رغم الحصار المطبق من تحالف السعودية خلال سنوات العدوان الثلاث الماضية، تحققت العديد من الإنجازات العسكرية النوعية.. فيما لايزال المعلن من قدرات الجيش اليمني واللجان الشعبية، هو جزءاً صغيراً حتى الساعة، فهناك الكثير من الأوراق الهجومية غير المعروفة على وجه اليقين حتى الآن، والتي لا يستطيع أحد أن يجزم طبيعتها ومداها وقدرتها في تغيير وقائع الاشتباك.
حتماً يمتلك الجيش اليمني واللجان الشعبية إمكانيات لم يستخدموها بعد، ولديهم القدرة على الدفاع عن البلاد، منها الورقة البحرية، والتي لم يأخذها التحالف الأمريكي السعودي حتى اليوم على محمل الجد, وأصبح لا بدّ من ردّ بحري يردع العدوان وزبانيته.
لم يكن العدوان برّياً وجوياً فحسب، بل استخدم البحر واحتل المضيق، وجعل الجزر اليمنية قواعد انطلاق لعملياته الحربية على اليمن، ومركزاً لتدريب مرتزقته, فضلاً عن محاصرته لموانئ الإغاثة.
مؤخراً دفعت التطورات المتمثّلة باستمرار تصعيد تحالف العدوان باتجاه مدينة الحديدة, بالجانب اليمني للحديث عن خيارات استراتيجية، منها خيارات قطع طريق الملاحة الدولية وفق ما أعلنه رئيس المجلس السياسي الأعلى خلال لقائه، الاثنين الفائت، بنائب المبعوث الأممي إلى اليمن معين شريم.
في هذا اللقاء أو بالأصح رسالة الشعب اليمني التي يجب أن تصل إلى المجتمع الدولي, لوح الرئيس الصماد باللجوء إلى (خيارات استراتيجية) في حال استمرار العدوان في تصعيده باتجاه الحديدة، من بينها (قطع البحر الأحمر والملاحة الدولية)، وسيتم استخدامها في طريق اللاعودة إذا وصل الحل السياسي إلى طريق مسدود.
وقال الرئيس بالحرف الجازم لنائب ولد الشيخ: (هم يمرون من مياهنا ببواخرهم، وشعبنا يموت جوعاً، وإن أرادوا أن نعود إلى طاولة المفاوضات نحن جاهزون ومستعدون للتفاهمات، وسيجدون منا ما لم يجدوه في الماضي، ليس تنازلاً، وإنما حرصاً على حقن دماء الشعب وعلى أمن واستقرار المنطقة).

رعب أمواج الدموع
تعد الحروب البحرية، وبالذات استهداف السفن، من أخطر الأوراق التي تثير رعب العالم, كما أن الممرات المائية تلعب دوراً كبيراً في المواجهات العسكرية، وتسهم في تغيير المعادلات وفق المنظور العسكري والاقتصادي.
في السادس من نوفمبر العام الفائت، كشفت القوة الصاروخية, الستار عن منظومة صواريخ (المندب)، التي تمتاز بدقتها العالية في إصابة الهدف، ومزودة بتقنية لن تستطيع سفن العدو العسكرية فك شفراتها. هذه الصواريخ لم يتم استخدامها من قبل، وهي صواريخ سريعة وناجحة واستراتيجية، وهو ما سيضيف نقلة نوعية في معادلة المعركة مع العدو، وقوة رادعة ستغير موازين المواجهة.
في العتاد البحري دمرت القوات البحرية التابعة للجيش واللجان الشعبية 8 قطع بحرية عسكرية لتحالف العدوان الأمريكي السعودي، خلال العام 2017م، توزعت على زورقين وأربع بوارج، وفرقاطة, ودشنت العام الجديد 2018 باصطياد الغواصة التجسسية (ريموس 600) المسيَّرة عن بعد والتابعة لقوى العدوان، ما يثبت عن جدارة الأدمغة اليمنية في مواجهة تقنيات رأس الثعبان.
وبعد أن تم الرد اليمني على المدمرة الأمريكية (يو إس إس ميسون)، منتصف أكتوبر 2016, بدأت العمليات البحرية اليمنية بانتهاج سياسة الدفاع من خلال استهداف سفن وزوارق حربية تابعة لدول العدوان، ليشكّل استهداف البارجة العسكرية الإماراتية أثناء محاولتها التقدم باتجاه سواحل المخا، في أكتوبر 2016، وتدميرها بالكامل, والفرقاطة السعوديّة (المدينة)، نهاية يناير 2017، والتي كان على متنها 170 جندياً وضابطاً سعودياً, منعطفاً في المعادلة البحرية، وبالذات كون الفرقاطة الأخيرة من بين أربع فرقاطات تمتلكها البحرية السعودية، وجميعها مزودة بحزمة تسليحية وتقنيات حرب إلكترونية وتخفٍّ ومهبط للمروحيات متوسطة الحجم مثل يوروكوبتر دوفين ويوروكوبتر بانثر وطائرة إن إتش90، وهي صناعة فرنسية.
حاولت السعوديّة إظهار الأمر على أنّه تهديد للملاحة في البحر الأحمر، إلا أن رجال اليمن أكّدوا أن الأمر يقتصر على السفن والبوارج التي تستهدف الأراضي اليمنية, وأن قوى الصمود والمقاومة اليمنية لديها الكثير من الأوراق التي ستستخدمها في الوقت المناسب.
ليبقى السؤال: ماذا سيكون حال العالم المشارك ومعه العالم المتغاضي عن العدوان القذر الذي يمارس على اليمن منذ أربع سنوات, في حال إقدام القوى اليمنية على إشعال البحر الأحمر بالحرائق؟
بالتأكيد ستكون الإجابة صفعة قوية في وجه العالم وهو يشاهد هذا السيناريو المرعب الذي سيكلفه الكثير من الخسائر جراء توقف أو مخاطرة الملاحة في هذا البحر.
في الآونة الأخيرة, ظهرت على السطح تصريحات لمسؤولين أمميين تطالب التحالف العسكري الذي تقوده السعودية بفتح الموانئ والمطارات والمنافذ اليمنية بحجة المساعدات الإنسانية.. بينما الحقيقة هي مطالب تصب في دائرة الخوف من نقل اليمنيين للمعركة إلى أعماق البحر، وبالذات بعد تمكنهم مؤخراً من توجيه صفعة قوية لوجه العدوان من الوصول إلى الحديدة.
وفي نظرة على الأهمية الاستراتيجية للبحر على كافة الوقائع، تمتلك اليمن ساحلًا بحريًّا يحتل أجزاء واسعة من سواحل البحر الأحمر، وخليج عدن، وبحر العرب، وقد أعطى هذا الساحل الطويل لليمن الفرصة لامتلاك الكثير من الجزر والمسطّحات الاستراتيجية، بالإضافة إلى مضيق باب المندب, الأمر الذي أسال لعاب الأنظمة القرصانية لالتهام هذه الوجبة الدسمة.
كما يعتبر باب المندب من أهم المضايق الهامة في العالم, وقد ورد اسمه كواحد من 38 مضيقاً في العالم الأكثر استخداماً لأغراض التجارة الدولية, ولهذا الشريان الحيوي أهمية قصوى لدى الملاحة الدولية، حيث إن 45% أو أكثر من نفط العالم يمر عبر هذا الممر المائي, ويقدر عدد السفن وناقلات النفط العملاقة التي تمر عبره بأكثر من 21.000 قطعة بحرية سنوياً (57 قطعة يومياً).
وتبقى أهمية باب المندب مرتبطة ببقاء قناة السويس أولاً ومضيق هرمز ثانياً مفتوحين للملاحة أمام ناقلات النفط خاصة, وتهديد هذين الممرين يحول السفن إلى طريق رأس الرجاء الصالح.

قراصنة يجتاحون بوابة العالم القديم
أسفرت حالة الضعف والتمزق والتآمر العربي بعد أزمة الخليج، ومن ثم عدوان مجموعة عاصفة الحزم بقيادة السعودية وأمريكا على اليمن، عن تقوية الوجود العسكري الصهيوني في البحر الأحمر.
فبعد أن كان البحر الأحمر يوصف بالبحيرة العربية، أصبح اليوم بحيرة أمريكية ـ إسرائيلية بامتياز، من خلال التواجد الكثيف لسفنهم ووجود القواعد العسكرية والتسهيلات على أراضي الدول المطلة على البحر الأحمر والمتشاطئة مع اليمن، وبالذات إريتريا والسعودية وجيبوتي، عبر إسهامهم بتعزيز النفوذ الإسرائيلي على جنوب البحر الأحمر، إلى جانب تعزيز السعودية ومصر مؤخراً للكيان الصهيوني بالسيطرة على الجزء الشمالي للبحر الأحمر عبر مسرحية وضيعة اسمها تيران وصنافير.
يكتسب البحر الأحمر أهميته التجارية للعالم من كونه يربط قارات العالم القديم، آسيا - أفريقيا - أوروبا، ونظرًا لوجود قوى عظمى ودول إقليمية تعمل لها بالوكالة من جهة ودول أخرى كالصين وروسيا والهند من جهة أخرى تتصارع على النفوذ، فقد كان من الطبيعي أن يكون البحر الأحمر إحدى أخطر وأكثر الساحات التي تشهد صراعًا دوليًا كبيرًا على السيطرة عليه..!
صحيفة (لا) ترصد خلال هذا التقرير أبرز القواعد والتواجد العسكري على سواحل البحر الأحمر.
الصين.. بعد أن فتحت جيبوتي الباب للدول الكبرى لتأسيس قواعد عسكرية، دشنت الصين مطلع أغسطس الماضي في جيبوتي أول قاعدة عسكرية لها في الخارج على أبواب البحر الأحمر الذي تطلق عليه الصين (طريق الحرير البحري).
تقع القاعدة الصينية قرب منطقة تاجورة، جنوب مدينة جيبوتي، على مسافة تبلغ نحو 10 كيلومترات من مقر القاعدة الأميركية.
لم تكن بكين الأولى في توجهها نحو إنشاء قاعدة عسكرية في جيبوتي بحجة حماية المضيق الاستراتيجي وطرق التجارة، فقد سبقها الكثير من الدول الأخرى التي جاءت لحماية سفن بلادها من أعمال القرصنة التي شهدها خليج عدن منذ عام 2005، وكلفت التجارة العالمية خسائر كبيرة، قدرت عام 2011 بـ6.6-6.9 مليار دولار سنوياً، بحسب وكالة OBP المختصة بمتابعة القرصنة.
روسيا.. في حديث أجرته معه وكالة الأنباء الروسية (ريا نوفوستي)، أخيراً، أعلن الرئيس السوداني عمر البشير، أنه بحث خلال لقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إقامة قاعدة عسكرية روسية، على البحر الأحمر. 
يعيد تواجد الدب الروسي في منطقة البحر الأحمر، صورة قدمه الأولى بعد أن ظل لسنوات طويلة يتمتع بحضور عسكري في جنوب اليمن، حيث كانت روسيا تستأجر مطاراً ومركز اتصالات في اليمن في الفترة 1982ـ1984.
وفي يوليو الماضي ذكرت وكالة (سبوتنيك) أن روسيا تسعى إلى بناء قاعدة بحرية لها في عدن، لافتة إلى أن مشروع إقامة قاعدة بحرية في اليمن يعد هدفاً استراتيجياً لكونه يسمح لموسكو بالإطلالة على البحر الأحمر ومضيق باب المندب.
أمريكا.. في جيبوتي توجد القاعدة العسكرية الأمريكية، التي يتمركز فيها 4 آلاف فرد، وتقع جنوبي مطار (أمبولي) بالعاصمة جيبوتي، وتعد الأكبر في القارة السوداء، وأنشأتها واشنطن عام 2001، بهدف تعزيز وجودها العسكري في المنطقة.
ومنذ فبراير 2002، تقوم فرقة العمل المشتركة 150 التابعة للقوة البحرية المشتركة، تحت قيادة أمريكا بالتواجد في مضيق باب المندب بحجة حمايته من القرصنة (المسرحية الأمريكية للسيطرة على خليج عدن وباب المندب)، بالإضافة إلى عزمها إنشاء قبة حديدية في باب المندب، وتواجدها في قاعدة العند وجزيرة سقطرى في اليمن منذ منتصف 2016.
إسرائيل.. تقيم الدولة الصهيونية في جزر أرخبيل دهلك الإريترية، أكبر قاعدة بحرية لها خارج حدودها.
وتمتلك إسرائيل قواعد عسكرية في إريتريا، كما تملك تل أبيب قاعدة تنصت استخباراتية تقع على قمة جبل على ارتفاع 3000 متر فوق سطح البحر، ومرسى للسفن في جزر دهلك في البحر الأحمر, وتتخذ من هذه الجزيرة مركزًا للرصد والمراقبة في البحر الأحمر لمراقبة اليمن والسودان وحركة ناقلات النفط في البحر الأحمر، كما أنها تعد محطة لتشغيل الغواصات الإسرائيلية المزودة بالصواريخ النووية، التي تقوم بمراقبة حركة الملاحة عند مضيق باب المندب.
فرنسا.. في جيبوتي أيضاً هناك أقدم قاعدة عسكرية في القارة الأفريقية، وهي القاعدة الفرنسية التي تحمل اسم (فورس فرانسيس جيبوت)، والتي تضم نحو 900 عسكري.
وتتمركز في جيبوتي كذلك قوة المهام المشتركة، التي شكلها الاتحاد الأوروبي في 2010، والمعروفة بالعملية الأوروبية لمكافحة القرصنة (أتلانتا)، بمشاركة 8 دول هي: ألمانيا، بلجيكا، إسبانيا، فرنسا، اليونان، هولندا، بريطانيا والسويد.
إيران.. تعد منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر من أهم المناطق الاستراتيجية للقوات البحرية الإيرانية. وتوجد المجموعة 41 بحرية التابعة للجيش الإيراني، وهي تتكون من الفرقاطة اللوجستية (لافان)، والمدمرة (الشهيد الأدميرال نقدي)، وسفينة (تنب) للدعم اللوجستي, وتوجد من وقت لآخر ثلاث غواصات إيرانية من نوع (كيلو).
وسبق للجمهورية الإسلامية إنشاء قاعدة بحرية عسكرية في ميناء عصب الإريتري على البحر الأحمر، قبل أن ينقلب عليها الرئيس الإريتري أسياس أفورقي الذي اتجه نحو المد السعودي الإماراتي مع بداية عدوان هاتين الدولتين على اليمن.
تركيا.. من جانبها كانت تركيا حاضرة في سباق القواعد العسكرية، حيث افتتحت أنقرة مؤخراً، أكبر قاعدة عسكرية لها في العاصمة الصومالية (مقديشو).
اليابان.. على واقع منافستها مع الصين، دشنت طوكيو قاعدة عسكرية في جيبوتي عام 2009، وتضم 600 عسكري.
ومنذ عام 2011 تتمركز فرقة تابعة لقوات الدفاع الذاتي اليابانية في موقع مساحته 30 فداناً بجوار معسكر (ليمونير) التابع للقاعدة الأمريكية بالقرب من مطار جيبوتي.
وفي الوقت الحالي تدرس الحكومية اليابانية توسيع قاعدتها العسكرية في جيبوتي لموازنة ما تعتبره النفوذ الصيني المتزايد بالمنطقة.
الإمارات.. في ظل معركة السيطرة على البحر الأحمر، ارتفع الوجود العسكري للإمارات في عدن وفي الجزر اليمنية عبر مرتزقتها اليمنيين والأجانب، بالإضافة إلى وجود عسكري لأبوظبى في إريتريا, واستئجارها لميناء جيبوتي.
وخلال فبراير الماضي كشف موقع (جاينز) البريطاني المتخصص بالشؤون العسكرية، أن الإمارات قطعت شوطًا كبيرًا في بناء قاعدة عسكرية في جزيرة ميون اليمنية، بالتعاون مع وحدة الرصد الإسرائيلية.
وتوصلت الإمارات لاتفاق مع حكومة (أرض الصومال) التي أعلنت انفصالها عن الصومال، ولم تحظَ باعتراف دولي، لبناء قاعدة عسكرية إماراتية في مدينة بربرة, كما وقعت عقد إيجار لمدة 30 عامًا بغرض إقامة قاعدةٍ عسكرية لها في ميناء عصب الإريتري.
السعودية.. بدوره أعلن الوكيل الثاني للإمبريالية والصهيونية (السعودية)، في مارس العام الماضى، عزمه إنشاء قاعدة عسكرية في جيبوتي، وذلك من باب هرطقات المملكة المتواصلة على الدوام بمواجهة المد الإيراني في اليمن, ووعدها للكيان الصهيوني بموطئ قدم في باب المندب.