غزة تُصلب على مرأى من العالم
- مبارك حزام العسالي الثلاثاء , 22 يـولـيـو , 2025 الساعة 1:56:44 AM
- 0 تعليقات
مبارك العسالي / لا ميديا -
في غزة، لا حاجة للتشبيهات ولا للمبالغات البلاغية؛ فالمأساة هناك ليست قابلة للوصف، ولا تصلح أن تُختزل في تقريرٍ صحفي أو منشور تضامني.
هناك، في ذلك الشريط الساحلي الصغير، تُرتكب جريمة كبرى، جريمة بكل المعايير: إنسانية، قانونية، أخلاقية، تاريخية... لكن الأخطر من الجريمة هو أنها ترتكب على مرأى ومسمع من العالم، دون أن يتحرك ساكن، إلا لتبرير الجريمة، أو تبرئة القاتل.
في غزة، لا يموت الناس فقط من القصف، بل من الجوع أيضاً. لا يموت الأطفال فقط من الشظايا، بل من فقدان الحليب، وغياب الدواء، وندرة الماء... في غزة، يموت الناس محاصرين تحت وبين أنقاض بيوتهم، يقاتلون للبقاء في ظل عتمة غياب الكهرباء، وغياب المستشفيات، وخذلان الضمير العربي والدولي.
تُقصف البيوت بما فيها، وتُباد العائلات بأكملها، دون أن يرف جفن في العواصم الكبرى. يتساقط الأطفال كأوراق الخريف، وتُستهدف المخيمات والمدارس والمستشفيات، وتُحول المساجد إلى ركام... ثم يُسأل الفلسطيني: لماذا تقاوم؟!
تُتّهم غزة بأنها التي «بدأت» العدوان، وكأنها مدينة لا تُسمح لها بالحياة إلا على شروط السجان والمحتل، وكأنّ من يعيش تحت الاحتلال يجب أن يكون صامتاً، ذليلاً، بلا روح ولا إرادة.
غزة اليوم لا تواجه الاحتلال وحده، بل تواجه أيضاً جداراً كثيفاً من الصمت والنفاق الدولي. ما يُسمى بـ«المجتمع الدولي» غارق في معاييره المزدوجة، يندب ضحايا هنا، ويبرر قتل الضحايا هناك. تُمنح «إسرائيل» كل الحق في القتل، ثم تُطالب غزة بالتهدئة! تُشرعن المجازر تحت عنوان «الدفاع عن النفس»، ثم تُدان صواريخ اليمن والمقاومة لأنها «تهدد الاستقرار»!
يا لهذا العالم المتوحش! يطلب من غزة أن تموت بصمت، وأن تجوع دون ضجيج، وأن تُدفن دون أن تترك صرخة! لكن غزة، بكل ما فيها من جراح، ترفض الصمت. غزة تصرخ، تقاتل، تقاوم، تُربك العدو، وتُحرج المتآمر، وتفضح الصامت.
غزة، التي بلا جيش نظامي، ولا مظلة نووية، ولا تحالفات استراتيجية (عدا جبهة الإسناد اليمنية)، تقف وحيدة في وجه آلة القتل؛ ولكنها واقفة بشرف، شامخة بكبرياء، متشبثة بكرامة الأمة.
في غزة، لا مجال للحياة إلا بالمقاومة. وفي غزة، تتحول الطفولة إلى بطولة، والأمهات إلى رموز صبرٍ خارق، والشهداء إلى منارات أمل... هناك، تُصنع المعجزات من تحت الحصار، وتُزرع الكرامة في رماد البيوت المحترقة.
لكن السؤال الذي ينهش الضمير: أين نحن؟! أين العرب؟! أين المسلمون؟! أين المثقفون؟! أين النخب؟! أين من كان يتحدث عن «الإنسانية الكونية»، وعن «الضمير العالمي»، وعن «العدالة الدولية»؟! وهل أصبحت غزة عبئاً ثقيلاً على وجداننا؟! وهل أصبح الحديث عن غزة ترفاً إعلامياً أو ورقة للمساومة السياسية؟!
إن صمتكم اليوم ليس حياداً، بل جريمة؛ وخذلان غزة ليس موقفاً سياسياً، بل سقوط أخلاقي وإنساني.
كل من يصمت على تجويع أهالي غزة، على قصفها، على حصارها، هو شريك في الجريمة، مهما كانت مبرراته.
غزة لا تطلب منّا أن نقاتل عنها؛ لكنها تطلب أن نكون أوفياء للحد الأدنى من الكرامة؛ أن لا نبيع قضيتها في بازار المصالح؛ أن لا نحول مأساتها إلى موسم خطابي موسمي؛ أن لا تُحمّلوها عبء خذلانكم وتقصيركم.
في كل لحظة تمر، هناك طفل في غزة يحتضر. في كل ساعة، هناك أم تودع أبناءها. وفي كل يوم، هناك حيٌ يُقصف، ومأساة تُولد من جديد... فهل نبقى متفرجين؟!
غزة لم تعد تختبر وحشية العدو فقط، بل تختبر أيضاً مصداقية الشعارات، وحقيقة الانتماء، وحدود الصبر، ومدى الإيمان بالقضية.
غزة تُصلب كل يوم، ليس فقط بالقنابل، بل بالصمت العربي، بتآمر الأنظمة، بتواطؤ الإعلام، بجمود الضمائر... لكن غزة، رغم الألم، لا تنكسر. رغم الجوع، لا تستسلم. ورغم الخذلان، لا تركع.
غزة تُعلمنا اليوم درساً لن تنساه الأجيال: أن الكرامة لا تُشترى، وأن المقاومة ليست خياراً، بل قدر، وأن الأمة التي تُفرّط في غزة، ستُفرّط في كل شيء بعدها.
فيا كل من بقي فيه نبضٌ حر، يا كل من لا تزال فلسطين تسكنه، يا من ضاقت صدوركم من العجز، اجعلوا من صوتكم رصاصة، ومن موقفكم جداراً، ومن كلمتكم معركة؛ لأن غزة لا تموت من القصف فقط، بل من خذلانكم!
المصدر مبارك حزام العسالي
زيارة جميع مقالات: مبارك حزام العسالي