دعاء القادري - وليد مانـع / لا ميديا -

تعاني المدارس الحكومية من نقص في الكادر التدريسي، مما سبب نقصا في الحصص الدراسية المقررة للطلاب من المنهج الدراسي. هذا الأمر، بالإضافة إلى انقطاع المرتبات، أثر سلبا على العملية التعليمية برمتها.
الوضع الصعب والظروف القاسية دفعت بالكثير من المدرسين لمغادرة المدارس الحكومية، إما إلى مدارس أهلية، وإما إلى أعمال حرة، وإما إلى المنازل، عاجزين حتى عن الحصول على أجور المواصلات التي توصلهم إلى المدارس التي يعملون فيها، خصوصا في ظل تكرر أزمات المشتقات النفطية.
النتيجة الحتمية لوضع كهذا هو معاناة المدارس الحكومية من نقص في الكادر التدريسي، الأمر الذي دفع وزارة التربية والتعليم إلى تقديم مشروع قرار عودة فرض خدمة التدريس الإلزامي على خريجي الثانوية العامة والجامعات، وهو ما كان معمولا به إلى ما قبل عقدين من الزمن.
لكن هل يمكن لهذا القرار أن يحل المشكلة؟ ألا يمكن أن يخلق مشكلات من نوع آخر؟ وهل يمكن تنفيذه بدون عوائق أو إشكاليات؟!
هذه الأسئلة وغيرها طرحتها صحيفة «لا» على عدد من المسؤولين والاختصاصيين التربويين، وخرجت بالحصيلة التالية..

معلمون مدمنو ألعاب نت!
الدكتورة أفراح غرامة، شعبة الدراسات الإسلامية بقطاع التعليم في الوزارة، تعلن منذ البداية أنها ليست مع قرار الخدمة الإلزامية؛ معللة ذلك بالقول: «جيل اليوم للأسف ليس جيل تدريس وتحمل مسؤولية. كيف يدرس الطالب ويتحمل مهنة التدريس الشاقة وهو لايزال يلعب الألعاب الإلكترونية، ويقضي طوال الليل في اللعب مع أصحابه في شبكة النت؟! كيف يمكن الاعتماد على طالب خريج ثانوية ومازال بعقلية الطفل الهاوي والمدمن للألعاب الإلكترونية المدمرة لعقول الشباب؟! ولهذا اقول إن مهنة التعليم تحتاج إلى مهارات عالية وقدرة في التعامل مع النفوس البشرية ببراعة ومهارة ورحمة وصبر طويل.. وفي هذا الوقت الذي نعيش فيه أنظر إلى هذا القرار بأنه كارثة على المجتمع بأسره».
وتضع غرامة مقترحاً مفاده: «لدينا خريجون مؤهلون بأعداد كبيرة جدا، وهم ليسوا موظفين حكوميين، فالأصوب والأجدى أن يتم توظيفهم».

أكثر من نفعها
«لست مع إعادة فرض الخدمة الإلزامية»، ذلك ما قالته الأستاذة نبيلة عبيد، مديرة مدرسة، مشيرة إلى أن هؤلاء الطلاب الخريجين يحتاجون إلى عمل تدريبي ومهاراتي كبير جدا. والعمل في مجال التعليم يحتاج إلى خبرة سنين. ولكي يقف الخريج في الصف الدراسي بشكل جيد يحتاج إلى سنوات حتى يعطي مادة علمية دقيقة بمهارات احترافية. وتواصل: «من خلال عملي في تقييم المستوى، فهناك من الخريجين من لا يمكنهم حتى القراءة أو الكتابة، ويقعون في أخطاء إملائية خطيرة تفزع الأحياء والأموات. شيء مخيف ومحزن».
وتضيف: «في الكثير من دول العالم، لا يكون المدرسون في السنوات الأولى من التعليم الأساسي إلا أساتذة تربويين على درجة كبيرة من العلم والمعرفة والخبرة، وأحياناً بروفيسورات».
وعن مشكلة العجز في أعداد المعلمين، تقول: «من المعروف أن هناك معلمين تركوا ميدان التدريس، فكيف سيكون الحال مع متطوعين ببلاش بدون حوافز ولا رواتب؟!».
وتستطرد: «أنا كأم أريد أن تتجه ابنتي الخريجة إلى معاهد اللغات وتتعلم المواد حتى تتمكن من اجتياز امتحانات القبول في الجامعة التي تنوي الالتحاق بها... ابنتي طفلة لا تتعدي الـ17، معقول السنة المقبلة تكون معلمة وتكون تتساوى مع غيرها من المعلمات؟! هذه مأساة ودمار شامل للتعليم. ليس من المعقول أن الطالبة بالأمس والتي تلعب الكرة مع الطالبات وسط ساحة المدرسة، تكون معلمة في السنة المقبلة، حتى لو كانت متفوقة علميا ودراسيا. وأنا كمديرة مدرسة عندما تأتيني خريجة صغيرة أقترح عليها العمل الإداري أو الإشرافي بين الفصول. أما أن تعمل معلمة فلن أسمح لها، لأن مشاكلها أكثر من منافعها».

مقومات متدهورة
المستشارة التربوية ياسمين عبدالواسع الذبحاني، إدارة المناهج الدراسية بوزارة التربية، تؤكد أن المدرس (المعلم) في المرحلة الأساسية يجب أن يكون مؤهلا ومدربا، ولا يكفي فقط أن يقوم بالمهمة لسد الحاجة والنقص في عدد المدرسين.
وتضيف: «من المعلوم أن مخرجات التعليم ضعيفة جدا، والدرجات العالية ليست معيارا للحكم على قدرة الطالب الخريج في التعامل التربوي مع الطلاب، صغارا أو كبارا، خصوصا في مرحلة التعليم الأساسي».
بناء على هذا ترى الذبحاني أن «هذا القرار يجب أن يكون انعكاسا للميدان والواقع العملي»، متسائلة: «فالطالب الذي لا يتجاوز عمره الـ18 سنة كيف يتحمل المسؤولية التربوية وليس لديه القدرة على التحكم بالأطفال الصغار في ظل تدهور مقومات أساس التعليم السليم؟!».

فاقد الشيء لا يعطيه
الأستاذ فؤاد الدار، موجه تربوي، يرى أن مشروع قرار الخدمة الإلزامية يضع قيادة وزارة التربية والتعليم بين مطرقة الحاجة وسندان النتائج. «فالمدارس شبه مغلقة، وثمة معلمون تركوا التدريس وبحثوا عن مهن أخرى. يضاف إلى ذلك غياب الكتاب المدرسي بسبب هذه الأوضاع التي يعيشها اليمن. لهذا لا يمكن أن نتوقع إلا خريجا مستواه ضعيف جدا»، متسائلا: «كيف يمكن أن يخرج جيل متعلم قادر على مواصلة تعليمه بمستوي معقول أو حتى مقبول؟!».

الطالب يدفع ثمن السياسة الخاطئة
الأستاذ جازم عوض الكلبي، خبير مشاريع تطوير التعليم، يرى أن العجز في عدد المعلمين مرتبط بعدة عوامل ومسببات، منها العدوان على بلادنا منذ 5 سنوات، وانقطاع المرتبات، وهجرة المعلمين خارج البلد، ومزاولة المعلمين أعمالا مختلفة لتغطية نفقات عوائلهم في ظل الأوضاع المعيشية وغلاء الأسعار.. مضيفا: «عندما نتحدث عن موضوع التعليم اليوم في هذه المرحلة، ينبغي أن نشير إلى انعدام التخطيط منذ عقود من الزمن، حيث كشوفات وزارة الخدمة المدنية تضم أعدادا تفوق الآلاف من الكوادر التربوية المتخصصة والذين ينتظرون منذ سنوات طويلة أن تتاح لهم فرصة العمل في القطاع الحكومي». وطرح سؤالا وجهه للحكومة قائلا: «هناك بطالة في أوساط الشباب خريجي الجامعات تزداد في كل عام، فما هو السبب؟! في الماضي كانت الحزبية السياسية الخاطئة تفرخ كوادرها الحزبية في هذا القطاع لأجل أغراض أيديولوجية والتحكم في مقدرات الدولة، والاستثمار في مواسم الانتخابات... وما وصلنا إليه الآن ليس إلا بسبب هذه السياسات الخاطئة التي سندفع ثمنها أجيالا وأجيالا للأسف الشديد».

التوظيف الحكومي موقف
الأستاذ محمد أحمد شرف الدين، مدير عام التعليم الإلكتروني بوزارة التربية، من جهته، يقول: «الخدمة الإلزامية كان معمولا بها في السابق، لأن الطلاب كانوا ينتظرون سنة بدون عمل، وكانت معدلاتهم عالية، فيتوجهون للتدريس. ومع ما نعانيه اليوم من انقطاع المرتبات وانقطاع كثير من المعلمين عن العمل التدريسي لسبب أو لآخر.. ولهذا تم وضع بعض البدائل لسد هذا العجز الحاصل في مدارس العاصمة وعموم محافظات الجمهورية. وللأسف لم تتم معالجة العجز في عدد المعلمين، بل كانت البدائل تتعلق بانقطاع المرتبات، وتمثل البديل بالحافز التعليمي لكل معلم يعمل في ميدان التعليم، حتى المتطوع يعتمد له الحافز، وتم اعتماد أصحاب المؤهلات الجامعية، والحاصلون على مؤهل ثانوية لم يتم اعتمادهم».

لإنقاذ ما يمكن إنقاذه
جميل خالد، رئيس شعبة التدريب والتأهيل بوزارة التربية، أشار إلى الآثار الكارثية المترتبة على العدوان الغاشم والظالم على بلادنا، وانعكاسها على كل جوانب الحياة وعلى كل المستويات، ومنها التعليم: «وكون التعليم ليس كبقية الجوانب التي تأثرت بالعدوان، فقد تأثر من توقف دعم وتمويل برامج تطوير التعليم الحديث، ناهيك عما تسبب به توقف صرف الرواتب، والذي اضطر عددا غير قليل من المعلمين إلى عدم الاستمرار في مزاولة عملهم كمعلمين في ظل توقف الرواتب واشتداد الالتزامات الأسرية واللجوء للبحث عن أي عمل يلبي الحاجات الضرورية».
وعن وجهة نظره حول مشروع القرار، يقول: «هذا يعتبر حلا نسبيا لا بأس به كحل اضطراري يساعد في استمرار العملية التعليمية بالمدارس كحالة طارئة. لكن من ناحية أخرى، فإن الكفاءات التربوية والمعرفية للخريجين ضعيفة، وهذا سينعكس سلبا على جودة التعليم ومستوى تحصيل التعليم، وهذا يمثل معالجة شكلية أكثر من كونه حلا موضوعيا ولو بالحد الأدنى». ويشير إلى نقطة أخيرة رأى أنها الأهم، وتمثلت في «أولاً إخضاع المقبولين لبرامج التدريس بطرق حديثة. ثانياً إعداد موجهين للقيام بالمتابعة والتوجيه ورفع التقارير المرتبطة بسير العملية التعليمية».

مصلحة الطلاب فوق أية مصلحة
تواصلت صحيفة «لا» مع د. عبدالله النعمي، وكيل قطاع التعليم بوزارة التربية والتعليم، والذي أوضح أنه «تم تشكيل لجنة وزارية وضعت مقترحا بالآلية التنفيذية لمشروع قرار الخدمة الإلزامية، وتم رفعها إلى مجلس الوزراء، وحتى الآن ننتظر ما سيخرج به المجلس بهذا الشأن».
وحول المشروع ذاته يقول: «لا يسعنا القول إلا أن القرار سيأخذ بعين الاعتبار كل السلبيات والإيجابيات، وأن مصلحة أبنائنا الطلاب فوق أية مصالح أخرى».

خياران أحلاهما مر
الأستاذ محمد الذماري، رئيس شعبة قطاع التعليم بوزارة التربية، يقول إن العجز في عدد المعلمين «مشكلة قديمة جديدة، وتفاقمت أكثر بعد توقف التوظيف، حيث كان آخر توظيف في عام 2011/2012، وزادت حدة المشكلة أكثر بعد توقف صرف المرتبات، ومنذ توقف التوظيف والعجز يتفاقم، وذلك نظرا لعدم توظيف بدل من تمت إحالتهم للتقاعد والمتوفين والمرضى والمجازين دراسيا والمنتدبين والمجازين بدون راتب والمنقولين إلى أعمال إدارية أو فنية... إضافة إلى التوسع في بناء فصول ومدارس جديدة. ولكل ما سبق نتج عندنا عجز متنامٍ باستمرار في عدد المعلمين».
ويضيف: «أمام هذه المشكلة لجأت المدارس للاستعانة بالمتطوعين لمواصلة التدريس بدلا عن المدرسين المنقطعين. ولكن المشكلة لم تنتهِ هنا، بل ظلت تتصاعد نظرا لاستمرار أسبابها جميعا، فكان من الضرورة القصوى العمل على إيجاد حلول بديلة، وتوصلت الوزارة لمشروع قرار الخدمة الإلزامية لخريجي الثانوية والجامعة. وأنا أعتبره كأحد خيارين أحلاهما مر؛ والضرورات تبيح المحظورات. فاستمرار التعليم بالحد الأدنى أفضل من توقف التعليم، وكلاهما مر».
ويستدرك: «لكني أتمنى أن يتم العمل بالخطوات التدريجية التالية:
1 - أن تكون الأولوية في الجهود الرسمية والشعبية لإعادة المعلمين الثابتين إلى مدارسهم، وتوفير حوافز مادية وعينية مستمرة لهم.  
2 - أن يتم النظر - من خلال لجنة من التوجيه متخصصة - في أداء المتطوعين واختيار من ثبتت جدارته منهم بالعمل كمعلمين. 
3 - أن يتم التركيز على خريجي كليات التربية ومعاهد المعلمين المقيدين بكشوفات الخدمة المدنية للعمل كمعلمين نظرا لتأهيلهم التخصصي. 
4 - بالنسبة لخريجي الثانوية تشكل لجنة فنية من التوجيه لمقابلة المتقدمين من خريجي الثانوية لاختبار واختيار من يناسب منهم للتدريس وبقدر الحاجة الفعلية لهم. 
5 - تتم تغطية العجز من الموجهين وتفعيل دورهم الإشرافي للارتقاء بأداء المعلمين، وبالأخص الملتحقين الجدد، ومتابعة تقارير زياراتهم أولا بأول للاستفادة منها في معالجة أي اختلالات قد تظهر، وبسرعة. 
6 - تفعيل دور التدريب واستهداف الملتحقين الجدد بدورات تربوية عاجلة وفقا لاحتياجاتهم التدريبية المرتبطة بعملهم كمعلمين».
ويختتم حديثه قائلاً: «في كل الأحوال سيظل جميع من سيعمل كمعلم، ثابت أو متطوع أو خدمة إلزامية، بحاجة إلى دعم مادي، ولا فرق بينهم في ذلك، فيجب العمل بكل الطرق والوسائل للضغط باتجاه تأمين حافز شهري مستمر إن لم يكن راتبا شهريا، مهما كانت الصعوبات، لأن من غير المعقول أن الذي يحتاج الحافز هو المعلم الثابت فقط، بينما المتطوع والخدمة الإلزامية لن يحتاج، فهو بشر مثل المعلم الثابت، ومتحمل أسرة وعليه التزامات لها. 
وأختم بقول الشاعر:
إذا لم يكن إلا الأسنة مركب 
 فما حيلة المضطر إلا ركوبها».