رسالة إلى المبعوث الترامبي براك
 

جهاد بزي

جهاد بزي / لا ميديا -
جانب السيد توماس جوزف براك جونيور المبجل، أما بعد:
أكتب إليك وفي خاطري محمد العبدالله، الشاعر اللبناني الراحل الذي لا شك في أنك لم تسمع به من قبل. هذا يا عزيزي كان شاعراً جنوبياً جميلاً وساخراً، حلو الروح كما أحب تسميته. له نص في كتاب «حبيبتي الدولة» يخبرنا فيه أنه قرر في مرة التفاوض مع الأمريكيين، ويشرح كيف ارتدى أبهى بدلة لديه وركب سيارته القديمة وذهب إلى السفارة الأمريكية ليتفاوض مع أمريكا في شأن لبنان.
وصل وجلس منتظراً السفير في جو خانق، فإذ بالسفير يخرج من بركة السباحة بالمايوه ويمشي صوب الشاعر وهو يقطر ماء. يحتدّ محمد ويقف ويصرخ بأعلى صوته، رافعاً سبابته صوب السماء: «هذه ليست مفاوضات! هذه مهزلة!».
لماذا الربط بينك وبين السفير بالمايوه؟! ربما لتشابه اللحظة السريالية بين ما تخيله الشاعر وبين ترددك أخيراً على بلادك، أرض أجدادك! هكذا، كلما دخلت إلى مقر أو خرجت منه، أراك بالمايوه تقطر ماء، وأرى أن ما تفعله في لبنان ليس مفاوضات، بل تماماً كما قال محمد.
ومع أنك للأمانة مهيب الطلعة، مخيف النظرة، وفي منكبيك العريضين أمريكا جلّ جلالها، لست «اقبضك جد». لماذا، تسألني؟! لأنني نمطتك يا سيد توم، وأنت، الترامبي، أكثر من سيتفهم لا صوابيتي السياسية.
نعم نمطتك؛ أنت ابن الجيل الثاني من المهاجرين، علمتَ باكراً أنك لن تشق طريقك إلا عبر تقليد الرجل الأبيض. ها قد قلتها بلا خوف ولا وجل. أنت صعدت السلم المنطقي للترقي بأن استنسخته. بذلت جهداً خرافياً لتنضم إلى دوائر الأثرياء البيض أبناء الأثرياء البيض، ويقبلون بك واحداً منهم. هؤلاء الذين تحمل أسماءهم أرقاماً: جورج الثاني، وويليام الثالث، أو جونيور، كما في حالتك. ويصادف أن هؤلاء يتوارثون الكثير من العلل البشرية، سأكتفي منها بالشعور المتواصل بالفوقية. هذه الفوقية نفسها التي مارستها لا شك طوال عمرك على من تظنهم أقل منك في أمريكا، نفسها، ستشعر بأريحية مضاعفة في فرضها على أبناء جلدتك في بلدك القديم المتهالك.
ستحكي معهم كما تراهم: متخلفين، غرائزيين، فوضويين، مثيرين للشفقة، حيوانات كما اختصرتهم، لا يقدّرون هذه الخدمة الجليلة التي تسعى إليها إدارتك، كما يجحدون كل كرمك وتنازلك إلى درجة احتكاكك بهم وإهدارك وقتك الثمين وجهدك الأثمن عليهم وفي سبيل إنقاذهم من أنفسهم...
لكنه عالم ساخر يا توم. أنظر إليك وأنت تقرّعنا لمرارة في نفسك على الأرجح. في السبعين من عمرك يا سيد توم، ملياردير ورجل أعمال ناجح، وأمريكي حتى العظم، وكل ما استطعت الوصول إليه منصب ضبابي لسفير ومبعوث لإدارة ترامب، التي كان يمكنك أن تشغل فيها كرسياً أكبر من الذي أنت فيه، لولا أنك، سأقولها، لست أبيض تماماً. السمك نوعان، واحد ينمو في الطبيعة وآخر في المزارع. الأول أصلي وأكثر جودة. ومع أنك أتممت كل فروض الصداقة والوفاء لترامب وكدت تزجّ في السجن بسببه، بقيت من سمك المزارع. هذا الغبن الذي تحس به مشكلتك يا توم، لا تفرّغه فينا أو علينا «بليز يعني».
وبما أنني حوّلتك إلى سمكة، سيد توم، فسأتهمك بأنك تحمل ذاكرتها أيضاً. لا أعلم إذا كنت عائداً من «إسرائيل» أو ذاهباً إليها بعد موقعة تقريع الصحفيين اللبنانيين ووصفهم بالحيوانات، والطلب منهم أن يكونوا متحضرين، وكل هذا الذي تفوهت به وقد علت وجهك ملامح الاشمئزاز والامتعاض حتى كان يجب إسعافك بكوب ماء الزهر.
لكن، بالله عليك توماس، تومي، هل تذكرت أن تسأل أصدقاءك في «إسرائيل» كيف استطاعوا قتل كل هذا العدد من الصحفيين، في غزة وفي لبنان، بتحضر؟! دعك من مئات آلاف الضحايا المدنيين عرضاً في غزة؛ فلنركز على الصحفيين الذين قرعتهم أسوأ مما يقرع رب عملك مراسلي البيت الأبيض.
هل سألت بنيامين نتنياهو عن درجة الرقي والتهذيب التي قتل بها زملاءهم الصحفيين عمداً؟! أم أنك كلما ذهبت إليه رأيته خارجاً من بركة السباحة يقطر ماء، فأدهشتك إنسانيته عاريةً ونسيت السؤال؟! هيا يا توم، أيها النبي الذي كان فجراً لذاته وقد وقف يعظنا جماعياً قبل أن يركب السفينة، أخبرنا عن رأيك الصادق بـ»دولة إسرائيل»، ثم مردغنا بالتراب بعد ذلك، ولن نزعل!
سيد توماس، أصل إلى «وأخيراً» التقليدية في الرسائل، ولا أعرف بماذا أختمها. ليس أنك تبعث على الملل الشديد فحسب، لشدة ما أنت بديهي وتقليدي ومتوقع، بل لسبب تقني، وهو أنك على الأرجح لا تجيد قراءة العربية، لغة هذه الشعوب البالية التي لا تستسيغ سماعها ولا التحدث بها. ربما من الأفضل أن أختم بنصيحة أقدمها إليك فوق وقتي وجهدي العاديين المهدورين عليك: دعك منا! عُدْ إلى الغولف وانسَ أمرنا! ما لك أنت وما لهذا البلد الصغير المعقد؟! أترك هذه المهمة الرسالية لمورغان أورتاغوس لتجلس على خرابه وحدها. هذه باتت لبنانية أكثر منك ومني، وقد لا يطول بها الأمر قبل أن تصير ضيفة دائمة على التلفزيون، تقول وعيناها تدمعان: نحنا تعبنا أستاذ مارسيل!
 كاتب لبناني

أترك تعليقاً

التعليقات