فلسطين قمم عربية وإسلامية وقطعان غنم
 

حسني محلي

حسني محلي / لا ميديا -
بعد مرور 5 أشهر على القمة العربية السابعة والأربعين بين العاديّة والطارئة، تستعد الرياض، غداً الأحد، لاستضافة القمة الإسلامية العادية الرابعة عشرة منذ قمتها الأولى في الرباط في أيلول/ سبتمبر 1969، وبعد فترة قصيرة من محاولة إحراق المسجد الأقصى. وقد تشكّلت من أجله منظمة المؤتمر الإسلامي في جدة؛ الخندق الأول للدفاع عن الغرب الإمبريالي وضد الشيوعية السوفياتية وحلفائها في المنطقة.
ويفسر ذلك فشل جميع القمم الإسلامية منذ ذلك التاريخ في تحقيق أي من أهداف المنظمة وقممها، مادام معظم الذين شاركوا فيها كانوا متواطئين مع الكيان الصهيوني بعلم أو من دونه، وبشكل مباشر أو غير مباشر.
وقد قيل وكتب الكثير عن دور العاهلين المغربي الملك الحسن الثاني والأردني الملك حسين في نقل أسرار القمم إلى الكيان الصهيوني، هذا إذا تجاهلنا دور بعض الزعماء الآخرين من العرب والمسلمين؛ حلفاء واشنطن ولندن وباريس، ليس سياسياً وعسكرياً فحسب، بل ثقافياً وجينياً أيضاً.
ويفسّر ذلك فشل القمتين الاستثنائيتين اللتين دعا إليهما الرئيس أردوغان في كانون الأول/ ديسمبر 2017 وأبريل 2018 رداً على إعلان الرئيس ترامب القدس عاصمة "إسرائيل" التاريخية والدينية؛ فقد قاطع معظم زعماء الدول العربية والإسلامية هاتين القمتين اللتين اكتفتا بإصدار بيانات الرفض والاستنكار لأمريكا والكيان الصهيوني من دون اتخاذ أي موقف عملي قد يسهم في إجبار الطرفين على التراجع عن قرارهما الخاص بالقدس. وشجع ذلك لاحقاً حكام الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، والسعودية في السر والعلن، على التوقيع على اتفاقيات "السلام"، أي الاستسلام للكيان الصهيوني.
وسبق أن نجح في ذلك مع حكام مصر في كامب ديفيد، والأردن في وادي عربة، ومع عرفات في أوسلو وكامب ديفيد، التي التزم محمود عباس بكل بنودها، ومازال، بما فيها التآمر على الشعب الفلسطيني.
ولهذا فشلت كل القمم العربية منذ تأسيس الجامعة العربية عام 1946 في الاتفاق على صيغة عربية مشتركة تجاه القضية الفلسطينية والقضايا القومية المشتركة، ومنها على سبيل المثال الوضع في سوريا بعد ما يسمى "الربيع العربي"، إذ علقت الجامعة العربية عضوية سوريا في المنظمة في نوفمبر 2011، ثم أعادتها قبل القمة العربية الأخيرة في الرياض (مايو الماضي) التي دُعي إليها الرئيس الأسد، من دون أن تتخذ الأنظمة المعروفة أي موقف عربي عملي مشترك يسهم في إنهاء الأزمة السورية.
ويبدو أن هذا الفشل سيكون مصير قمة الرياض، اليوم السبت، مادام حكام الخليج، ومن معهم في النهج، يتحركون وفق تعليمات واشنطن التي كان همها الوحيد في الماضي هو التصدي للمد القومي العربي ذي النكهة اليسارية في سنوات الاتحاد السوفياتي وصعود التيارات اليسارية في العالم العربي الذي كان آنذاك بين فكي أنقرة التركية حليفة "تل أبيب" وطهران الشاه؛ صنيعة واشنطن ولندن و"تل أبيب".
ربما لهذا السبب كان رد فعل الكيان الصهيونى عنيفاً جداً، ومازال، على الثورة الإسلامية في طهران، باعتبار أنها غيرت موازين القوى لمصلحة القضية الفلسطينية التي انتقلت إلى مرحلة متطورة بدخول إيران على خط الصراع العربي/ الإسلامي مع العدو الصهيوني الذي يعرف الجميع أنه لا يحسب الحساب إلا لقوى المقاومة الممثلة بكل الفصائل الفلسطينية المحسوبة على المقاومة بكل أشكالها وقواها في سوريا ولبنان وإيران واليمن، وهو ما كان كافياً لدفع العديد من الأنظمة العربية والإسلامية إلى التآمر على هذه المقاومة، وهو ما شهدناه وعشناه معاً في سنوات "الربيع العربي" عندما اتفقت هذه الأنظمة على مشروع مشترك يهدف للتخلص من خط الدفاع الأول، أي سوريا، وبسقوطها يسقط لبنان حزب الله وإيران التي أفتى من أجلها العديد من الحكام والمشايخ العشرات من الفتاوى بعدما استنفروا الغالي والرخيص لدعم إرهاب "داعش" و"النصرة" وأمثالهما، وأقنعوا قيادات حماس آنذاك بإغلاق مكاتبها ومقارها في سوريا والدخول في تحالفات خطيرة مع تركيا التي نزلت بكل ثقلها على خط "الربيع العربي".
وقد ساعدتها في ذلك كل من قطر والسعودية والإمارات وباقي الأنظمة العربية المتواطئة والمتآمرة على القضية الفلسطينية، وعسى أن يتحرك الضمير العربي من أجلها، ولو لمرة واحدة في قمة الرياض المقبلة، ولا ينتظر أحد منها المفاجآت.
وقد أثبت التاريخ، القديم منه والحديث، أن كل ما أصاب القضية الفلسطينية من المصائب والنكسات والانتكاسات سببه التواطؤ والتآمر العربي الذي يحمل في طياته كل عناصر العمالة والخيانة الطوعية، وإلا كيف لنا أن نفسر سكوت هذه الأنظمة على كل ما يقوم به الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني من مجازر وحشية لا يتحملها أي ضمير إنساني، حتى إن لم يكن عربياً ومسلماً، فالوجدان والضمير لم يعد يعني أي شيء بالنسبة إلى معظم الحكام العرب والمسلمين!
ويبدو أن همهم الوحيد الآن، وبغياب الديمقراطية، هو أن يجعلوا من شعوبهم قطيع غنم يسير خلف راعيه الذي يركب حماراً، من دون أن يكون واضحاً خلف من يسير قطيع الغنم؛ خلف الحمار أم الراعي الجاهل؟ أم صوت الناي الذي يتغنى به الراعي أم الكلب الذي يعوي بين الحين والحين ليمنع كل من يفكر في الانفصال عن القطيع.
قد يكون هذا هو حال الدول العربية والإسلامية التي يحكمها أتباع واشنطن، وهم الذين أفشلوا كل القمم العربية والإسلامية، والسبب الرئيسي في عقدها دائماً هو القضية الفلسطينية التي لولاها لوجد هؤلاء الحكام أنفسهم في فراغ نفسي يفقدهم قيمتهم لدى واشنطن، وبالتالي لدى "تل أبيب" التي نجحت دائماً في الاستفادة من هؤلاء الحكام ضد كل من ترى فيه خطراً على مشاريعها ومخططاتها الدينية، أي إقامة "دولة إسرائيل الكبرى" من النيل إلى الفرات.
ويفسر ذلك دعم كلّ هؤلاء الحكام في سنوات "الربيع العربي" الدموي للمجموعات والفصائل الإرهابية التي قاتلت ضد الدولة السورية، كما يفسر نقل مئات الآلاف من إرهابيي العالم إلى سوريا، التي دخلوها عبر الحدود السورية مع تركيا، وتحت شعارات طائفية أرادت لها "تل أبيب" أن تدمر المنطقة حتى يتسنى لها تحقيق أهدافها التاريخية دينياً وتاريخياً، وإلا لماذا تحالفت تركيا والسعودية وقطر والإمارات والأردن وباقي دول المنطقة مع واشنطن وباريس ولندن وبرلين وهي في خدمة الكيان الصهيوني الذي قام بنقل الآلاف من إرهابيي الفصائل المسلحة الذين أصيبوا في جبهات القتال في جنوب سوريا إلى المستشفيات "الإسرائيلية" وأعادتهم إلى جبهات القتال بعد معالجتهم؟ كما قامت المروحيات "الإسرائيلية" بنقل المئات من عناصر منظمة "الخوذ البيضاء" المحاصرين من الجيش السوري إلى "إسرائيل"، ومنها إلى الأردن، ثم بريطانيا، حيث تم تأسيس هذه المنظمة الإرهابية، وتم تدريب معظم عناصرها في تركيا والأردن بتمويل قطري وسعودي وإماراتي.
بعد ذلك عادت حماس من جديد، بعد مصالحتها مع دمشق وطهران، وهو ما ساعدها على تلقين الكيان الصهيوني درساً لن ينساه بعدما قضت على "أسطورة الدولة والجيش والمخابرات التي لا تهزم".
وقد أزعج ذلك بعض الحكام العرب والمسلمين الذين خاب ظنهم بالكيان الذي كانوا يعتقدون أنه أقوى من الجميع، فتبين لهم أنه لولا تواطؤهم معه لما كان بهذه القوة التي أهانتهم جميعاً، ولكن لا خجل فيهم ولا هم يحزنون، وإلا لما منعوا إعلامهم الرخيص ومشايخهم من أي فتوى للجهاد من أجل فلسطين، كما فرضوا على جماعاتهم الإرهابية الجهاد ضد كل من هو مع فلسطين قلباً وقالباً وإيماناً بالنصر الأكيد، ومهما طال الزمن، فالكيان الصهيوني بكل مضامينه السياسية والدينية والتاريخية إلى زوال، وسيلقى ومن معه بئس المصير. وخير دليل على ذلك ملحمة غزة والصمود الأسطوري لقوى المقاومة والممانعة وللشعب الفلسطيني برمته في الداخل والشتات!

أترك تعليقاً

التعليقات