التراب.. حين لا هويةَ سِواه
- نشوان محسن دماج الأربعاء , 8 مـايـو , 2019 الساعة 12:08:23 AM
- 0 تعليقات
نشوان محسن دماج / لا ميديا -
الإهداء: إلى من أطلق على نفسه يوماً «أبا تراب»
أضَأتَ دمي فجئتُكَ
لم أكن من قبلُ منطفِئاً تماماً
غَيرَ أنّ الريحَ كانت ذِئبةً تعوي
وَكُنا خلفها مُتَوَثّبينَ إلى العُواء
نظلّ لا نَلوي على شيءٍ سوى أن نستفزّك
أن نراك مجاهِرينَ بِبُغضِنا
وبكفرِنا
وبكل ما شاءتهُ فينا الريحُ
نشفي غيظَها
وننالُ منكَ
ونكتفي بالعَدْوِ خلفاً
كلُّ خَلفٍ نحنُ، لكن...
أيُّ «لكن» سوف تكفي يا «قريشُ» لتذكُرينا عند ربك؟!
ثم يُلهبُنا السعارُ: ألا اذكرينا
كلما شاقتكِ رائحةُ الشواء
وقاصراتُ الطرفِ
والكأسُ الدهاقُ
وجنةٌ سَكرَى أُعِدّت لابنِ هندَ
يَحُفُّها سبعون ألفاً من ملائكةِ القصور
وآخرونَ عن اليمينِ
وآخرون عن الشمالِ
وصوتُ صائحةٍ ينادي: ذاك «خالُ المؤمنينَ»
وتلكَ جَدّتُهُم
فبُورِكتِ الحياةُ وبُورِكَ المسعى
وخابَ مَنِ افترى
فلتذكُرينا حينها
أنّا صَدَاكِ بكلّ قارِعةٍ
وأنّا كلُّ خَلفٍ نحنُ...
تلكَ إذن «قريشُ»
وذاكَ أنتَ
وقد قتلنا منكَ ألفَ غدٍ
وَخُضنا ألفَ حربٍ
وانتزعنا ألفَ ذاكرةٍ
ولكن
لم تَمُت أبداً
ولا ظفرت «قريشُ» بثأرِها
خيلاً و»أحزاباً»
«أُغَيلِمة»ً و»هِنداً»
أنعياءَ وأدعياء
كأنها لم تَتّرِك سيفاً ولا صنماً
ولا أرجوزةً للحربِ إلا واستَحَثّتها إليكَ تُريدُ قتلَكَ
غيرَ أنكَ عنفوانُ قصيدةٍ لا ينتهي
وصهيلُ خيلٍ
وانتصارُ دمٍ
يسافرُ مهرجاناتٍ من الضوءِ المكابرِ
لا يكِلّ ولا يملّ
وكلما سفَكُوهُ أينَعَ
لا أنا شَطِطٌ ولا لُغَتي
ولكنّي رأيتُ..
ولا اتّخذتُ هنا من الكلماتِ جسراً لي
إلى دربِ الغوايةِ والخيالِ
بلِ اتخذتُكَ وجهتي
ورأيتُ ثَمّ
رأيتُ رأيَ العينِ
رأيَ القلبِ
رأيَ دمٍ أضاء دمي
فجئتُ إليك من أقصى أقاصي البُعد
من خلف الجهات
من الشتات
من التردّي والتشظي والسقوط
من الوقوف بكل قارعةٍ
من الأشلاء
من صحراءِ ركضي ألفَ عامٍ في السراب
من الخراب
من اصطفافاتي حشوداً خلف راياتِ البغاةِ ودولةِ الطلقاء.
من كتبِ الرواةِ وقد أناخ الليلُ عوَرَتَهُ
وراح «بنو الطليقِ» يُعَلّمون اللهَ كيف يكون «عصريا»ً بما يكفي
ليأتي حين يأتي
«أمرداً قَطِطاً
على نعلين من جلد الحمار»!
يُعلّمون الله دينَهم الذي ورثوه عن «كعب»ٍ و»أحبارٍ»
و»أشياخٍ ببدرَ»
فلا هنا خبرٌ
ولا وحيٌ هناك
وإنما هِيَ حُمّيَاتُ القولِ
أغرى بعضُها بعضاً
فقام الأمرُ لحظتها
وتمّت رحلةُ الإيمان...
جئتُ إليكَ من هذا الركامِ الغَثِّ
أبحثُ عن بقيّةِ أنبياءٍ
عن تُرابٍ جَفَّ قبلَ تكاثُرِ الأشياءِ
لا طُرُقاً سَلَكتُ
ولا وَراءاتٍ تركتُ وراءَ ظهري
كلُّ ما في الأمرِ أن هويّةً كَذِباً أحاطت بي
فقلتُ لها: كَفَرتُ
وقالت الأعرابُ آمَنّا
فهل مِن صَكِّ غُفرانٍ لِننجو
أم تُراها سوف تلعَنُنا المنابرُ مرةً أخرى
كما فَعَلَت قديماً
حينَ غادَرَ كلُّ شيءٍ كلَّ شيء؟!
لستُ أدري
كل ما أدريهِ أنكَ لِلترابِ أَبٌ
وأنّي لا هويةَ لي سِواه
دَماً أضأتَ دمي
فيَكبُرُ بي نداءُ الأرضِ
أن الأرضَ يُورَثُها عبادُ الله والمُتَشبّثون بِحَقّهِم
في مَلئها زهواً
كَمَا مُلئت فجوراً
هكذا
لا وقتَ يومئذٍ لأنسابٍ ولا لِهَوِيّةٍ
إلا التراب
هي انتماءاتٌ نلوذُ بها
فتعصمَنا من العيشِ الغُثَاءِ
ومِن تَنَاسُخِنا إلى بَقَرٍ تَشَابَهَ
كلُّ وَجهٍ مُحضَرٌ بِسِوَاهُ
وهيَ سُلافُنا
سنظلُّ نشربُها ونشربُها
إلى أن تستعيدَ الأرضُ عافِيَةَ النهوضِ مُجدّداً
ويجيءُ ضوؤك
لا كما قالت إماماتُ الزنازنِ والرهائن
بل كأجملِ ما يُضيءُ دَمٌ
وتُشعِلُ كبرياء.
صنعاء، 2014
المصدر نشوان محسن دماج
زيارة جميع مقالات: نشوان محسن دماج