السلطان وحريمه
- تم النشر بواسطة صحيفة لا / طلال سفيان

أردوغان يعطس.. إخوان اليمن يصابون بالزكام
السلطان وحريمه
بمجرد قيام وانهيار الانقلاب ضد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، توالت الإسقاطات السياسية لجماعة الإخوان التي يحتمي أكثر قياداتها الهاربين بتركيا.
أظهرت الإسقاطات التي تعاملت، وتتعامل، بها قطاعات واسعة من الإخوان المسلمين مع محاولة الانقلاب في تركيا، مدى الهوان والانحطاط اللذين أصابا هذه الجماعة، ووقوعها في مستنقع الاختيارات الشحيحة: إما النظام الاستبدادي أو النظام الديني القائم على أسوأ الاستبداد! ولم يعد أمامها أي مجال للرؤية سوى هذين الطريقين، والسير بهما حتى النهاية.
من الطبيعي أن تتابع وسائل الإعلام والدوائر السياسية والجموع مجريات الأحداث في العالم, إلا أن ما حدث بشأن متابعة الانقلاب العسكري في تركيا منذ أيام قليلة، لفت الانتباه إلى حالة استثنائية.. هذه الحالة كانت قوى الإسلام السياسي وبعض الجماعات (اللصيقة) سياسياً وفكرياً بتركيا الأردوغانية، التي شعرت برعب وغضب وضيق، وكأن الانقلاب العسكري قام ضد حامي الدستور والديمقراطية وصاحب المواقف الصلبة إزاء القضايا الإسلامية، وربما قضايا التحرر الوطني، وليس العكس.
هذا الطرف الذي كاد الهلع أن يوقف قلبه ليس له علاقة بالديمقراطية ولا بقضايا التحرر الوطني، وإنما يلتزم بتوجهات سياسية وأيديولوجية ودينية محددة, وبمجرد فشل محاولة الانقلاب، تنفس هذا الطرف بكل مكوناته الصعداء، وراح يؤكد صدق أيديولوجيته وتوجهاته وقضاياه، وفي الوقت نفسه يمعن في التقليل من شأن خصومه على الجبهة الأخرى، ويدلل على ديكتاتوريتهم وتخلفهم.
على الدوام يطرح الإخوان المسلمون، قبل أية محاولة انقلاب أو أثناءها أو بعدها، في نطاق جغرافيتهم الأيديولوجية، مواقف متضاربة ومتناقضة تماماً.
فالإخوان المسلمون على نطاق اليمن والمنطقة العربية، يرون أن الأنظمة العسكرية والاستبدادية تمثل شراً مستطيراً، وأن الانقلابات العسكرية فقط هي التي تدمر الدول والشعوب والحياة الديمقراطية للمجتمعات, ولكنها لا تعارض أي انقلابات من أي نوع آخر، أو قفزها هي نفسها على حركات المجتمع وانتفاضاته لتستولي على السلطة بشكل أو بآخر, كما لا يرى هذا القطاع غضاضة في الاعتقالات أو المنع والتحريم باسم الدين, ويعتقد أن المناسب للشعوب العربية الآن هو طريق (الإسلام الوهابي). وبطبيعة الحال لا يتحدث إطلاقاً عن الدولة العلمانية، ويتغاضى دوماً عن الدستور العلماني التركي، بل يطالب تركيا أحياناً بالتراجع عن هذا الشر لكي يستقيم الإسلام في هذا البلد ليقود الأمتين العربية والإسلامية.. هذا على الرغم من أنه ليس تركياً، وما يجري داخل المجتمع التركي لا يخصه، وإنما يخص المواطن التركي نفسه، ويخص مكتسباته وإنجازاته التي لازالت رهينة رئيس إخواني ممتلئ بالقذارة.
حمى ليلة السبت
في الواقع يحتاج الإخوان المسلمون في كل مكان إلى قطيع من القرود ليصدقوا ما يقولون. فقد تحول أردوغان إلى بروفايل (صورة شخصية) لجل ناشطي حزب الإصلاح (إخوان اليمن) في مواقع التواصل الاجتماعي، بعد محاولة الانقلاب، مقابل اكتظاظ وسائل التواصل الاجتماعي اليمنية بالسخرية والتهكم من مواقف هذه الجماعة عبر تعليقات لاذعة اعتبر فيها الكثيرون أن هذه الهوجة لا تمثل الشعب اليمني، وإنما تمثل (إخوان اليمن وصانعيها).. هللت وكبرت جماعات حزب الإصلاح لفشل انقلاب تركيا، وقاموا برفع صور أردوغان في وقت لم ترفع صوره داخل بلده أصلاً، وكأن سقوط أردوغان وحزبه سقوط ما بقي من منظومة الإخوان.
وانطلقت بيانات تنظيمية ومنشورات لنشطاء جماعة الإخوان المسلمين عبر الشبكات الإلكترونية ومواقع التواصل في اليمن، تعبيراً عن رفضهم الانقلاب في تركيا، ومساندتهم أردوغان الراعي الرسمي للجماعة.
ومع ظهور أردوغان وإعلانه عن فشل الانقلاب، وتوعده بمحاسبة المسؤولين، برز موضوع محاولة الانقلاب في تركيا بفرحة هستيرية عبرت عنها جماعة الإخوان.
حيث علق الوجه الإخواني البارز (حميد الأحمر) على محاولة الانقلاب في تركيا، والتي قامت بها مجموعات عسكرية من الجيش، قائلاً: (اليوم.. انتصر الشعب التركي لإرادته وحقه في الحرية والعدالة).
وأضاف الأحمر الذي فر إلى تركيا قبيل ثورة الـ21 من سبتمبر 2014 المباركة: (شجاعة الشعب التركي أفشلت الانقلاب، وصنعت الفارق، ولن يتجرأ أحد بعد اليوم على النيل من ديموقراطيته وإرادته الحرة، مبروك تركيا).
وذهبت توكل مع ابنها للاحتفال بالمطعم اليمني في سان فرانسيسكو، وقالت: (سأذهب إلى تركيا لأقدم تحية كبيرة لحزب الشعب التركي).
ومن داخل أراضيها، ظهر حمود المخلافي بشكله التهريجي المعتاد وهو يتودد لتركيا وينصب نفسه متحدثاً باسم أبناء تعز.
وقال قائد مليشيا المقاولة المسلحة التابعة لحركة الإخوان المسلمين في تعز حمود المخلافي، عبر (سكايب) (تقليداً لأردوغان)٬ إن أبناء تعز ساهموا مساهمة فاعلة بمساعدة الشعب التركي ضد الانقلاب من خلال الكلمة, وطالب أبناء تعز بأن ينقلبوا على الانقلابيين.
ومن السعودية بعث جنرال إخوان اليمن علي محسن الأحمر، رسالة لأردوغان، أعلن فيها الجنرال الفار تنديده ورفضه المطلق لهذه الجريمة البشعة في حق الشعب التركي ونظامه الديمقراطي ومؤسساته؛ وتضامنه الكامل مع الحكومة التركية وحزب العدالة والتنمية الحاكم.
وفي بيان مطابق نصياً لما أصدره التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين, أدان حزب (التجمع اليمني للإصلاح)، بأشد العبارات، محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة على الشرعية الدستورية المنتخبة في تركيا، على حد وصفه.

وأدان حزب السلم والتنمية (حزب الظل لتجمع الإصلاح) محاولة الانقلاب الفاشلة على رئيس وحكومة الشعب التركي التي قام بها من وصفهم الحزب (مجموعة من خونة الجيش التركي وأعوانهم)، الذين حاولوا الانقلاب على القائد المسلم الشجاع الرئيس رجب طيب أردوغان.
وعبرت هيئة علماء اليمن التابعة للإخوان المسلمين، في بيان نشرته هي الأخرى، عن إدانتها الشديدة لما سمته (التمرد العسكري) الذي قامت به قطاعات صغيرة من الجيش على الدولة التركية وإرادة شعبها ومؤسساته الدستورية المنتخبة.
لماذا كان الخوف الشديد ينتاب هذه الجماعة لحظة الانقلاب على أردوغان، ومن ثم الفرحة الجارفة عقب إعلان فشلها..؟
الإجابة بالتأكيد, أن تركيا أصبحت مؤخراً الملجأ الأكبر لأعضاء حركة الإخوان المسلمين في اليمن وغيرها من الدول العربية، بعد أن تم نفيهم، واعتبرتهم كثير من الدول العربية جماعة إرهابية، وتم عزلهم من المشهد السياسي.
فتركيا الأردوغانية لها طموح إعادة الخلافة العثمانية التي احتلت الوطن العربي وعبثت به، ويقابل هذا المشروع بدعم من منظومة الإخوان المسلمين المتهالكة، والتي يدعمها النظام التركي بقيادة أردوغان.
الزمن يعيد نفسه من خلال الإشكاليات والمنعطفات الخطيرة التي يواجهها الإخوان.. فقد شكلت أحداث رابعة العدوية منذ ثلاثة أعوام مفترق طرق بالنسبة لكثير من الإخوان المسلمين والمتعاطفين معهم، وشكلت مادة دسمة للجماعات الإرهابية.. لم يستفيد الإخوان المسلمون من الدروس والعبر بعد سقوط مرسي وإخوان مصر، في 14 أغسطس 2013، بعد فض اعتصام رابعة والنهضة الذي جاء نتيجة طوفان 30 يونيو الذي أدى إلى عزل محمد مرسي من الرئاسة التي تولاها في 30 يونيو 2012.
أفخاخ بوسفورية
تعتبر جماعة الإخوان المسلمين أن ما حدث في تركيا من نجاح اقتصادي غير مسبوق (كما تروج له)، وما شهدته البلاد من حريات وديمقراطية يشهد لها العالم، لن تضيع أمام أية محاولة انقلابية تستهدف الاستيلاء على تلك المكتسبات.
الأرقام الاقتصادية تقول إن الدين العام لتركيا وصل في عهد أردوغان لأكثر من 380 مليار دولار، وأنه لولا الدعم الألماني ومن ورائه الأمريكي لانهار الاقتصاد التركي في غمضة عين.
ويستثمر التنظيم الدولي للإخوان ما يقارب الـ400 مليار دولار في تركيا, ويصف الكثير من الاقتصاديين استثمارات الإخوان المسلمين بأنها مثل (جبل الجليد لا يظهر منه إلا الجزء الأصغر، أما الجزء الأكبر فهو تحت الماء لا يراه أحد).
فعلى مستوى اليمن, ركز الإخوان المسلمون منذ البداية على الجانب الاقتصادي، من منطلق أن المال هو القوة المحركة للعالم، وأيضاً تمهيداً للخلافة الإسلامية التي يطمحون لتحقيقها، والتي ستتطلب أموالاً باهظة واستثمارات موحدة في أكثر من دولة، وكذلك للضغط على أنظمة الدول والتلاعب باقتصاد الدول وقتما يشاؤون.
وبحسب بيانات اقتصادية فإن الاستثمارات الخارجية للإخوان المسلمين فرع اليمن هي استثمارات جماعية مع الحركة بشكل عام.. فلدى الحركة في تركيا لوحدها ستة مصانع كبيرة لإنتاج الملابس والمواد الغذائية وتكرير وتعليب بعض المواد الكيميائية، وإخوان اليمن مساهمون في هذه المصانع, بالإضافة إلى قيام إخوان اليمن بفتح عدد من القنوات الفضائية والمكاتب التي تعمل بمجال تزويد الجماعات الإرهابية في سوريا والعراق بكل متطلباتها البشرية والحربية, إلى جانب مكاتب الاتجار بالآثار المهربة والنفط في إسطنبول.
وعلى واقع مقولة (إذا ضرب الإخوان ظهر التمويل في تركيا).. فمنذ فترة عمل الإخوان على تعزيز فرصة العلاقات التجارية مع رجال الأعمال الأتراك، خصوصًا التابعين لفرع التنظيم الدولي هناك، وبدأ ذلك من خلال جمعية (الموسياد) في تركيا (تعد أكبر لوبي اقتصادي تركي، ويمثل حجم اقتصادها 15% من حجم الدخل التركي، والتي يقودها أحد رجال التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين هو غزوان المصري (تركي من أصل سوري)، المقرب من أردوغان).
عرش آيل للسقوط
جاء فشل الحركة الانقلابية من قبل مجموعة من الجيش التركي، على أردوغان، ليكون بمثابة قبلة الحياة لجماعة الإخوان المسلمين، حيث تعتبر تركيا أكبر متنفس للجماعة بعد دولة قطر، وبمثابة الوطن البديل لهم، بعد خروجهم من مصر عقب أحداث الـ30 من يونيو والإطاحة بمرسي, ومن اليمن بعد ثورة الـ21 من سبتمبر.
يعد رجب طيب أردوغان رئيس تركيا الـ12 منذ 28 أغسطس 2014م، ورئيس وزراء تركيا من مارس 2003 حتى أغسطس 2014، وقبل هذا كان عمدة مدينة إسطنبول التركية من قبل حزب الرفاه الإسلامي، من عام 1994م إلى 1998م. وعضو حزب العدالة والتنمية ذي البعد الاستراتيجي العميق عسكرياً واقتصادياً وسياسياً مع الغرب الامبريالي، والحاضنة الرئيسية للحركات الدينية المتطرفة كداعش.
وتعد السلطة هي مبلغ الطموح التاريخي للإخوان المسلمين كجماعة, وقد توسلت هذه الجماعة شتى الوسائل كي تصل إلى السلطة، بغض النظر عن اتساقها والشريعة الإسلامية من عدم ذلك.
إلا أنهم فشلوا في الاستفراد بالحكم في كل من تونس وليبيا، وعلى طريق ذلك في اليمن وسوريا، وتعرضهم لخسائر كبيرة، في المصداقية، وفي الكوادر.
ففي اليمن: كان اشتراكهم بالحكم بشكل مؤثر، قبل الأحداث، لكنهم وبعد الحراك الشعبي الواسع، وانقلابهم على السلطة التي حوتهم سابقاً، ظلوا ذوي موقف موارب، ومهيض إلى حد ما، وما ذلك إلا لدخول (المملكة العربية السعودية) على خط الأزمة اليمنية، من خلال تشكيلها تحالفاً ضم 12 دولة، تبين أنه لهدم (اليمن) على رؤوس أهله إذا ما كان الانتصار يستدعي ذلك، ليكون الإخوان هنا وكالعادة من ذلك الصنف (الإرهابي) الذي يتلوى أمام من يعمد إلى تدوير زواياه لعل الحياة تدب فيه كما هي حال فرعه العثماني الذي بدأ يترنح الآن بعد محاولة الانقلاب العسكري, ليكون بعد هذا، ربما، لكل عضو فاعل في الجماعة، حادث، ولكل دولة متعاطفة معها حديث.
لقد جاءت محاولة الانقلاب التي حدثت في تركيا، ليل الجمعة، من قبل مجموعة من الجيش, كالصاعقة على جماعة الإخوان المسلمين التي يحتمي أكثر قادتها الفارين من أوطانهم بهذه الدولة، وزادت التوقعات بأنه حال نجاح الانقلاب ستسارع السلطة الجديدة في تركيا بتسليم قيادات الإخوان المحتمين بتركيا، وخاصة المطلوبين منهم بأحكام قضائية، وذلك كعربون محبة لاعتراف بالسلطة الجديدة في تركيا وبداية علاقات جديدة مع هذه الدول.
صحيح أن رقبة الإخوان المسلمين نجت من المقصلة, إلا أن الضربة الموجعة جاءت على رأس عاصمة جماعة الإخوان (الدولية) (تركيا)، عبر محاولة الانقلاب العسكري التي لم تنجح (بعد)، في ليلة 16/7/20016.
إلا أن كل المؤشرات تدل على أن تنظيم الإخوان الدولي في طريقه إلى الانهيار، وأن هذه الضربة التي تلقاها على رأسه في تركيا عبر محاولة الانقلاب إياها، سوف لن تكون سوى بداية النهاية لسيطرة تنظيم الإخوان على مقدرات الدول السياسية في المنطقة. فهل يتعظ هذا التنظيم؟ لدى هذه الجماعة القدرة على التلون والتربص، فهل يقدّر الإخوان المسلمون أن دماء (الربيع الأحمر العربي) سوف لن تكون سوى وقود مشاعل لن تسمح للجماعة باستنساخ أساليبها السابقة، دون أن تكون عارية السلوك والغاية.
منذ اليوم بات علينا أن نترقب انقلاباً وثورة حرية وإنسانية وعدالة، سواء في تركيا أو غيرها، ستعكس نفسها حتماً على بقية الأنظمة الهالكة والمُهلِكة في المنطقة.. وعلى رأي الكاتب البريطاني (روبرت فيسك) فالانقلاب الفاشل يعقبه انقلاب ناجح.
كما يتوجب علينا أن ننتظر انقلابات شاملة ستخلّصنا من حرّاس الطائفية ومراكز تصدير الكراهية في المنطقة.
وسنرى يوماً ما عدالة السماء تجاه خليفة الإخوان الذي عاد إلى أحضان أربابه الصهاينة قبل الانقلاب، وقدم لهم بعد الانقلاب رأس الطفل الفلسطيني عبدالله عيسى، على طبق من ذهب، كعربون صداق لزواج فاحش.
وحتماً سنرى العدالة يوماً ما تجاه الذين حولوا الصراعات السياسية ومطالب الشعوب المشروعة في الإصلاحات وتغير أوضاعها المعيشية ومناخ الحريات للأفضل، إلى صراعات طائفية وإثنية دمرت كيانات الدول، وقتلت البشر من دون أن يهتز لها جفن.
المصدر صحيفة لا / طلال سفيان