أهدافي لخدمة أهلي في اليمن كبيرة جداً، وهو جزء بسيط كتعبير من زهراء على امتنانها لأهلها الذين أعادوا لهذه الأمة مجدها وكرامتها وعزها وشرفها، وقالوا لا لجبروت الطغاة ولا للمطبعين ولا للكيان الصهيوني، ولم يكتفوا بتمريغ أنف 16 دولة دخلت لقتل أبناء الشعب اليمني، وإنما اليوم وقفوا في وجه الإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني نداً لند ليقولوا لهم: زمن الهزائم ولى ونحن أسياد الميدان وأسياد الانتصارات.

رسائل ختامية
• بماذا تحبين أن تختتمي هذا الحوار؟
- أولا: أشكركم جزيل الشكر على إعطائي هذه الفرصة وهذه الاستضافة، الشكر موصول لجميع العاملين في صحيفة "لا". والرسالة الثانية هي سلامي لأهلي في اليمن على صبرهم وجهادهم وصمودهم وتضحياتهم، على مدى 9 سنوات، على نصرهم الأسطوري، اليمن الذي كان يُراد له أن يبقى مغيباً مهمشاً محجوباً بشكل كامل، بات اليوم هو الرقم الصعب في المنطقة، نهض العملاق اليمني ليعيد أمجادا حاول الأقزام أن يتسلقوا على ظهر هذا العملاق، ولكن شاء الله والقيادة الحكيمة أن تعيد الأمور إلى نصابها، أقول لأهلي في اليمن: ارتبطوا أكثر بهذه القيادة الحكيمة، التفوا حولها، كونوا سنداً وعوناً لها، الاستحقاقات الكبرى لم تنتهِ بعد، ما بعد العدوان يحتاج إلى جهد وصبر أكبر لكي يعود اليمن وينهض ويشهد ثورة إعمارية واقتصادية ويعود إلى عزهِ وأمجاده، وبالتالي الاستحقاقات الكبرى ستأتي بعد رفع الحصار، لذا يجب على الجميع أن يتكاتف كما كان متكاتفاً خلال سنوات العدوان، وقريباً بإذن الله سنكون معكم في صنعاء وكل المحافظات اليمنية لنحتفي بهذا النصر الإلهي الذي حققه الشعب اليمني على كل دول العدوان.
أما رسالتي للجيش اليمني: نصركم الله وأيدكم ورعاكم، أنتم أعدتم لهذه الأمة أمجادها، كانت الجيوش العربية تُصور على أنها جيوش شكلية صدئ السلاح في مخازنها ونسيت القتال، أنتم أعدتم للجيش العربي عزه ومجده، كلنا معكم، كلنا خلفكم، ولدينا ثقة كبيرة بكم وبما ستصنعونه من إنجازات ليس فقط لليمن وليس فقط لفلسطين، وإنما أنتم تنتصرون لكل المستضعفين في المنطقة.
ورسالتي الأخيرة إلى القيادة اليمنية: نحن معكم، نثق بكم وبخياراتكم، وإن شاء الله النصر قريب، وجزاكم الله عنا وعن أهلنا في غزة خير جزاء.