سنة التنوع في قصص القرآن
 

يحيى اليازلي

يحيى اليازلي / لا ميديا -

في قصة ذي القرنين.. قال الله تعالى: "إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا".. فكل هنا لبيان القوة التي تحققت له بالتنوع والتعدد.. تعدد السبل والأسباب.
وفي قصة صاحب الجنتين كان اشتمال الجنة المذكورة في سورة الكهف على أصناف كثيرة من الفواكه والثمرات، وفوق ذلك التنوع الزاخرة به تلك الجنة وعيون الماء والأنهار الجارية من تحتها.. حفت بنخيل.. كان ذلك كله حيثية لشعور صاحبها بالقوة، إلى حد أنه قال: "ما أظن هذه أن تبيد أبدا".
وفي قصة سليمان تتحقق قواعد الملك من خلال شيئين، أولا مغفرة الله، ثانيا هبة الله.. "رب اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب".. فقد قامت دعائم ملك سليمان على هاتين الركيزتين: مغفرة الله وهبة الله.. على أن المغفرة حيثية لعطاء الله، وهذا ما يؤكده قول الله في قصة نوح: "فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا، يرسل السماء عليكم مدراراً، ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا".
"ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي".. أي ملكا لا يكون سبباً لأي ظلم في الأرض منذ ذلك الحين إلى أن تقوم الساعة.
إن ما أوتي سليمان من كل شيء صار إليه بإذن الله من كل شيء متطورا ومسخرا، فمن تسخير الحديد وما في بطون الجبال من معادن، وإسالة عين القطر، وتسخير الريح، إلى تمكينه من نواصي الطير والوحش والحشرات والجن والإنس.. يا له من ملك عظيم.
وفي قصة ملكة سبأ قال تعالى: "إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء".. فإن في إيتائها من كل شيء مكمن القوة والعظمة، بالتنوع والاشتمال، لهذا قال بعد ذلك: "ولها عرش عظيم".
وفي قصة نبينا محمد صلى الله عليه وآله، قال تعالى: "وما أرسناك إلا رحمة للعالمين".. فإرسال محمد إلى العالمين دلالة على أنه يحمل المؤهلات الروحية والعقلية والنفسية والعلمية والأخلاقية والجسدية، وأنه قد جهزه بكل ما يمكنه من إيصال رسالة الرحمة، وهو رحمة، وفي الرحمة اشتمال كل العالمين.
وفي قصة طالوت، قال الله تعالى: "وآتيناه بسطة في العلم والجسم".. فالبسطة هنا لبيان التنوع العلمي والمعرفي الذي حظي به طالوت.
وفي قصة يوسف حين رأى 11 كوكبا والشمس والقمر له ساجدين.. في السياق الظاهر لمجريات القصة، وكذلك في المعنى الرمزي لسجود الأفلاك ليوسف، ما يدل على الملك، الملك بالمفهوم الرباني.. فيوسف في نهاية القصة صار ملكا على مصر، مصر التي كانت في ذلك الحين الإمبراطورية العظمى على وجه الأرض. وفي المعنى الرمزي للرؤيا أن يوسف ملك الشرق والغرب.. وفي امتلاك الأفلاك امتلاك الطبائع.. وهي آيات التسخير الكوني من الله ليوسف، فهو النبي والرسول والملك.. لقد صار كل شيء مسخرا ليوسف، وهذا هو السياق الذي نريد أن نصل من خلاله معنى الاشتمال.
وفي قصة داود تحققت له كل الآيات التي تؤهله ليكون خليفة في الأرض: "يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالعدل".. فقد أوتي داود النبوة والحكم والحكمة وعلوم بواطن الجبال وتحفيز الأرواح.. "يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد".. حدثت هنا لداود نقطة تحول كبرى في عالم الخلافة، فالدولة التي تستطيع استخراج الحديد وتشكيله وتصنيعه تعتبر دولة قوية، لأن الحديد يعتبر المادة الأهم في إنشاء البنية التحتية للدولة، وعلى البنية التحتية تقوم مختلف البناءات، وتحديدا الصناعات، فإعداد البنى التحتية تقوم عليه البنى الفوقية.

أترك تعليقاً

التعليقات