المفارقة السوداء!
- هاني شاهين الأحد , 7 ديـسـمـبـر , 2025 الساعة 12:02:57 AM
- 0 تعليقات

هاني شاهين / لا ميديا -
الدولة اللبنانية تُهرول إلى طاولة التفاوض مع «إسرائيل»، لا لتحمي حقاً ولا لتحفظ سيادة، بل لتناقش ما تطلبه «إسرائيل»، لا ما يستحقه لبنان؛ وكأنها جاءت لتسلّم لا لتسترد، ولتنفّذ لا لتفاوض.
يقول جورج أورويل: «من يتحكّم في الحاضر يملك فرصة لبيع الماضي والمستقبل». وهؤلاء باعوا الحاضر بلا ثمن.
تجلس السلطة اللبنانية إلى التفاوض عارية من أي ورقة قوة؛ بلا سند، بلا دعم، بلا أدوات ضغط، كمن يدخل معركة وهو قد سلّم سيفه ودرعه وكرامته مقدماً. تفاوض تحت النار والذل والإهانة، في مشهد يُذكّر بقول نيتشه: «الكارثة ليست في ظلم الأشرار، بل في صمت الضعفاء».
لم تطلب الدولة شرطاً بديهياً واحداً: وقف الاعتداءات والاغتيالات والقتل قبل الشروع في أي حديث سياسي. لم تشترط احترام دماء أبنائها، ولم تُصرّ على أي ضمانة تحفظ الأرض أو الإنسان؛ بل اكتفت بأن تُصغي للهمسات القادمة من واشنطن، تلك الهمسات التي صارت أوامر مُلزِمة.
فالسلطة اللبنانية تأتمر اليوم بالإملاءات الأمريكية دون مواربة. وما اختيار المفاوِض المعروف بميوله الصهيونية إلاّ دليلاً فاضحاً على أن القرار لم يعد يصنع في بيروت. يقول مالك بن نبي: «الأمم لا تُستعمَر من الخارج إلا عندما تكون قابلة للاستعمار من الداخل». ويبدو أن القابلية هنا بلغت ذروتها.
والمفارقة السوداء أن الوسيط بين لبنان والعدو ليس إلّا العدو نفسه، يفاوض ممثّليه عبر وكلائه في واشنطن.
وما عسانا نفهم حين نرى جوزيف عون وتمّام سلام كليهما يمتهن فنّ الانبطاح، ويُتقنان لغة التنازل؟! وكأنهما جيء بهما خصيصاً لهذه اللحظة: لحظة تسليم لبنان على طبق من انهيار. يقول تشومسكي: «حين يصبح القادة جزءاً من المشكلة، لا يمكن انتظارهم لحلّها».
أما قبول نبيه بري بالتفاوض فليس اعترافاً بشرعية المسار، بل كشفاً لكل من يرتدي قناعاً لبنانياً فوق وجه صهيوني. فبعض المعارك تُخاض فقط لأن كشف المستور يحتاج أحياناً إلى الدخول في ما لا تشتهي النفس. ومَن يعرف السياسة يدرك أن فضح الخيانة يحتاج أحياناً أن تُضاء كل زوايا المسرح.










المصدر هاني شاهين
زيارة جميع مقالات: هاني شاهين