غائب.. للدفاع عن الوطن
- تم النشر بواسطة صحيفة لا / عبدالقادر حسين

مقاعد مدرسية فارغة وجبهات شرف مكتظة
غائب.. للدفاع عن الوطن
فيما يستعد الطلاب لإجراء امتحانات الفصل الأول من العام الدراسي 2015-2016 تظل كراسيّ عديدة فارغة من أصحابها، غيابهم هذه المرة ليس لعذرٍ مرضي كالمعتاد، بل يغيبون تلبية للنداء الوطني والمشاركة في جبهات الدفاع عن الوطن من قوات الغزو والاحتلال. إذ يتجند ضمن صفوف الجيش واللجان الشعبية، طلابٌ نذروا أنفسهم للدفاع عن أرض الوطن ومقدساته، وبادروا بدافع وطني إلى الالتحاق بجبهات الشرف والذود عن الكرامة الوطنية.
هاشم فتح مسعود طالب في المرحلة الإعدادية، التحق بدورة تدريب عسكرية مع بدء العدوان على اليمن، وعاد منها يرسل إلى والده وساطات متكررة ليسمح له بالذهاب إلى جبهات الدفاع عن الوطن، فيما كان والده يرد قائلاً: (بعد أن يحصل على التدريب الكافي سأسمح له بالذهاب)، فاشتغل هاشم بأحد الأعمال لمدّة شهر، ليحصل على إيجار الطريق ومصاريفها للوصول إلى ميادين القتال.
أطلق على نفسه كنية (أبو الكرار) وبدأ رحلته الجهادية من صنعاء إلى أرحب إلى بني حشيش ثم مأرب ثم إلى صعدة، وفيها عرضوا عليه البقاء في نقطة أمنية على إحدى الطرقات، غير أنه رفض ذلك وأصرّ على أن يشارك في جبهات الدفاع عن الوطن، حتى استقر به المطاف في جبهة جيزان.
وفي جيزان سجل هاشم أروع صنوف الشجاعة والاستبسال، واقتحم مع العديد من رفاقه عدداً من المواقع العسكرية التابعة للعدو السعودي، ثابتاً كالجبال لم تخفه ترسانة العدو العسكرية، ولم ينكسر أمام رفاقه الذين يستشهدون بجواره، معاهداً كل شهيد بالمضي على دربه حتى النصر.
كان أبو الكرار ضمن الابطال الذين نفذوا عملية اقتحام موقع الربوعة الأبطال الذين اقتحموها، وبحسب والد الشهيد فإن عملية اقتحام موقع الربوعة هو ان ثلاثة يمنيين مجهولين - أحدهم من حراز وهي المنطقة التي ينتمي إليها الشهيد - كانوا يتهربون إلى السعودية بحثاً عن عمل لكسب لقمة العيش، فقام الأمن السعودي في الربوعة باحتجازهم وتعذيبهم وتعليقهم بأرجلهم لمدة ثلاثة أيام، وبعد إطلاق سراحهم عادوا إلى اليمن، وأخذوا أسلحتهم، وأخبروا أهلهم أنهم ذاهبون لإشفاء غليل صدورهم، والتحقوا بالجبهة وقصّوا لزملائهم هم القصة؛ فكانت عملية اقتحام موقع الربوعة.
وبعد رحلة نضالية دامت خمسة أشهر وعشرة أيام ودّعَ هاشم الحياة الدنيا، ليس بطلقة بندقية أو رشاش، ولا بقذيفة دبابة أو مدفعية، إنما بصواريخ الطائرات؛ ليختتم حياته في 26 كانون اول الفائت شهيداً في جبهات الدفاع عن الشرف والكرامة الوطنية، تاركاً في جعبته إلى جانب سلاحه (مصحفاً صغيراً، وقِطَعاً صغيرة من الشاش، وقليلاً من أوراق شجرة (البُعلُل) التي تُستخدم للجروح وإيقاف النزيف، وإبرة صغيرة فيها خيط ملفوف، وبطاريتين صغيرتين).
يقول والده: (لقد سقط هاشم شهيداً وفاضت روحه الطاهرة إلى بارئها لتحيا من جديدٍ، وبالصواريخ يسقط شهداؤنا فالرشاش والمدفع أضعف بكثير من أن تنال من المقاتل اليمني الذي يقف شامخاً كالطود العظيم).
ويضيف: (لقد تعلّمَ أبو الكرار في طفولته بعض الحركات العسكرية والرماية والثبات للسلام الوطني، لكن لست أدري أين تعلّمَ هذا الصمود والإباء والإقدام والعزم والاستبسال، لا أدري أين تعلمَ أن ينام على التراب، ويتلحف بالسحاب، لا أدري أين وكيف أصبح جبلاً لا تُؤثّر فيه إلا الصواريخ والطائرات). ويقول مشرفه في الجبهة: (كان هاشم ذراعي اليُمنَى في الموقع، والمقدام الأول في كل هجوم نفّذناه، لم يقبل بأي إجازة كبقية زملائه ولم تحدّثه نفسه بالفرار أو التراجع إلا بأوامر صارمة).
كما هو عهد الحراك الشبابي والطلابي في صنع التحولات الثورية والاجتماعية، فإنهم اليوم لا يتنصلون عن مهمتهم الوطنية الماثلة في ردع القوى الغازية، مستندين على إرث نضالي مديد، ووعي ثوري ناضج.
ينضوي ذو يزن علي تحت ألوية الدفاع عن الوطن، وهو طالب كلية الحقوق في جامعة تعز، من أوائل الذين أشعلوا ثورة 11 فبراير في ساحة التغيير بتعز، حيث التحق بالمقاتلين في جبهات الذود عن الوطن منذ الأيام الأولى للعدوان على الشعب اليمني في آذار المنصرم، ليعود في الأيام الماضية إلى صنعاء متوسماً في كفه إصابة أودت بثلاث من أصابعه، وقبل أن يبرؤ من إصابته حمل بندقيته عائداً إلى ميدان المعركة.
تقول والدته: (ذو يزن شاعر وكاتب وأديب التحق بالجبهة بعد أن تعرضت كليته للقصف من قبل طيران العدوان ، نسأل الله أن يحفظه وكل المقاتلين الذين يدافعون عن الوطن ويعجل بنصرهم، وفي سبيل الدفاع عن الوطن مستعدون للتضحية مهما بلغ الأمر، حتى لو تطلب ذلك أن يلتحق به إخوته الثلاثة).
وتضيف هؤلاء هم ابناء البلد ورجاله، ولا يمكن أن يدافع عنه غيرهم، إنهم مناضلون ويدخلون التاريخ من أوسع أبوابه هو باب النضال والدفاع عن الوطن، ويمثلون امتداداً لنضال الآباء والأجداد.
عبدالله المتوكل هو الآخر طالب في كلية الإعلام جامعة صنعاء، شارك في الحراك الطلابي المناهض لتواجد مليشيات الإصلاح وعلي محسن، وكان من أبرز الطلاب الناشطين في ثورة الـ 21 أيلول، اشترك في مهمة تأمين الحرم الجامعي أبان الثورة وما بعدها، وفي تلك المهمة الوطنية كان يتسنى له حضور محاضراته الدراسية؛ حيث يقوم بالمناوبة بين محاضراته ومهمة حماية الحرم الجامعي، وحينما بدأ العدوان وضع أولوية صدّ العدو نصب عينيه، وبحماس ثوري انطلق كرصاص بندقيته إلى جبهات القتال.
يقول زميله أيوب إدريس: (عبد الله المتوكل زميل وصديق وأخ ترك الكلية وذهب إلى الجبهة ليدافع عن الوطن إيمانا منه بالقضية الوطنية ومواجهة العدوان الذي يقوم بأعمال الإبادة والقتل والتجويع بحق اليمنيين، بدافع حبه للوطن والدين والذود عن الحرية والكرامة الوطنية).
وتابع أيوب قوله (نرى أنفسنا صغاراً أمام زملائنا والمقاتلين اليمنيين عموماً، فهم يقدمون أرواحهم من أجل البلد والدفاع عنا، ولولا أن الوطن يحتاج لأبنائه في شتى المجالات، لكنا مع اولئك الأطهار والأنقياء، وبالرغم من غياب زملائنا عن الكلية والامتحانات، فإننا نحضر لأننا نرى وطننا الحبيب يحتاج للطلاب والكوادر ويحتاج إلى جيل يبني اليمن ويجاهد بالكلمة والصوت والقلم، ومع ذلك نرى أنفسنا مقصرين بالمقارنة مع زملائنا في الجبهات).
من جانبه يقول مختار أحمد: (زميلي عبدالله المتوكل لم يكتفِ بأن تكون رصاصات عدسته هي فقط الموجهة إلى صدر العدو السعودي، ولكنه أطلق العنان لرصاصات بندقيته ايضاً، وذهب إلى الحدود بأقصى رغبته في الحياة بحرية وكرامة، ومثلما أوقد طلبة جامعة صنعاء شعلة الثورة الأم ثورة الحادي عشر من فبراير وقدموا أرواحهم وقودًا لها، فإنهم اليوم ايضاً في طليعة المدافعين عن الوطن).
ويؤكد مختار إن حب الوطن لا يعني الحب الساذج لترابه أو عشبه الذي ندوسه، وإنما هو الكراهية التي لا تقهر ضد من يمسه، والحقد الأبدي على أعدائه، وعندما يمنح اليمني حبه لوطنه، فإنه يعطيه دفعة كاملة، لا يوجد لديه حب بالتقسيط.
بحثاً عن الأمان وتوفير أجواء تعليم ملائمة لا ينغصها قصف الطائرات، وأخبار إسقاط قوات الاحتلال لمدن يمنية وتسليمها لداعش، وحفاظاً على جامعاتهم من (الدعشنة) كما حصل في جامعة عدن بعد سقوطها بيد قوات الاحتلال، لا يتوانى عدد من الطلاب الجامعيين عن أداء مهمتهم في الذود عن الوطن وصون الكرامة الوطنية، إذ يغادرون مقاعدهم الدراسية ويلتحقون بقوات الجيش واللجان الشعبية، للمشاركة في بطولات دحر الغزاة وقوى الاحتلال.
إلى ذلك يفيد مسؤولون في ملتقى الطالب الجامعي أن الطلاب الجامعيين يشاركون بأعداد كبير في جبهات الدفاع عن الوطن، ويشاركون بفاعلية بمساندة قوات الجيش واللجان الشعبية، حتى ان البعض منهم لم يعلم الملتقى بوجوده إلا في الجبهات، مؤكدين على أنهم يقومون بمتابعة إدارة الجامعة، لاعتبارهم في مهمة وطنية، ويتم امتحانهم في العام القادم ويكون التصحيح لهم من مئة درجة، على عكس الطلاب الغائبين الذي يتم التصحيح لهم من خمسين درجة حسب ما هو معمول به في الجامعات.
وبفدائية وثبات عاليين يشترك الطلاب كثوار وطنيين في معركة الكرامة الوطنية، ويقفون سنداً إلى جوار أفراد الجيش واللجان الشعبية، مسطرين أروع صور التلاحم اليمني، ويحققون البطولات المتتالية في صد قوى العدوان والغزو على كافة الصُعد والجبهات، بالحفاظ على الأمن الداخلي والاشتراك في العمل الأمني مع الأجهزة الأمنية لتقويض وإفشال مخططات المرتزقة، والحفاظ على السيادة اليمنية بمواجهة قوى الغزو والاحتلال في جبهات متعددة.
المصدر صحيفة لا / عبدالقادر حسين