العدوان الصهيوني على إيران.. ماذا عن التاريخ والدين؟
- حسني محلي الأحد , 22 يـونـيـو , 2025 الساعة 8:45:36 PM
- 0 تعليقات
حسني محلي / لا ميديا -
يشهد الشارع التركي، السياسي منه والشعبي، نقاشاً مثيراً حول احتمالات أن تكون تركيا الهدف التالي للكيان الصهيوني، الذي تشهد علاقاته مع أنقرة، ومنذ قيامه عام 1947، حالات من المد والجزر، وهي امتداد لدور اليهود في الدولة العثمانية، إذ لعبوا ومنظماتهم الصهيونية دوراً مهماً في إسقاطها.
فرغم التضامن الشعبي الواسع مع إيران في تصديها للعدوان الصهيوني من جميع أحزاب المعارضة، وبشكل خاص «الشعب الجمهوري» وحزب «المستقبل» بزعامة رئيس الوزراء الأسبق أحمد داوود أوغلو، تهرّب المسؤولون الأتراك من توجيه انتقادات عنيفة للكيان العبري وحليفته الاستراتيجية واشنطن ومعها العواصم الغربية التي أعلنت تأييدها للكيان المذكور في حربه «العقائدية والدينية» ضد إيران.
وفسّر المراقبون هذا الموقف الرسمي بتهرب الرئيس أردوغان من إغضاب الرئيس ترامب، الذي قال مؤخراً إنه سيدعو أردوغان إلى زيارة البيت الأبيض قريباً، بعد أن وصفه بـ«الذكي والعاقل»، وأنه «معجب به جداً».
ويعقد الرئيس أردوغان آمالاً كبيرة على هذا اللقاء المحتمل، الذي يتمنى له أن يساعده في معالجة أزمته الاقتصادية الخطيرة، وتحقيق أهدافه الإقليمية عبر سورية. وقال ترامب إن «أردوغان أرسل رجاله إليها وسيطر عليها بشكل غير لبق»، ودعا نتنياهو إلى «التنسيق والتعاون معه في ما يتعلق بالوضع في سورية وعبرها في المنطقة».
موقف نتنياهو هذا أعاد إلى الأذهان موقف واشنطن التي أعلنت تأييدها لعقيدة «تحالف المحيط» التي اعتمدها رئيس الكيان العبري بن غوريون عام 1957، وبعد أشهر قليلة من حرب السويس 1956.
وتعتمد هذه العقيدة على إقامة تحالفات استراتيجية مع دول الإقليم غير العربية، وهي: تركيا وإيران وإثيوبيا. وجاءت التطورات اللاحقة لتساعد بن غوريون في مساعيه لإقناع حكام هذه الدول بعد أن أعلنت أنقرة، العضو في حلف بغداد والحلف الأطلسي، قلقها من الوحدة بين مصر وجارتها سورية (شباط/ فبراير 1958)، كما لم يخفِ الشاه قلقه من الإطاحة بالنظام الملكي في بغداد في تموز/ يوليو 1958، وهي حال إمبراطور الحبشة هيلا سيلاسي، الذي كان قلقاً من مساعي عبدالناصر للانفتاح على القارة السمراء.
ومع أن عقيدة بن غوريون لم تهمل الكرد بزعامة الملا مصطفى البرزاني كعنصر إضافي في تحالفاته مع الدول غير العربية التي عدّها بن غوريون «الرئة التي تتنفس عبرها «إسرائيل» في محيط عربي معاد له»، فقد حققت أهدافها في التحالف الاستراتيجي مع أنقرة، التي زارها بن غوريون سراً صيف 1958، كما سعى لضمّ السودان أيضاً إلى هذا التحالف الذي سقط بالانقلاب الذي أطاح بحكومة عدنان مندرس في تركيا، ولحق به الانقلاب الذي أطاح بهيلا سيلاسي عام 1975، ثم الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، والتي قلبت موازين القوى برمتها في المنطقة.
ودفع ذلك «تل أبيب»، وعبر التحالف مع بعض من الموارنة، إلى جر لبنان إلى حرب أهلية عام 1975، ثم التوقيع على اتفاقية «كامب ديفيد» الخطيرة مع أنور السادات، الذي فتح الطريق أمام الكيان الصهيوني للتطبيع مع عديد من الدول العربية، بدءاً من الأردن (1994) وانتهاءً بـ»الاتفاقيات الإبراهيمية» التي ساعدت «تل أبيب» في تحقيق أهدافها الاستراتيجية خلال الحرب في غزة ثم لبنان، وبالتالي إسقاط النظام في سورية، والآن العدوان على إيران، التي فشل الكيان الصهيوني في إعادتها إلى دائرة «تحالف المحيط»، فقرر الانتقام منها، وأياً كان السبب والمبرر.
وعادت إثيوبيا إلى هذا التحالف بشكل استراتيجي مع حكم رئيس الوزراء آبي أحمد، الذي حقق أهداف الصهاينة في الانتقام من مصر، وذلك بالسدود التي بناها على النيل الأزرق وفروعه بهدف التحكم بالمياه واستخدامها كسلاح فعّال ضد السودان ومصر بذكرياته الفرعونية «السيئة» بالنسبة إلى المقولات والأساطير اليهودية.
وربما لهذا السبب وقفت «تل أبيب»، ولو بشكل غير مباشر، إلى جانب تركيا خلال الأزمة القبرصية بعد أن وقفت القاهرة إلى جانب اليونان والقبارصة اليونانيين قبل وخلال التدخل العسكري التركي في الجزيرة في تموز/ يوليو 1974.
وشهدت علاقات «تل أبيب» بعد ذلك التاريخ مع أنقرة حالات من المد والجزر، وبشكل خاص خلال حكم حزب «العدالة والتنمية» الإسلامي، الذي اتخذ العديد من المواقف المتناقضة في علاقاته مع الكيان الصهيوني الذي انضم إلى الحلف الأطلسي (كمراقب) ومنظمة التعاون الأطلسي والتنمية (OECD) بضوء أخضر من تركيا، الحليف الاستراتيجي لأمريكا، والتي يوجد فيها ما لا يقل عن عشرين قاعدة صغيرة وكبيرة أهمها قاعدة «كوراجيك» التي ترصد كل التحركات العسكرية الإيرانية، وتبلّغ قطع الأسطول السادس الأمريكية في شرق الأبيض المتوسط بانطلاق أي صاروخ إيراني صوب «إسرائيل» حتى تقوم بالتصدي له قبل دخول أجوائها، وهو ما فشلت وتفشل فيه أمام تكنولوجيا الصواريخ الإيرانية.
وتستنفر أمريكا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا كل إمكانياتها للتصدي لها عبر أقمارها الصناعية وقواعدها العسكرية في جميع الدول المحيطة بإيران.
وسعى الكيان الصهيوني لتعويض خسارته لها بإقامة تحالفات إقليمية مع أنظمة الخليج والهند، وأخيراً مع اليونان وقبرص، ويرى فيها الصهاينة بوابة للخروج من فلسطين في حال المواجهة الاستراتيجية الحتمية بينهم وبين العرب والمسلمين، وكما كانت محطتهم خلال غزوهم لفلسطين الآن وخلال الانتداب البريطاني للجزيرة التي تخلت عنها الدولة العثمانية عام 1897 مقابل أن تحميها بريطانيا ضد «الأطماع الروسية».
ويبقى الرهان في نهاية المطاف على وعي وحنكة القيادات السياسية وكوادرها من المثقفين والإعلاميين، التي ما عليها إلا أن تستخلص الدروس الكافية من الماضي القريب والبعيد، والتي علمتنا جميعاً أن كل ما فعله ويفعله الصهاينة كان وسيبقى إلى الأبد في إطار أوامر وتوجيهات الدين (المُحرّف) والأساطير التي يمكن تلخيصها بجملة واحدة، وهي: «استعداء واستعباد كل غير اليهود» في هذه المنطقة، وأياً كانت انتماءاتهم العرقية والدينية والطائفية والسياسية، ولا خيار أمامهم إلا الاستسلام والرضوخ أو الصمود والتصدي والمقاومة، وهو ما تفعله إيران الآن ومعها كل الشرفاء والمخلصين، باسم كل الدول والشعوب الإسلامية والعربية، ويبدو واضحاً أنها أمام التحدي الأكبر الذي سيقرر مصير المنطقة برمتها، ليس فقط سياسياً وجغرافياً، بل تاريخياً ودينياً، كما ورد في كل الكتب المقدسة وخاتمتها القرآن الكريم!
المصدر حسني محلي
زيارة جميع مقالات: حسني محلي