عمر القاضي / #لا_ميديا -

يعود ازدهار معامل الخياطة الرجالية والنسائية بشكل كبير مؤخرا، في العاصمة صنعاء وبقية المحافظات الأخرى، إلى عدة أسباب.
الحصار القذر، الذي يفرضه تحالف العدوان على اليمن، محاولا خنق المواطن وتجويعه، هو أحد الأسباب؛ فقد جاء لصالح ازدهار بعض المهن الإنتاجية المحلية، ومنها خياطة الملابس، التي شهدت مؤخراً ازدهاراً كبيراً، وأصبحت تلبي ما يقارب 70٪ متطلبات السوق من الملابس بشتى أنواعها، والتي كانت اليمن تستوردها جاهزة من عدة دول كالصين والهند وتركيا وغيرها.
فما هي العوامل الأخرى وراء هذا الازدهار؟ وما هي المشاكل التي يعانيها العاملون في هذا القطاع الإنتاجي؟

عوامل الازدهار
هيثم عبدالكريم، صاحب محل لبيع الأقمشة في أمانة العاصمة، يقول أنه قبل 2011 كانت جميع الملابس تأتي من الخارج؛ لكن بعد 2011 تراجع حجم الاستيراد.
ويرجع هيثم ذلك إلى عدة أسباب: «أغلب الملابس المستوردة أصبحت غير مقبولة في السوق اليمنية، نظرا لرداءتها، إضافة إلى ارتفاع أسعارها، حيث تصل قيمة بعض القطع إلى 500 دولار، وهو ما جعل أغلب التجار يحجمون عن استيرادها».
ويضيف أن «الحصار المفروض على بلادنا، وما تضمنه من حظر دخول بعض السلع المستوردة، ومنها الملابس، انعكس إيجابياً على مهنة الخياطة، لتزدهر كثيراً، خصوصاً منذ العام 2015».
ويشير إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دوراً كبيراً في الترويج للملابس المنتجة محليا، فزاد الطلب عليها من قبل المستهلكين، والتجار أيضاً. أمام ذلك، ولمواجهة الطلبات المتزايدة على شراء الملابس المنتجة محلياً، انتشرت معامل الخياطة بشكل غير مسبوق.

انتشار معامل الخياطة
تنتشر معامل الخياطة في أغلب شوارع وأحياء العاصمة صنعاء، وبعضها تعمل على مدار الساعة.
وقد وجدت صحيفة «لا» أن أكثر المناطق التي تنتشر فيها معامل الخياطة في العاصمة، هي «شارع القيادة» و»شارع القصر»، و»شارع هايل» الذي يوجد فيه أيضا سوق خاصة بمنتجات معامل الخياطة. كما أن هناك سوقاً أخرى في منطقة «شعوب»، وهي الأكبر.
عبدالله الدبعي (عامل في أحد محلات الخياطة)، يقول: «خلال السنوات الثلاث الأخيرة تم إنشاء أسواق جديدة في جميع مداخل العاصمة صنعاء، في دارس والحتارش ومذبح وحزيز وشميلة. ويعتبر سوق شميلة من الأسواق القديمة».
ويضيف الدبعي أن الأسواق الجديدة لبت الكثير من الطلب الذي كان يشكل ضغطا على الأسواق والمعامل وسط العاصمة.

ملابس منتجة محليا
أصبحت معامل الخياطة تغطي ما يقارب 70٪ من احتياجات السوق من الملابس الرجالية والنسائية: بدلات رجالية ونسائية، ملابس أطفال، أكوات، دجلات، يلقات، قمصان، فانيلات، جاكيتات عسكرية، فساتين، عبايات بمختلف أنواعها، أزياء موحدة... كما أن المعامل تغطي مساحات واسعة في الأرياف والمدن بشكل عام بطلباتها من العبايات.

معاناة كبيرة وإنتاج أكبر
رغم ازدهار العمل في معامل الخياطة، وكثرة الطلب على ما تنتجه من ملابس جاهزة، إلا أن ذلك ينعكس سلباً على أغلب العاملين في هذه المعامل، الذين يتعرضون لضغوط كبيرة تجعلهم يبذلون الكثير من الجهد وبما يفوق طاقتهم أحيانا، في سبيل إتمام الأعمال المكلفين بإنجازها.
أنور (صاحب معمل للخياطة) يؤكد أن عامل الخياطة يتعرض لضغط كبير أثناء العمل، لذا يلجأ البعض مضطراً إلى تعاطي القات طوال اليوم، كما أنهم دائمو السهر ليلاً من أجل إنجاز أعمالهم.
ويضيف أن الأمر يصل لدى البعض إلى حد تعاطي المنشطات من أجل الاستمرار في العمل وإنتاج كمية أكبر من الملابس، لزيادة دخولهم المادية، ما تسبب لهم بالإدمان، وحدث فعلاً أن تفاقمت حالات بعضهم بسبب تعاطي المنشطات، ما أدى إلى إصابتهم بأمراض نفسية.
ويشير إلى أن الخياطين يعملون لساعات طويلة يوميا دون توقف، ولا يعرفون الراحة إلا نادراً، كما أنهم يظلون داخل المعامل في عزلة، بعيدين عن الأصدقاء والأقارب، ولا يجدون سوى القليل من الوقت للجلوس مع أسرهم وأطفالهم.
أما أكثر الأمراض التي يتعرض لها العامل في مجال الخياطة، فيذكرها أنور بأنها «البواسير، آلام الظهر والرقبة، ضعف النظر، وأحيانا يتعرض العامل إلى الجروح بسبب وخز إبر آلات الخياطة».
بعض العاملين يتعرضون أيضا لضغوط أرباب العمل، فإذا ما غاب عامل عن العمل ولو ليوم واحد، ومهما كانت الأسباب، فإن رب العمل لا يحسب له أي أجر. في المقابل، إذا تعرض العامل لمرض أو إصابة عمل، فإن رب العمل لا يتكفل بشيء من علاجه، بحسب ما قال أنور، الذي يرجع السبب إلى عدم وجود عقود عمل بين الخياطين وأرباب العمل، تحفظ حقوق وواجبات الطرفين.

الأجر بنظام القطعة
في ظل عدم وجود عقود عمل قانونية بين الطرفين، فإن تحديد أجرة العامل في الخياطة يتم بموجب اتفاق شفوي بين العامل ورب عمله. وفي الغالب فإن الأجر يكون بحسب الإنتاج، أو «بالقطعة» كما يتعارف على تسميته. ويحصل العامل على مصروف يومي يتم خصمه من حسابه في نهاية الأسبوع.
وهيب عبده (عامل خياطة) يشير إلى أن العامل في مجال الخياطة ليس لديه دخل يومي ثابت، بل يتم احتساب أجره بنظام القطعة، فبحسب ما ينتج من قطع ملابس يكون أجره، فقد يجني في يوم 4000 ريال، وفي اليوم التالي 2000 ريال، وأحيانا أقل أو أكثر من ذلك.
ويستدرك وهيب: «لكن إجمالاً، أجر العامل في أحسن الأحوال يكون بين 4000 و5000 ريال، ولا يتجاوز ذلك. وبالطبع فإن هذا لا يكون إلا في المواسم، كأيام الأعياد أو بداية العام الدراسي. أما في بقية أيام السنة فإن ركود السوق يحد كثيرا من دخل العامل».
وعما إذا كان البعض يحظون براتب شهري، أوضح أن عددا قليلا من العمال لديهم رواتب شهرية، وأما الأغلبية فيعملون بنظام القطعة.

تسابق على عمال الخياطة
في المواسم يزداد الطلب على عمال الخياطة من قبل أصحاب المعامل. يقول عبدالله الدبعي: «قبل بدء الموسم وخلاله يقوم أصحاب المعامل بجذب عمال الخياطة للعمل معهم، من خلال إغرائهم برفع أجورهم مقابل كل قطعة ملابس ينتجونها، ووعدهم باستمرارهم بالعمل لديهم حتى بعد انتهاء الموسم».
«لكن للأسف، كل تلك الوعود تتبخر بمجرد انتهاء الموسم، فيختلقون أعذارا ومبررات واهية للاستغناء عنهم وطردهم من العمل، كأن يقولون لهم إن عملهم غير متقن، أو يماطلون في تسليم أجورهم، وغير ذلك» من الأعذار والأساليب التي يختلقها أصحاب المعامل «من أجل تطفيش العمال الذين احتاجوهم أثناء الموسم»، بحسب الدبعي.

بانتحار تأسست نقابة الخياطين 
العاملون في مجال الخياطة يعيشون تحت رحمة أرباب العمل، ويخضعون لأمزجتهم، سواء في عدد ساعات العمل أم في ما يحصلون عليه من أجور متدنية، بل التنكر لكل ما يبذلونه من جهد. وفي ظل غياب حماية قانونية لحقوقهم، فإن معاناة عاملي الخياطة ستستمر، ما لم تظهر نقابة الخياطين فاعلية أكثر للدفاع عن منتسبيها وحماية حقوقهم.
جدير بالذكر أن نقابة الخياطين حديثة النشأة، تأسست مطلع العام 2018، عقب انتحار أحد عمال الخياطة بسلك كهربائي داخل منزله في صنعاء، بعد عودته من العمل.
ويوضح منصور الدبعي، رئيس النقابة، أنه بعد أيام من انتحار العامل «فرسان»، نفذ جميع الخياطين في «شارع القصر» إضراباً لمدة أسبوعين، تضامنا مع زميلهم، ومطالبين برفع أجورهم، و«تمكن العمال بإضرابهم من إرغام أصحاب المعامل على رفع أجورهم».
ويضيف: «بعد هذا الإضراب قمنا بتأسيس النقابة التي أصبح عدد أعضائها أكثر من 200 عضو، من أجل حماية العاملين في مهنة الخياطة والدفاع عن حقوقهم والعمل على رفع أجورهم. وقد فرضت النقابة شروطا جديدة، كإبرام عقود بين العاملين وأرباب عملهم».
غير أن أحمد خالد (عامل خياطة) أكد أن النقابة تأسست دون أن يتم التواصل مع أغلب العاملين في مهنة الخياطة المتواجدين في العاصمة، رغم أنهم كانوا أكثر من سيتفاعلون معها.
وأضاف أنهم لا يعرفون شيئا عما قامت أو تقوم به النقابة، لأن دورها حتى الآن منحصر في «شارع القصر»، مطالبا القائمين على النقابة بالتحرك الجاد لاحتواء جميع العاملين في المهنة، والبدء بتفعيل دورها على الأرض، والتنسيق والتواصل مع الجهات والمنظمات المختصة، وتنفيذ النشاطات المختلفة التي تعزز دورها النقابي في حماية حقوق منتسبيها.

المرأة تفرض نفسها
«أم إياد» تمتلك معملا للخياطة النسائية منذ عامين، تعمل فيه 3 عاملات، إحداهن نازحة من تعز، كان لديها معمل خياطة قامت عصابات الارتزاق بنهبه بعد نزوحها إلى صنعاء. العاملتان الأخريان حاصلتان على مؤهلات جامعية، وبسبب انقطاع الرواتب وانعدام فرص العمل بتخصصيهما، توجهتا إلى تعلم الخياطة، وهما الآن يعملان في خياطة الملابس وإنتاج أحدث الموديلات.
تقول «أم إياد»: «خلال السنوات الخمس الأخيرة، اتجهت المرأة اليمنية بشكل كبير لممارسة مهن منتجة، فالكثيرات افتتحن معامل خياطة، وأخريات لديهن مشاريع أخرى، وجميعهن منحن العديد من النساء فرص عمل يوفرن من خلالها دخولا مناسبة لإعالة أسرهن».
وتشير إلى أن معامل الخياطة النسائية أصبحت أكثر انتشارا في العاصمة مؤخرا، مقارنة بما كانت عليه في السابق.
مراجعة ذلك الازدهار إلى سببين، حيث تقول: «السبب الأول هو أن التجار الذين كانوا يستوردون الملابس من الخارج، اتجهوا إلى المنتجات المحلية التي تنتجها المعامل النسائية، والتي تلبي احتياجات السوق. أما السبب الثاني فهو تفضيل المرأة اليمنية للمنتجات المحلية، لأنها تناسب طلبها وذوقها».
وتضيف أن معامل الخياطة النسائية أصبحت مؤخرا تنافس المنتجات الخارجية بالجودة والموضة والأذواق المختلفة، كما أن أغلب الفتيات أصبحن يفضلن الموضة الممزوجة بالتراثي الكلاسيكي، «مثل العبايات والجلابيات النسائية، وهو ما نقوم بإنتاجه هنا محليا في المعامل، ونبيعه لأصحاب المحلات».
وتؤكد أن المرأة اليمنية العاملة مبدعة، وما ينقصها في هذه المهنة هو التخطيط لمزيد من النهوض وللاستمرار في تلبية متطلبات السوق من المنتجات المحلية وبشكل منظم، للوصول إلى الاكتفاء الذاتي.
وفي ختام حديثها أعربت «أم إياد» عن أمنيتها بأن تحظى المشاريع النسائية المنتجة بالتفاعل من قبل الجهات المختصة، وتشجيع المرأة على خوض المنافسة في السوق، ودعمها وتقديم التسهيلات والقروض اللازمة لتطوير العمل.

الأستاذ زميل الطالب
هناك الكثير من الموظفين الحكوميين، ونظراً لانقطاع رواتبهم، وبعد أن ضاق بهم الحال، اتجهوا للعمل في مهنة الخياطة. يحكي عبدالله أن معلما في إحدى المدارس الحكومية يعمل برفقة أحد طلابه في أحد معامل الخياطة بصنعاء، «في الصباح المعلم يدرِّس الطالب في الصف، وبعد الظهر يعملان معا في معمل الخياطة».