هيكل يختار (تويتر) واجهة قبل رحيله
- تم النشر بواسطة خلدون عبدالباقي

بعد أن ضاق به العمر والفضاء العربي المزيف..
هيكل يختار (تويتر) واجهة قبل رحيله
قبل رحيله اختار الكاتب والمفكر السياسي محمد حسنين هيكل، (تويتر) واجهة جديدة يطل من خلالها على جمهوره، بعد غيابه عن الفضائيات التي وضعت عليه قيوداً ربما بسبب أحاديثه التي اتسمت مؤخراً بالنقد الصريح، خاصة في الأحداث التي شهدتها المنطقة العربية، ومعارضته للعدوان الذي تقوده السعودية على اليمن، وكذلك مشاركة مصر في التحالف، في برنامج (مصر إلى أين؟)، حيث توقفت قناة (سي بي سي) عن بث البرنامج منذ عدة أشهر، بعد حملة إعلامية شنها عدد من الكتاب الخليجيين ضد هيكل، ووصفوه (بالديناصور المخرف أو بخادم إيران)، رداً على انتقاداته للتحالف الذي تقوده السعودية على اليمن، وتهكمه على المبررات التي ساقتها دول التحالف لتبرير الحرب على اليمن.
لذلك لجأ هيكل إلى (تويتر)، وأصر على موقفه من التحالف في معظم تغريداته، متناولاً كعادته ما يحدث في المنطقة كحزمة واحدة في تحليلاته المختلفة.
الجديد في تغريداته هو مجموعة النصائح التي يقدمها لقوى الحداثة وللأنظمة العربية، كنظرته لثورات الربيع العربي بشكل عام على أنها تحركات حقيقية معبرة عن الضمير الشعبي، لكنه يقول إن الغرب استطاع اختراقها وتوجيهها بما يخدم مصالحه، من خلال التيارات الإسلامية التي يرى أنها تدفع في اتجاه الصراع الطائفي، محذراً في عدة تغريدات له من هذا الصراع الطائفي.
ويعزو هيكل تشكل الإرهاب لعدة أسباب، إذ يعتبر أن ما حدث في 11 سبتمبر 2001م في الولايات المتحدة، رغم بشاعتها، إلا أنها لا تقل عن ممارسات الولايات المتحدة ضد شعوب المنطقة العربية، كما يرى أن عزل الشباب الى جانب قتل أحلامهم وطموحاتهم بفعل الممارسات الغربية وسياسات الأنظمة العربية، هو ما يقودهم للانخراط في الجماعات الإرهابية.
وفي تغريداته عن التيارات الإسلامية يقول هيكل: أصبحت داعش والقاعدة هي الحاضنة الشعبية للإسلاميين. ويعزو ذلك لخروج الإخوان من اللعبة السياسية، بقوله: لم يعد الإخوان المسلمون خياراً لدى الكثيرين. وحول الإخوان المسلمين يؤكد هيكل أنه لم يعد أمامهم إلا التحالف مع الإرهاب في المنطقة. لقد تم رفضهم شعبياً، لذلك لم يعد أمامهم سوى العنف.
اليمن في تغريدات هيكل
اشتد النقاش بين هيكل والمذيعة لميس الحديدي التي كانت تحاول تبرير انضمام مصر للتحالف الذي تقوده السعودية ضد اليمن، وكان رد هيكل بصرامة: لقد دمرت السعودية ما بناه اليمن في مائة عام.
وإلى آخر لحظة من عمره استمر هيكل في تغريداته في انتقاد السياسة المصرية، معبرا عن خيبة أمله: (لا تزال مصر خارجة عن سياق العقل والمنطق والتاريخ، رغم الثورة المجيدة، إلا أنها تعيد إنتاج نفس سياسات النظام القديم). كذلك غرد بالقول: (يجب أن تكون مصر جزءاً من الحل في المنطقة، وأن تميل للعرب باعتبارهم كياناً واحداً). وفي تغريدة أخيرة قال: (لقد فقدت مصر البوصلة). وحول الحرب على اليمن يقول هيكل: (اليمن سوف يصبح مثل سورية، حرب أهلية واسعة النطاق، مدخلات خارجية بشكل كامل، تدمير للبنية التحتية). وقبل أسبوعين غرد: (مع الأسف لا تزال الأزمة في اليمن معلقة، وكأن الجميع يريد أن تستمر الحرب هناك).
ويرى هيكل أن فشل السيطرة على أوراق اللعب في الإقليم دفع بروسيا الى التدخل في المنطقة، متنبئاً بتدخل روسي كذلك في اليمن، إلا أنه يقول: (لكن الروس قلقون من التمدد في المنطقة). وفي تغريدة له أيضا يقول: (يحاول الحوثيون بمساعدة علي صالح أن يشكلوا تحالفاً مع روسيا، لكن الواضح أن الروس لا يريدون التمدد في المنطقة بشكل أكبر). وفي تغريدة أخرى يتوقع هيكل صداماً بين روسيا ودول الخليج: (أتفهم موقف بوتين من دول الخليج العربي، وحرصه على بقاء ونشوء علاقات بينهم، لكن هناك انفجاراً في المنطقة سوف يخلق صداماً بين روسيا والخليج).
ويقدم هيكل في تغريداته عدداً من النصائح للأنظمة العربية؛ منها أنه يجب على الأنظمة العربية أن تدعم القوى الوطنية ذات الطابع العلماني، لكي تملأ الفراع ما بعد الإسلام السياسي. ويضيف أيضا أن الصراع مع القوى الوطنية التقدمية لم يعد مفيداً للأنظمة العربية، حيث يجب أن يتم إعادة قراءة واقع المنطقة بشكل حقيقي. ويحذر في تغريدة أخرى من أن انهيار الدولة القطرية سوف يغير الشكل الجغرافي في الوطن العربي، هذه الحدود بهذا الشكل لن تستمر، سوف تبدأ النزاعات الطائفية بالتشكل. ومن أهم استنتاجات واستقراءات هيكل قوله: لكي تسرق بلداً كاملاً فقط تحتاج أن تبرهن أنهم لا يملكون القدرة على إدارة أنفسهم، لذلك هم يحتاجون الى وصاية، ثم اقنع الجميع بأنك الوصي.
وحول القوى التقدمية يشدد هيكل على ضرورة إعادة توحيد صفوف القوى القومية واليسارية لسد الفراغ الذي تركه الإسلام السياسي بعد خروج الإخوان المسلمين من اللعبة، وتحالفهم مع داعش والقاعدة. ويشير في أكثر من تغريدة إلى إعادة توجيه بوصلة الصراع وحشد قوى المجتمع نحو العدو الحقيقي، حيث يقول: (عدو العرب هو إسرائيل، هي الشيطان الذي زرع في خاصرة الأمة العربية. بقية الدول ليست ملاكاً، لكن علينا أن نحارب الشيطان، لا نصف الملاك). ويتساءل هيكل: هل سوف نحتاج الى أن نكرر نكبة ونكسة واجتياح بيروت وحرب تموز، لكي نتأكد أن إسرائيل هي العدو الأوحد للعرب؟
وعندما خاطب ما سماها القوى العلمانية في العالم العربي، أشار إلى أنه: يجب أن يتوحد التيار العلماني بأشكاله اليسارية والقومية في تنظيم ديموقراطي يستطيع أن يعبر عن خط مضاد للتيار الإسلامي, ويؤكد على ذلك أيضا: (يجب أن تنتهي مرحلة الأحزاب القومية التقليدية الناصرية والبعثية، وأن يتشكل تنظيم قومي يساري يجمع كل الفرقاء). وفي تغريدة ناقدة أخرى قال: تعاني التنظيمات القومية واليسارية من التشتت، يجب معالجة هذه المسألة عن طريق الوحدة بينهم. واضعاً آماله في ذات الوقت على الشباب، لأن الجيل القديم من القوميين غارق في الصراعات ولن يتجاوزها لأنها أصبحت شخصية، لذلك يجب على جيل الشباب أن يقوم بثورة ضد القدماء. ويغرد أيضا: كل عدد بسيط من العلمانيين شكلوا حزباً خاصاً، ولا يجب أن تستمر هذه الحالة لأنها تخلف حالة فراغ يستفيد منها التيار الإسلامي.
ثم ماذا بعد؟
لقد عُرف محمد حسنين هيكل بدبلوماسيته في تناول القضايا والوقائع بما في ذلك نقده القوي للتيارات والشخصيات السياسية، لكنه في السنوات الخمس يبدو أن هذه الصراحة والمكاشفة والحدية من هيكل كانت أولاً بسبب الوضع المتردي الذي يعيشه العالم العربي اليوم، وتساوق بعض قادة التيارات اليسارية والقومية مع مخططات إعادة تقسيم المنطقة العربية، وسبق أن غرد هيكل متهكماً بقوله: تم الترويج عن طريق بعض المثقفين العرب بأن الأمريكان قادمون الى المنطقة لنشر الديموقراطية، لكن لسوء الحظ تم نشر قوات المارنز فقط. خاصة وهو يرى أكبر الأحزاب القومية واليسارية في العالم العربي (في اليمن) تتآمر على بلدانها، وتعمل لصالح القوى الامبريالية، وتحارب الى جانب القاعدة وداعش، وتتستر عليهم، فتغريداته حول إسرائيل وإيران كأنها موجهة لهم. يرى بعض متابعي هيكل أن هذه الحدية في التغريدات هي رسائل ما قبل الرحيل، حاول هيكل من خلالها إيصال رسائل واضحة، خصوصا أنها اتخذت طابع النصح والنقد والتذكير، وأن تغريداته التي تحدث فيها عن دنو أجله، كانت للفت انتباه جمهوره لما سيقوله في تغريداته كخاتمة قبل الرحيل.
المصدر خلدون عبدالباقي