هل يلوذ الدب بجبال اليمن الصلبة ؟
- تم النشر بواسطة صحيفة لا / عبدالقادر حسين

تبدو سورية على المحك، فإما أن ينتصر الجيش العربي السوري على التنظيمات الإرهابية تساعده في ذلك روسيا وتحصّنه من خطر التدخل الغربي، أو العكس وتغرق في وحل الإرهاب وربما قد يعمل الغرب وأمريكا سلطة كولونيالية، تسهّل لها السيطرة على المنطقة وثرواتها، وسيسري ذلك على بقية الدول العربية.
تقف سورية في صدارة مناهضة المشروع الغربي الإمبريالي وتليها اليمن، لذا يبدو تنفيذ المخطط الإمبريالي محالاً، وفقاً لمعطيات الميدان والصمود الفولاذي لدى الجيشين العربي السوري واليمنى والمقاومة اللبنانية (حزب الله)، وما إسقاط الطائرة الروسية إلا مفتاح لجرّ روسيا إلى حرب تشير الاحتمالات أنها لن تكون في صالحها، وأن عليها التصرف بحكمة والتأني.
أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن بلاده ستتعامل مع إسقاط الطائرة الحربية الروسية بكل جدية وأنها ستستخدم الوسائل المتاحة لضمان أمنها، متهماً القيادة التركية بأنها تمارس سياسة متعمدة لنشر التطرف في بلادها. جاء ذلك في وقت أعلن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو أن روسيا ستنشر أنظمة دفاع أس-400 مضادة للصواريخ في قاعدة «حميميم» الجوية في سوريا غداة إسقاط تركيا مقاتلة سوخوي روسية على الحدود السورية.
وحذرت وزارة الدفاع الروسية من أنها ستسقط أي طائرة ترى في تحليقها تهديداً لروسيا، ومن جانبه حذر رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف من أن الشركات التركية قد تخسر حصتها في السوق الروسية.
خطوات كثيرة قد تلجأ إليها روسيا بحسب تصريحات مسؤولين للرد على الأعمال العدوانية التي قامت بها تركيا بإسقاطها للطائرة الحربية الروسية سو 24 فوق الأراضي السورية، لكنها لم تتضمن رداً عسكرياً مباشراً والدخول في حرب روسية - تركية، كما تعتقد الأوساط العربية المستبشرة بقدوم الدب الروسي لكسر الاحتكار الأمريكي.
حتماً لن يكون الرد الروسي فردياً ودون التشاور مع حلفائها في المنطقة، سورية على وجه الخصوص باعتبارها صاحب الحق الشرعي، بالإضافة إلى إيران والمقاومة اللبنانية (حزب الله)، ويذهب البعض إلى أن الرد الروسي الخالص يتمثل في وقف الحركة السياحية نحو تركيا، وتجميد التعاون العسكري بين البلدين، وفي المؤسسات الدولية مثل تقديم شكوى للأمم المتحدة أو مجلس الأمن، وآخر دولي مثل شكوى في منظمتي التعاون الأوروبي وشنغهاي.
بعد حادثة 13 نوفمبر/ تشرين الثاني الدامية في باريس، حيدت فرنسا موقفها وأبدت انحيازاً للحلف الروسي في محاربة الإرهاب التي كانت ضحيته الأولى ضمن الدول الأوروبية، غير أنها تبدي عدولاً عن ذلك الموقف بعد حادثة إسقاط الطائرة الروسية من قبل تركيا زميلتها في الأطلسي.
«لا يمكن للغرب أن يحارب الإرهاب».. جملة يُطلقها السوريون؛ إذ إن عدد تصريحات هولاند وفابيوس الداعية إلى رحيل الأسد يفوق عدد الغارات الفرنسية على مواقع تنظيم داعش في سورية، ولأن المجاميع الإرهابية «داعش والنصرة» تتخذ من رحيل الأسد هدفاً معلناً لها، فكيف يريد هولاند القضاء على داعش من خلال مساعدتها على تحقيق أهدافها في سورية؟!
عندما تسري لدى مغفلي العرب حُمَّى الإنسانية، فذلك يعني أن لدى الغرب مخططاً لإنقاذ كلاب صيدهم (التنظيمات الإرهابية)، فكما أطلق ناشطون عرب على ميركل لقب ملك الإنسانية، واتضح أنها كانت تستقبل رعاياها المجندين في صفوف داعش والنصرة في سورية، تفاعل الناشطون أنفسهم مع حملة التضامن التي أطلقها «فيسبوك»مع فرنسا، ويتضح لنا أبعاد ذلك حالياً.
عدول فرنسا عن موقفها وبوارج قوات الناتو الحربية في المتوسط تغلق المنفذ الشمالي على القوات الروسية، فالأسطول الإسرائيلي والأمريكي على الضفة الأخرى جنوباً، وأعلنت تركيا ساعة الانطلاقة لجر الدب الروسي لحرب في منطقة الشرق الأوسط ونسف القوة الايرانية المهددة لإسرائيل، وفي اليمن تقف قوات تحالف العدوان السعودي الأمريكي على البوابة الجنوبية الغربية للمنطقة العربية.
مخطط بهذه الدقة يهدف للحفاظ على سيطرة القطبية الأحادية الأمريكية في العالم، وإرغام القطب الروسي الصاعد على التراجع، لكن يجب أن ننظر إلى الروس وما الذي يمكنهم فعله لإحباط هذا المخطط الذي يبدو أقصى ما يمكن للغرب فعله للحفاظ على هيمنتهم.
كما أن علينا أن لا ننظر للروس فحسب فالقوى الثورية ودول الممانعة لها دور فاعل في كسر الهيمنة الأمريكية، إذ قامت قوات الجيش اليمني واللجان الشعبية بعد ساعات من خبر إسقاط الطائرة الروسية بتدمير البارجة رقم 5 وثلاثة زوارق مرافقة لها، وتشتد المعارك في جبهة تعز وبالقرب من منفذ «باب المندب» ونتج عنها تدمير عدد من الآليات المدرعة وصدّ محاولات تقدم قوات الغزو ومرتزقته؛ يأتي هذا كردٍّ عفوي ولا نستطيع إثبات أي تنسيق روسي مع قوات الجيش اليمني، غير أنه يحقق الهدف ذاته.
تبدو روسيا مدركة لما يُحاك لها، لذا تكتفي بتكثيف التعزيزات العسكرية الدفاعية في سورية مع احتفاظها بحق الرد، واتخذت عدداً من الإجراءات العقابية لتركيا دبلوماسياً وسياسياً، وبحسب صحيفة «كوميرسانت» الروسية فإن النزاع مع تركيا يمكن أن يكلفها فقدان تدفق السياح الروس إليها، إذ زارها ثلاثة ملايين وثلاثمئة ألف سائح روسي عام2014 وأنفقوا فيها مبلغ 65 مليار روبل أكثر من مليار دولار، كما يمكن لشركات السياحة الروسية مطالبة تركيا بإعادة قيمة أكثر من أربعين ألف بطاقة استراحة تم شراؤها وعودة ما ينوف على عشرة آلاف سائح روسي موجودين في تركيا حالياً.
وكانت هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية أعلنت عشية إسقاط الطائرة قرار موسكو بقطع جميع اتصالاتها العسكرية مع أنقرة على خلفية إسقاط طائرة سو24 الروسية في سورية من جانب سلاح الطيران التركـي.
المصدر صحيفة لا / عبدالقادر حسين