جوائز المواساة بعباءة الدين
 

سبأ عبدالرحمن القوسي

في خبر عاجل أذيع على القنوات والمواقع الإخبارية لجارة السوء المملكة السعودية، عن اختيار سلمان لنيل جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام لعام 1438هـ، كانت مواقع التواصل الاجتماعي في ذات الوقت تعج غضباً وتعاطفاً للصورة المتداولة للطفلة إشراق المعافا التي استشهدت جراء قصف طيران العدوان لمدرسة الفلاح بنهم، مخلفة مجزرة مروعة من أشلاء طلاب ووكيل المدرسة متناثرة تتم لملمتها في ملاءات وهي قطع مفتتة يُخيّل للمشاهد حرارتها المنبعثة من عنف الضربة.
تاهت العيون عن رصد الوجع الحقيقي في المشهد للفتاة الشهيدة الملقاة بجانب حقيبتها، وهي مشدوهة الفاه في فزع، وجاحظة العينين من جزع، كآخر انقباضة حياة في عضلاتها، وقد انفصلت قدمها عن ساقها، بل وقد انفصلت روحها عن جسدها.. على هذا المشهد المؤلم والمروع لطفلة بعمر الزهور ذروة طموحها هو إكمال تعليمها في تلك المنطقة.. هذا المشهد الذي صمت أمامه العالم والرأي العام، واكتفوا بالمشاهدة عن بُعد، دون أن تثار حفيظتهم الإنسانية كما أثارها مشهد الطفل السوري إيلان الذي غرق في البحر وسحبته شواطئ تركيا، أو كما أثارتهم صور ضحايا سوريا من أطفال جراء القصف الروسي لمدن سورية، حتى إن سُبات الضمير بالدفع المسبق ظل في غيبوبته عند بعض أبناء الشعب اليمني ممن يوالون العدوان ويرونه حلاً عادلاً لأسبابهم الضيقة والركيكة، كأنما عواطفهم ومشاعرهم محصورة فقط للتفاعل الموجه من مركز القيادة.
وفي ذات اليوم يتسلم سلمان جائزته المخادعة تحت عنوان خدمة الإسلام! فأي دين دموي ابتدعوه ليشرع إبادة الشعوب لأسباب سياسية وجغرافية وإقليمية؟! وكيف تمرر مثل هذه العناوين المزيفة على شعوب العالم أمام هذه الشواهد الموثقة والمؤرشفة والمعلنة بالعداء الصريح والاعتراف الجريء لجرم قصف المدارس والمشافي؟!
إنهم بهذا يعبرون عن سوءتهم، ويعبرون عما وصل إليه عالم اليوم من نفاق علني وغياب الضمير، ورخص قيمة الإنسان وكرامته في السلوك البشري الميّال لعنصر المادة بشكل مُفرط، وإسقاط كُل عوامل الصورة المتنوعة الإيجابية للإنسان الذي كرّمه الله في خلقه.
إن بني سعود وبني نهيان، وبني صبّاح وبني خَليفة رموز لأُسر وحُكام صَنعتهم دوائر الدول الرأسمالية الصناعية، ووضعتهم في ثلاجات تُجمدهم ثم تُخرج منهم من تريد أو كلهم لينفذوا ما يتطلّبه مشروعهم المرسوم من قُرون في خططهم، فبعد أن استخدموهم غطاءً لتجميع ونهب الثروات العربية، جاء الدور ليستخدموهم الآن مخالب لتفتيت بنية المجتمع العربي في كل قطر عربي، بكل ما يحيطها من مُنجزات وبُنى تحتية ونهضوية، هو ذات الاستهداف الذي طال كل أقطار الأمة العربية، وحتى ينشغل العرب في جزئيات الصراع الوهمية، وينسوا قضيتهم المركزية قضية العرب (فلسطين المغتصبة) أم القضايا، وغيرها من أراضٍ عربية مُحتلة من إيران وتركيا وإسبانيا.
إننا نعيش في اليمن مشهد سيناريوهاتهم بشكل واضح، فبدءاً من استهداف مؤسسات الدولة، وخصوصاً العسكرية والأمنية، إلى مشروع الأقلمة أي (التقسيم) الضمني لليمن، إلى ما تعنيه كل هذه المقدمات من تشظي الدولة اليمنية وتهشيمها، وتغذية الصراعات الجهوية والمذهبية والمناطقية، حتى تصبح كل اليمن دولة رخوة سهلة المنال لهم، لهذا كان عدوانهم، وجرّ كل القوى المحلية التابعة لهم لتكون غطاء لمعاولها علناً في ما تُمثله كُل مراحل عدوانهم من 26/3/2015 وحتى اليوم، والتي تمثلت في القصف الشامل بكل أنواع الأسلحة، لم تُستثن منه أية محافظة يمنية عدا المهرة وسقطرى، واستهدف القصف البنى التحتية والإنسان، حتى التراث الحضاري اليمني، كما لم تسلم دور العبادة، بل تخلل ذلك تلك المجازر التي تُصنف كجرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية في كل المحافظات، التي كان آخرها مجازر مفرق شرعب في تعز وأسواق الحيمة ومنازل أُسر في صرواح مأرب وفي صعدة، والمجزرة الحزينة عندما صحت المرأة اليمنية (حمدة) بعد سماعها صاروخاً يدكّ منزلها، صحت على دماء أفراد أسرتها متناثرة على وجهها، وقد أفنى الصاروخ حياتهم، فكم حمدة وكم إشراق التي قُتلت في مجزرة مدرسة الفلاح بنهم، والتي تُذكرنا بحفظ الله العيني (بائع الخضروات في صنعاء القديمة)، ولا يكفي المجال لسرد أسماء الأبرياء، ولكننا مؤمنون أن الله هو الذي سيكافئ سلمان وغيره على جرائمهم بأشد العذاب والعقاب، ولثقتنا بذلك فلن نكترث لاستلامه آلاف الجوائز، ومهما زادت شراستهم وبشاعة جرمهم، فلن ترهب أبناء اليمن، ولن ينكسروا، بل هم الصامدون أكثر في نهم صنعاء وصرواح مأرب وعسيلان شبوة، وفي كل جبهات المواجهة مع أرتالهم العسكرية الميدانية المدعومة جواً وبحراً في جبهة باب المندب وفي لحج.. وفي نجران وجيزان وعسير وميدي.

أترك تعليقاً

التعليقات