احتفالات مليونية بذكرى المولد النبوي
- مبارك حزام العسالي السبت , 6 سـبـتـمـبـر , 2025 الساعة 1:08:52 AM
- 0 تعليقات
مبارك العسالي / لا ميديا -
المشاهد التي شهدتها المحافظات اليمنية في ذكرى المولد النبوي الشريف لم تكن عادية، ولم تكن مجرد فعالية دينية تقليدية كما يحاول البعض تبسيطها أو حصرها. لقد كانت لوحة إنسانية وإيمانية غير مسبوقة، مشهداً لا يمكن أن تختصره الصور مهما كانت الزوايا التي التقطت منها، ولا تستطيع عدسات الكاميرات أن تحيط بجلاله واتساعه. ملايين اليمنيين خرجوا من بيوتهم وقراهم ومدنهم، ليملؤوا الساحات والشوارع، ويصنعوا مشهداً استثنائياً لم يعرف له التاريخ الحديث مثيلاً في العالم الإسلامي.
من صعدة إلى صنعاء، ومن الحديدة إلى إب وذمار وتعز، ومن المحويت إلى حجة وعمران وصنعاء القديمة... كانت الجموع البشرية تتدفق أنهاراً خضراء، ترتفع فيها الرايات وتتردد الأصداء بالتكبير والصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم. لم يكن الأمر مجرد مهرجان أو تجمع عابر، بل كان تعبيراً عميقاً عن هوية أمة بكاملها، عن شعب يرى في ارتباطه برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مصدر عزته وكرامته، وسبب صموده في مواجهة أعتى التحديات.
ما يميز هذه المناسبة في اليمن ليس حجم الحشود وحده، رغم أنه بحد ذاته حدث مذهل، بل الروح التي تسري بين تلك الجموع. وجوه باسمة تتلألأ بأنوار المحبة، عيون دامعة تفيض بالشوق إلى الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، قلوب تخفق بصدق الولاء، وأصوات تملأ الأفق بالمدائح والصلوات. إنها لحظة تتحول فيها الأرض إلى محراب كبير، يجتمع فيه الملايين على قلب واحد ولسان واحد: «اللهم صلِّ على محمد وآل محمد».
إن خروج الملايين في بلد محاصر يعاني ويلات العدوان والحصار والفقر والجوع، يكتسب معنى أعمق ودلالة أوضح؛ فاليمنيون الذين يخرجون للاحتفال بالمولد النبوي الشريف ليسوا في فراغ من المعاناة، ولا في رخاء يسمح بمثل هذه الفعاليات الضخمة، بل هم يعيشون أصعب الظروف وأشدها قسوة. ومع ذلك، فإنهم يعلنون للعالم أن محبتهم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تحدها الظروف ولا تكسرها المعاناة؛ بل لعل تلك المعاناة تجعل الارتباط بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم أشد وأصدق وأعمق.
هذه المناسبة، إذن، ليست مجرد ذكرى تاريخية، بل هي تجديد للعهد مع النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وتأكيد على السير في نهجه واستلهام مواقفه وصبره وجهاده. فكما وقف النبي صلى الله عليه وآله وسلم في وجه قوى الشرك والطغيان، يقف اليوم الشعب اليمني في وجه تحالف العدوان والاستكبار. وكما صبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وواجه الأذى والتكذيب، يصبر اليمنيون ويواجهون القصف والحصار والخذلان. إنها سيرة متجددة، وحضور حيّ للرسالة في واقع معاصر.
ولعل الرسالة الأبرز التي تبعثها هذه الملايين هي وحدة اليمنيين في حب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، رغم محاولات العدوان تكريس الانقسام الطائفي والمذهبي والمناطقي. فحين تكتظ الساحات بملايين المحتفلين، لا يُرى شمال ولا جنوب، ولا زيدي ولا شافعي، ولا مدينة ولا قرية، بل يُرى شعب واحد، أمة واحدة، تصطف في حضرة نبيها صلى الله عليه وآله وسلم. وهذه الوحدة ليست شعاراً سياسياً، بل حقيقة حية تُترجم في أكبر الحشود البشرية التي يشهدها بلد في المنطقة.
المصدر مبارك حزام العسالي
زيارة جميع مقالات: مبارك حزام العسالي