خبير عسكري يوضح لـ خطوات تنفيذ الحظر البحري وانعكاساته على «إسرائيل».. بعد «إيلات».. ميناء حيفا مغلق بأمر اليمن
- تم النشر بواسطة عادل عبده بشر / لا ميديا

العميد شمسان: سيتم استهداف الميناء بضربات نوعية في الوقت الذي تحدده صنعاء
معهد دراسات صهيوني: تعطيل الميناء يعني قطع عصب الحياة للاقتصاد «الإسرائيلي»
عادل بشر / لا ميديا -
خطوة تصعيدية لافتة اتخذها اليمن في خضم التصعيد العسكري والسياسي للحرب «الإسرائيلية» على قطاع غزة، تمثلت بإعلان صنعاء الحظر البحري على ميناء حيفا المحتل، الأمر الذي اعتبره مراقبون انتقالا إلى مرحلة أخرى من الإسناد اليمني لغزة عبر السعي لإغلاق أحد أبرز الشرايين الاقتصادية في فلسطين المحتلة، وما يسمى «بوابة إسرائيل إلى العالم».
وأعلنت القوات المسلحة اليمنية، بدء فرض حظر بحري على ميناء «حيفا» في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وأوضحت في بيان صادر عنها، مساء أمس الأول، أن هذا القرار يأتي «تنفيذاً لتوجيهات القيادة ببدء العمل على فرض حظر بحري على ميناء حيفا»، كما يأتي «رداً على تصعيد العدو الإسرائيلي عدوانه الوحشي على غزة وارتكاب العشرات من المجازر يوميا في جريمة إبادة جماعية لم يشهد لها العالم مثيلاً، ورداً على استمرار الحصار والتجويع في القطاع».
وحذرت القوات المسلحة كافة الشركات التي لديها سفن متواجدة في ميناء حيفا أو متجهة إليه، من أن الميناء المذكور صار منذ ساعة إعلان البيان، ضمن بنك الأهداف اليمنية وعلى تلك الشركات أخذ ما ورد في البيان وما سيرد لاحقاً من القوات المسلحة اليمنية، بعين الاعتبار.
وأشار البيان إلى أن هذا القرار يأتي بعد نجاح صنعاء في فرض الحصار على ميناء أم الرشراش «إيلات» وتوقفه عن العمل.. مؤكداً أن القوات المسلحة اليمنية «لن تتردد في اتخاذ ما يلزم من إجراءات إضافية دعماً وإسناداً للشعب الفلسطيني المظلوم ومقاومته العزيزة»، وأن «كافة الإجراءات والقرارات المتعلقة بالعدو الإسرائيلي من عمليات إسنادية ومن حظر الملاحة الجوية والبحرية، سيتوقف تنفيذها حال توقف العدوان على غزة، ورُفع الحصار عن القطاع».
وفي أعقاب بيان القوات المسلحة اليمنية، أصدر مركز تنسيق العمليات الإنسانية HOCC، في صنعاء، قرارًا بفرض حظر شامل على حركة الملاحة البحرية من وإلى ميناء حيفا.
وأوضح المركز في بيان صادر عنه «أنه ووفقا للقرار يحظر على السفن التحميل أو التفريغ من وإلى ميناء حيفا سواءً بشكل مباشر أو غير مباشر ومن ضمن ذلك النقل من سفينة لأخرى، وأنه سيبدأ سريان هذا القرار في 20 أيار/ مايو 2025م الساعة 00:01 صباحًا بتوقيت صنعاء، الذي يعادل 19 أيار/ مايو الساعة 21:01 مساءً بالتوقيت العالمي».
وأشار المركز إلى أنه قام بمخاطبة شركات الشحن بشأن المخاطر العالية التي ستتعرض لها السفن المتجهة من وإلى ميناء حيفا، بما في ذلك مخاطر التعرض للعقوبات، التي قد تشمل أساطيل الشركات المنتهكة لقرار الحظر، فضلًا عن المتعاملين معها.
ودعا شركات الشحن إلى التدقيق وبذل العناية الواجبة في جميع تعاملاتها والتأكد من عدم وجود أي رحلات مباشرة للسفن إلى ميناء حيفا وكذا التأكد من عدم وجود علاقة مباشرة أو غير مباشرة أو عن طريق طرف ثالث بأي معاملة تنتهك قرار الحظر، كون وجود أي سفن متجهة إلى ميناء حيفا أو لها علاقة غير مباشرة بذلك سيعرض الشركة وأسطولها للعقوبات.
رسائل ودلالات
ويُعد ميناء حيفا، الواقع شمال غرب فلسطين المحتلة على الساحل الشرقي للبحر المتوسط، من أهم الموانئ في الكيان، ويشكل منفذاً رئيسياً للتجارة فيه، ويعتبر شريان الحياة الذي يمد «إسرائيل» بثلاثين مليون طن من البضائع سنوياً، ويخدم مئات الشركات الصناعية والتجارية في شمال ووسط الأراضي المحتلة. وبإعلان صنعاء البدء بفرض حصار بحري على الميناء، فإن ذلك يحمل العديد من الرسائل والكثير من التبعات التي سيكون لها تأثير كبير على كيان الاحتلال الصهيوني، وفقاً للخبير العسكري والاستراتيجي العميد مجيب شمسان.
وقال العميد شمسان لـ(لا) إن «اليمن ومنذ إعلان مشاركته عسكرياً إلى جانب المقاومة الفلسطينية، أواخر تشرين الأول/ أكتوبر 3023م، كان الغرض الأساسي من عملياته العسكرية هو إسناد المقاومة الفلسطينية لهدف وغاية تتمثل في وقف العدوان والحصار الاسرائيلي على غزة»، ومن هذا المنطلق «كانت ولازالت جميع العمليات اليمنية مرتبطة ميدانياً وإنسانياً بالوضع في غزة، فكلما أقدم العدو على خطوة تصعيدية، بالمقابل تردّ عليه القوات المسلحة اليمنية بخطوة تصعيدية مماثلة».
وأوضح شمسان أن «العدو الصهيوني، إلى جانب المجازر الوحشية التي يرتكبها في القطاع بشكل يومي على مدار الأشهر الفائتة، يُنفذ اليوم ما تسمى بعملية (عربات جدعون) ويقوم بتطهير عرقي أمام مسمع ومرأى العالم، إضافة إلى الحصار والتجويع الذي يستخدمه الكيان ضد الفلسطينيين، كسلاح».
وكعادتها صنعاء لم تقف مكتوفة الأيدي أمام كل هذا التصعيد الإجرامي في قطاع غزة، حيث «انتقلت إلى خطوة تصعيدية أكثر ضد العدو الصهيوني، متمثلة بالبدء بحصار بحري على ميناء حيفا الاستراتيجي، إلى جانب الاستمرار في الحصار الجوي على كيان الاحتلال».
وأضاف الخبير الاستراتيجي والعسكري مجيب شمسان «ميناء حيفا يشكل العصب الأساسي لاقتصاد الكيان الصهيوني ويعادل من 80-90% من صادراته ووارداته، ولا شك أن استهداف الميناء واعتباره من ضمن بنك الأهداف للقوات المسلحة اليمنية سيكون له تأثيراته الكبيرة على الكيان سواء من الناحية العسكرية والأمنية، كون صنعاء باتت تمتلك القدرات اللازمة لضرب أهداف في شمال فلسطين المحتلة»، مؤكداً أن جميع المناطق داخل أراضي فلسطين المحتلة «هي اليوم في مرمى الصواريخ والطائرات المُسيّرة اليمنية، ودوي صافرات الإنذار سيمتد ليشمل معظم الأراضي المحتلة».
وحول الآثار والتبعات غير العسكرية لهذا القرار على «إسرائيل» قال العميد شمسان: «بالتأكيد هناك تأثيرات أخرى في كثير من الجوانب، ومن بينها ما يتعلق مباشرة بسفن الشحن البحري، التي عليها أن تأخذ الدروس جيداً من العمليات اليمنية السابقة، وألا تركن إلى الوهم الأمريكي الذي كان يعتقد أنه قادر على كسر الحصار البحري اليمني على ميناء أم الرشراش».
وشدد الخبير الاستراتيجي شمسان على أن «القوات المسلحة اليمنية، ماضية في قرارها بفرض الحصار البحري على ميناء حيفا»، موضحاً أن صنعاء «لم تتخذ هذه الخطوة إلا ولديها من القدرات والإمكانات ما يجعلها قادرة على تنفيذها في الميدان».
وحول خطوات تنفيذ قرار الحظر البحري على ميناء حيفا، قال العميد مجيب شمسان: «بيان القوات المسلحة اليمنية يفيد بأن الميناء أصبح ضمن بنك الأهداف، ما يعني أنه سيتم استهداف الميناء بضربات نوعية، وسيشمل ذلك استهداف أي سفينة تتواجد في الميناء، ثم سيتلو ذلك خطوات تصعيدية أكثر حتى تعطيل الميناء بشكل كامل، ومنع وصول سفن الشحن إليه سواء «الإسرائيلية» أو السفن الأخرى التي لاتزال تتعامل مع كيان العدو».
وأكد شمسان أن «العمليات اليمنية لن تقف عند هذا الحد، بل إنها ستتصاعد أكثر، أملاً في أن تحدث تحولاً في العدوان على غزة، انطلاقاً من الغاية الأسمى وهي وقف العدوان ورفع الحصار عن القطاع».
خسائر كبيرة وخيارات محدودة
في السياق تشير تقارير اقتصادية، من بينها تقرير صادر عن معهد دراسات الأمن القومي «الإسرائيلي» (INSS) في كانون الثاني/ يناير 2025، إلى أن أي تعطيل لميناء حيفا سيكلف «إسرائيل» خسائر بمئات ملايين الدولارات شهرياً، بالنظر إلى اعتمادها على هذا الميناء لاستيراد المواد الخام، والمعدات الصناعية، والسلع الاستهلاكية.
ويرى خبراء اقتصاد بأنه في ظل الحظر اليمني على الميناء تبرز أمام كيان الاحتلال خيارات
محدودة، ولكن لكل منها أثمانه الخاصة التي قد تجنح كفة الخسائر والتكلفة على حساب الفوائد المرجوة. ومن بين البدائل المطروحة التحويل إلى ميناء أشدود، إلا أن موقعه الجنوبي يجعله أكثر عرضة أيضاً لأي تصعيد عسكري من اليمن، كما أنه لا يتمتع بنفس البنية التحتية المتقدمة.
ومن البدائل أيضاً، الاستعانة بميناء «إيلات» ثم النقل البري عبر صحراء النقب إلى الداخل، وهو خيار مكلف وبطيء نسبياً، بخلاف أن الميناء معطل منذ أكثر من عام، جراء الحصار البحري اليمني.
ويرى الخبراء بأن «إسرائيل» قد تلجأ إلى الاعتماد على الموانئ القبرصية أو اليونانية مع شحن البضائع جواً أو بحراً إلى فلسطين المحتلة، ما يزيد من الكلفة والتعقيد اللوجستي.. كما أن خيار التعاون مع موانئ خليجية والنقل البري عبر الأردن، هو سيناريو مشروط بالاستقرار الأمني والتوافقات السياسية ومُكلف للغاية.
وبحسب تحليل صادر عن مركز «ستراتفور للدراسات الجيوسياسية»، فإن هذه البدائل مجتمعة لا تستطيع تعويض القدرة التشغيلية الكاملة لميناء حيفا في حال تعطلت خطوط الإمداد.
وتقول المحللة السياسية مريم السبلاني إن «الحظر اليمني لميناء حيفا، يُمثل أكثر من مجرد أزمة ملاحية، بل هو تجلٍ جديد لتحوّل أدوات المواجهة في المنطقة، حيث لم تعد الحروب تقتصر على الجبهات العسكرية، بل باتت تشمل الاقتصاد والممرات البحرية». مشيرة إلى أنه «ومع تنامي دور صنعاء في هذا الملف، تصبح إسرائيل أمام تحدٍ استراتيجي حقيقي، ليس فقط لحماية شريانها البحري، بل لإعادة تقييم تموضعها الإقليمي في ظل متغيرات سريعة وفاعلين جدد».
ويأتي هذا التطور الجديد من جانب صنعاء في الوقت الذي تشهد فيه حركة الطيران اضطرابا أيضا في مطار «بن غوريون» نتيجة الاستهداف المتكرر للمطار منذ إعلان اليمن في 4 أيار/ مايو الحالي، العمل على فرض حصار جوي شامل على الاحتلال، ضمن المساندة اليمنية للشعب الفلسطيني.
المصدر عادل عبده بشر / لا ميديا