تعددية قوامها 180 ديانة 6 منها رئيسية .. الهندوس أولا والمسلمون ثانيا والبوذية ثالثهما

مومباي ـ شايف العين
وأنت تسير في شوارعها تتفاجأ أذناك بصوت يقتحم طبلتيها ممزوج من عدة أصوات، وبعد أن تأخذ وقتها في فلترته يتضح أن مصدره أجراساً تُقرع وأذاناً يُرفع وأناجيل تُتلى.. إنك في شبه القارة الهندية، تحديداً في عاصمتها التجارية بومباي.
والتأكد من الأمر لا يتطلب الكثير، فقط التفت نحو الجهة القادم منها الصوت لترى بأم عينيك مسجداً إسلامياً إلى جانب كنيسة مسيحية ومعابد هندوسية وبوذية وجاينية، وكذلك سيخية، في بلد تعدد الإثنية الذي زارت «لا» مدينته التجارية، وعلى متنها قراؤها لتعرفهم بدياناته المتعددة.

تنوع إثني وعرقي
تعتبر الهند من البلدان الأكثر تنوعاً حضارياً وتعدداً عرقياً ودينياً، ويرجع البعض السبب في هذا إلى تباين جغرافيته الطبيعية التي تضم السهول والوديان والجبال والبحار، وتتمتع بالمناخ الحار والبارد والقارس. 
فيما يرى آخرون أن ذلك التعدد خصوصاً في الديانات تسببت به الهجرات العديدة التي كانت الهند وجهتها الأولى لجملة من الأسباب أهلتها ليبحث الجميع فيها عن مستقر لهم.
وتتحدث معلومات أنه يوجد في هذا البلد أكثر من 180 ديانة ومعتقداً، غير أن 6 منها فقط هي المسيطرة على ساحته، ثانيها الإسلام، وأولها الهندوسية، تليهما السيخية والبوذية والجاينية والمسيحية، وكل منها لها أتباعها ومناطقها وشعائرها وتقاليدها التي تعد بعضها غريبة نوعاً ما.

الهندوسية أولاً
تعد الهندوسية هي الديانة الأقدم ظهوراً في الهند وفقاً للدراسات التاريخية، كما أنها الأكثر انتشاراً وتابعين، حيث يبلغ عددهم 840 مليون نسمة، أي ما نسبته 82% من إجمالي السكان.
وتنتشر البراهمية في جميع ولايات الهند، ودور عبادتها هي الأكثر انتشاراً أيضاً، وبجانب كل منها محلات لبيع الزهور المقدمة للآلهة، ما جعلها المسيطرة على الحياة السياسية والاقتصادية.
وينقسم الهندوس إلى 3 جماعات بحسب آلهاتهم الثلاث المشهورة في معتقداتهم، وهي شيفا، فيشنا، وشاكتي، التابعات لإلههم الأعظم "براهمان"، أما حياتهم الاجتماعية فقائمة على نظام الطبقات والمعروف قديما بـ"فارنا"، وقد أفرز المجتمع طبقياً إلى: 
• "البراهميين"، الطبقة البيضاء، وتضم القساوسة والعلماء.
• "الكاشتري"، الطبقة الحمراء، وتضم الحكام والبيروقراطيين والجنود.
• "الفيزية"، الطبقة الصفراء، وتحتها ينضوي التجار والمزارعون.
 • "السودرا"، الطبقة السوداء، وهي خاصة بالعمال والحرفيين المهرة.
• "الشودرا"، الطبقة المنبوذة التي سعى المهاتما غاندي (مؤسس الهند الحديثة) إلى رفع شأنها كونها تعامل بطريقة حقيرة من قبل الطبقة البراهمية، وصلت إلى تجنب لمسهم كونهم في مرتبة دنيئة جداً.

شعائر ومعتقدات غريبة
يتقدم الهندوسيون بقرابين من الأكل والشرب والزهور والنقود والذهب والمجوهرات، إلى آلهاتهم، تعطى للقساوسة، وهم بدورهم يسلمونها للآلهة، والموعد الرسمي الذي لا يتخلف فيه تابع عن تقديم القرابين، هو عيدهم الذي يقام في شهر مارس من كل عام.
تقدس هذه الديانة بعض الحيوانات كالقردة والثعابين، غير أن أكثر شيء مقدس فيها هي البقرة، حيث تحرم أذيتها أو ذبحها، ويصل الأمر إلى إعطائها أموالاً وهدايا بينما تتجول في الشوارع، وهذا ما شاهدناه في شارع شاندي نجر بمنطقة ميرا رود في بومباي.
وتحرم بعض الطوائف إلى جانب أكل اللحوم، أكل البصل والثوم، كونهما تنبتان من دم الشيطان، حسب معتقداتهم، ولديهم نبتة مقدسة تدعى التولسي يزرعونها أمام منازلهم.

المرور تحت البقرة يغفر الذنوب 
إن الهندوسية أكثر ديانة غريبة الشعائر، ومن غرائبها أنه إذا ارتكب أحد ذنباً ما فعليه المرور من تحت البقرة جاثياً على ركبتيه، لتزول خطاياه. إضافة إلى التبرك بماء الثعابين، ولديهم معبد خاص مليء بها يسمى "الفودو"، والحج وجهته مدينة كيدارناه.
ومن الطقوس الغريبة ما يشبه ممارسة رياضة اليوغا، وهي عبادة التضرع للآلهات الهندوسية، وتمارس داخل المعابد، ولدى الديانة 4 مهرجانات رئيسية هي: 
• "ديوالي"، مهرجان الأنوار.
• "سواسثاني"، مهرجان الاستحمام الجماعي للسعادة الزوجية.
• "نافارتي"، مهرجان الألوان، ويقام في 21 مارس من كل عام.
• مهرجان إلقاء الأطفال من أسطح المعابد ليتم تلقيهم في الأسفل عبر قطعة قماش يمسكها مجموعة من الأشخاص، ويقام هذا المهرجان في ديسمبر من كل عام، وبحسب معتقداتهم فإن رمي الأطفال من أسطح المعابد بهدف مباركتهم.

الإسلام ثانياً
يأتي الإسلام كثاني أكبر ديانة في الهند من حيث عدد التابعين لها، حيث يبلغ عددهم 124 مليون نسمة، أي 12% من سكان الهند، ويشكلون في مدينة بومباي ما نسبته 20% من عدد سكانها، كما ينتشرون في جميع أنحاء الهند، لا سيما مدن الشمال التي يمثلون ثلثي سكانها، إضافة إلى جامو وكشمير وجزيرة لاكشاد دويب، ويعيش ربعهم في ولاية أوتار براديش.
إن أبرز الاختلافات التي رأيناها في مسلمي الهند عن مسلمي البلدان العربية، تتمثل في صلاة الجمعة، حيث يقيمونها في بومباي 3 مرات أو في 3 أوقات مختلفة، وذلك كي يحضرها الجميع، ولا يتخلف عنها أحد، أما بقية الشعائر فلا يوجد خلاف كبير. ومن اللافت للانتباه هي المساجد ذات الحجم الصغير والشكل المختلف تماماً عن المساجد في عديد البلدان الأخرى.

البوذية 
ظهرت الديانة البوذية في الهند بعد البراهمية (الهندوسية)، أسسها سدهارت جوتاما الملقب ببوذا، في القرن الخامس قبل الميلاد، وينقسم البوذيون إلى فرقتين؛ الأولى تسمى "هانايان"، وتعني العربة الصغيرة، وتنكر وجود الله، والثانية تدعى "ماهايان"، وتعني العربة الكبيرة، وهذه تؤله بوذا.
أما الكتابات البوذية فتتمثل في 3 مجموعات تسمى "تريباتاكا":
الأولى تدعى "سوترا بيتاكا"، وتتضمن الحوارات التي دارت بين بوذا ومريديه، مساعديه المخلصين.
الثانية "فينايا بيتاكا"، وهي الخاصة بالجانب التنظيمي والأخلاقي لحياة الرهبنة.
الثالثة "أمهيدارما بيتاكا".
وللبوذية الهندية عادات شبيهة نوعاً ما بعادات البوذية الديانة الأكثر انتشاراً في الصين وتايلاند، كالقرابين، غير أنها ليست مشابهة كثيراً لها.
ويعتبر يوم ميلاد بوذا (في الـ8 من الشهر الـ4 من التقويم الصيني) أهم مناسبة احتفالية في التقاليد البوذية، ويطلق على المناسبة في مذهب "نيرافادا" اسم "فاميكا".

السيخية
تأسست السيخية قبل ما يقارب 500 عام وفقاً للمعلومات المتوفرة، على يد الغورو ناناك ديف الذي نشأ في أسرة هندوسية، وكان قريباً نوعاً ما إلى المسلمين، حيث أخذ تعاليمه من كلا الديانتين، وادعى أنه رسول من عند الله لكافة البشر، وهدفه هو تحسين الديانتين (الإسلام والهندوسية)، وتجديد الأحكام التي تتخللهما، خصوصاً تلك التي تحرض على العنف. ويبلغ عدد منتسبيها في الهند ما نسبته 1.9? من إجمالي السكان.
والدين السيخي من الديانات التوحيدية، وأساسه كلمة "إكونكار" التي تعني إله واحد، ولديهم كتاب واحد اسمه "الغوروغرانت صاحب"، وهو مجموعة تراتيل لـ7 معلمين توضح صفات الإله. ويتكون من 134 صفحة. أما رمز الديانة العالمي فيسمى "خاندا"، وهو سيف ذو حدين تحيط به مجموعة من الخناجر.
أما عادات السيخ فمنها ارتداء العمامة، وهو أمر إلزامي وركيزة من ركائز عقيدتهم، كما أنهم لا يحلقون شعرهم، فهو في اعتقادهم منبع قوة، ويساعدهم على التركيز الروحاني، ويحرمون أكل البقر، ويبيحون أكل الخنزير.
وهم محافظون على ما يسمونها الكافات الخمس، وهي: 
1 - الكيسا (إطالة شعر الرأس واللحية). 
2 - الكناها (تصفيف الشعر بالمشط). 
3 - الكاشا (ارتداء سروال متسع). 
4 - الكارا (سوار فولاذي يلف حول المعصم). 
5 - الكيربان (خنجر فولاذي يتم حمله دائماً).
أما مهرجانات السيخ وأعيادهم فأبرزها ما يلي: 
1 - "ماغي"، وهو تمجيد لذكرى الـ40 شهيداً الذين قتلوا على يد المغول بقيادة وزير خان، ويقام في الـ14 من يناير من كل عام.
2 - "باركاش"، وهو عيد ميلاد الغورو جوبيند سينغ، ويقام أيضاً في يناير من كل عام.
3 - "هولا موهالا"، يقام في 17 مارس من كل عام إحياءً لذكرى التدريبات العسكرية للسيخ.
4 - "اليساكي"، وموعده 13 أبريل من كل عام، وهو رأس السنة السيخية.
5 - "ديوالي"، وهو العيد الذي يشترك فيه السيخ مع البوذية والهندوسيين، ويقام في الـ9 من نوفمبر، ويستمر 6 أيام.
6 - "بسنت"، وهو عيد الطائرات الورقية.

الجاينية 
تعد الجاينية واحدة من الديانات المنتشرة في الهند، أسسها مهاويرا المحارب الذي قاد الثورة على طبقة البراهمة، ويشكل أتباع هذه الديانة في الهند أقل من 1? من إجمالي السكان، غير أنهم يعتبرون من أغنى الأغنياء حالياً، حيث يسيطرون على نسبة كبيرة من التجارة والمداولات المالية. 
ويلتزم راهبو هذه الديانة بـ5 معتقدات هي: 
1 - "أهيما"، وتعني عدم العنف وعدم إيذاء أي مخلوق، حتى إنهم لا يخرجون ليلاً كي لا يقتلوا الحشرات المزعجة أو يدوسوها دون قصد.
2 - "ساتيا"، وتعني الحقيقة وقول الحقيقة في كل الأحوال.
3 - "أستيا"، وهي عدم أخذ أي شيء بدون إذن صاحبه.
4 - "براماشاريا"، وتعني السيطرة على الحواس ومنع النفس من الانغماس في الملذات.
5 - "أباريغراها"، والتي تأمر بقطع كل التعلقات بالأماكن والأشياء والأشخاص (أي عدم التملك).

المسيحية 
بدأت المسيحية تنتشر في الهند مع البعثات التجارية الغربية، وبعد دخول الإنجليز واهتمامهم بنشرها، وحضورها يتركز في الجنوب أكثر من الشمال، ويقدر عدد المسيحيين في الهند بـ23.6 مليون نسمة، بما يمثل 2.3% من مجموع السكان، ويعيشون في المناطق الحضرية، ويتركزون في ولاية كيرالا، وتاميل نادوا وجياو، ويشكلون أغلبية في 3 ولايات صغيرة في الشمال، وهي ناجلاند، ميزورام، وميغالايا.
أما بالنسبة للكنائس فليست بكثرة المساجد والمعابد الهندوسية والسيخية، فهي قليلة في بومباي، وتكاد تنحصر بكنيسة فقط في كل منطقة.

الطبقية تقتل سحر الهند
وعلى الرغم من سحر البلد وجماله وخيراته الوفيرة، وشهامة شعبه مع الوافدين إليه من الخارج، والتعايش في سلام رغم تعدد الأديان والطوائف، غير أن أبرز سلبيات الهند، والتي تميل الدفة إليها أكثر من ميلانها للإيجابيات، تتمثل في التفرقة الطبقية التي يعيشها المجتمع إلى اليوم، فالغني يعامل الفقير بدناءة، والراهب يعامل الجميع بدونية، وهناك احتقار للطبقة الكادحة والمعدمة.
ولعل ترسخ هذه العرقية جعل الهنود معدومي الرحمة في ما بينهم، حيث يستحيل أن يفكر شخص ما بالتنازل وإشباع جوع من هو أدنى منه طبقياً ومالياً.
لم تنتهِ بعد رحلة (لا) في الهند، فلازال هناك الكثير من المواضيع التي سيتم نشرها عن هذا البلد العجيب الغريب والقاسي والمضياف في الوقت نفسه.