تحقيق/ عادل بشر / لا ميديا -

تمتاز الاحتفالات بالذكرى السادسة لثورة الـ21 من أيلول/ سبتمبر، هذا العام، بتزامنها مع مرور 2000 يوم من العدوان على اليمن، والانتصارات العظيمة التي حققها أبطال الجيش واللجان خلال 2020م، وأبرزها تحرير مساحات مترامية الأطراف من التراب اليمني ابتداءً من مديرية نهم، شرق صنعاء، وصولاً إلى مشارف مدينة مأرب، ومررواً بمعظم مديريات محافظة الجوف.
ولم تقتصر تلك الإنجازات على طرد المحتلين ومرتزقتهم من تلك المناطق، وأبرزها محافظة الجوف، وإنما امتدت لتشمل التنمية في مختلف مجالاتها، وفي مقدمتها التنمية الزراعية، كسلاح اقتصادي لا يقل أهمية عن السلاح العسكري، وأيضا لإعادة الاعتبار للزراعة المحلية، والسعي لتحقيق الاكتفاء الذاتي من المنتجات الزراعية والحيوانية.
وتعتبر محافظة الجوف ثالث أكبر المحافظات اليمنية مساحة بـنحو 39 ألفاً و500 كيلومتر مربع، معظمها أراضٍ زراعية خصبة، تتميز بمناخات وتضاريس ومخزون مياه يتيح لها الزراعة طوال أيام السنة، غير أن هذه المحافظة تعرضت للإهمال والتهميش على مدى عقود من الزمن.
التقينا بمهندس الجبهة الزراعية عضو اللجنة الزراعية العليا المهندس عادل مطهر، الذي وصف ثورة 21 أيلول 2014م بأنها ثورة زراعية بامتياز، قائلاً: «ثورة 21 أيلول/ سبتمبر 2014م هي ثورة زراعية، إذا جاز لنا التعبير، الآن نحن نمتلك التوجه والإرادة السياسية سواء من قيادة الثورة أو من القيادة السياسية، هناك توجه واضح للقطاع الزراعي.. صحيح أن الخطط والجهود مازالت مبعثرة نوعاً ما، لكن طالما أن هناك توجهاً وحراكاً مجتمعياً ورسمياً وتنظيمياً لمؤسسات المجتمع المدني، فإن هذا الحراك وهذا التوجه سيصل في الأخير إلى الهدف المنشود، وهو تحقيق الاكتفاء الذاتي».
وأوضح مطهر في حديثه مع صحيفة «لا» أن محافظة الجوف تعتبر «تهامة الشرق من حيث المساحة وخصوبة التربة ووفرة المياه، وهي واحدة من المساحات الشاسعة التي تمتلكها الجمهورية اليمنية المعول عليها في إنتاج الغذاء وتحقيق الاكتفاء الذاتي، بالإضافة إلى ثرواتها المتعددة والمتنوعة مثل الثروة النفطية والتعدين وغيرها».
وأكد أن الجوف هُمشت طيلة 50 عاماً، حيث سعى الأمريكان وقوى الاستكبار العالمي ودول خليجية وعلى رأسها السعودية، جاهدين، إلى استقطاعها من الجسد اليمني، وكانوا قاب قوسين أو أدني من تحقيق ذلك، فقاموا بتهميش أهلها وعزلهم عن باقي المجتمع اليمني، ونقل صورة مخالفة عنهم، وكأنهم أُناس متوحشون، وفي الوقت نفسه حاولوا أن يخلقوا روابط قوية لأبناء الجوف مع جارة السوء السعودية.
وأضاف: «بعد أن مكننا الله سبحانه وتعالى من تحرير محافظة الجوف من أيدي المعتدين والغزاة والمرتزقة بالفتح المبين، كان لزاما على الجميع مواكبة هذا الفتح بفتح أكبر، وهو الفتح التنموي الشامل الذي من شأنه إعادة الاعتبار للجوف أرضا وإنسانا، وتُعد التنمية الزراعية والثروة الحيوانية والتنحيل، واحدة من ركائز الفتح التنموي وخلق الاستقرار المجتمعي»، مشيراً إلى أن تعزيز الأمن الغذائي في الجوف يأتي من خلال تشجيع المزارعين على التوسع في زراعة الحبوب والبقوليات والفواكه والخضروات، وتربية الثروة الحيوانية والتنحيل «إنتاج العسل».

إشراك المجتمع المحلي
وشدد مطهر على ضرورة إشراك المجتمعات المحلية في إدارة مواردها الطبيعية، حتى نتمكن من تحقيق النهضة الزراعية والأمن الغذائي سواء في الجوف أو غيرها، محذراً من تكرار الأخطاء السابقة في استبعاد أبناء المجتمع، وإنما «يجب أن تعمل الاستثمارات الكبيرة والضخمة في القطاع الزراعي أو غيره، على الإنتاج من خلال الحاضنة المجتمعية، ويكون أبناء الجوف هم الشركاء الأساسيين، وهم رأس الحربة وغاية التنمية»، مضيفاً بالقول: «عندما نتحدث عن الجوف، فنحن نتحدث عن أمن غذائي واستقرار مجتمعي سريع، لا نريد خططاً استراتيجية لـ50 سنة في الجوف، وإنما نريد خطة غذائية استراتيجية لإنتاج الغذاء لموسمين أو ثلاثة، خصوصاً وأن أكثر من 30 ألف كيلومتر مربع من مساحة الحوف أراضٍ زراعية لا تحتاج إلى استصلاح، بل إلى استثمارات ضخمة، ومعدات وآليات ميكنة زراعية تتناسب مع المساحات الزراعية الكبيرة، فالجوف استثماراتها مضمونة العوائد لتوفر المياه والمساحات الزراعية الكبيرة والواسعة».

موجهات سيد الثورة
وأشار مطهر إلى أن توجيهات السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، التي حث فيها على أهمية الإسراع في إنشاء المشاريع الاستثمارية في القطاع الزراعي والتنموي بشكل عام في محافظة الجوف، لاقت استجابة كبيرة سواء من القطاع الخاص أو مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني أو اللجنة الزراعية العليا أو مؤسسات التمويل الأصغر، إلا أن الخطوات مازالت عشوائية، وقال: «رغم الاستجابة الكبيرة وتوجه الجميع للاستثمار الزراعي في الجوف، إلا أن الخطوات مازالت عشوائية وغير منظمة أو مدروسة، والجهود مشتتة وغير موحدة، كل واحد يشتغل من رأسه»، مضيفاً: «صحيح أن هناك خطة استراتيجية وأعلن فيها رقم ضخم من قبل الحكومة بإشراف القطاع الخاص في تمويل هذه الخطة، ولكن مازال العمل غير منظم، ولم يتم توحيد الجهود والطاقات والإمكانيات، نحن بحاجة إلى عمل منظم بحيث لا نكرر نفس الأعمال ولا نقوم بنفس التدخلات، سأضرب لك مثالاً بسيطاً في تدخل مؤسسة الشعب الاجتماعية للتنمية بمزرعة تعليمية إنتاجية إرشادية على مساحة تقدر بـ52 هكتاراً في الجوف، هذا المشروع ليس بذلك الحجم الكبير والاستراتيجي، لكنه بحد ذاته ومن حيث إعداد الدراسات التي اطلعت عليها وخطواته التنفيذية الآن في الميدان، أستطيع القول إنه سيكون المشروع الأول والرائد لنواة نبني بها الجوف، لأن مؤسسة الشعب أخذت على عاتقها إنشاء مدرسة يتعلم فيها المزارعون ويعمل فيها الباحثون ويحقق كل الطامحين رغباتهم التنموية من طلاب كلية الزراعة والمعاهد الزراعية بتطبيق بحوثهم العملية في مزرعة الشعب التعليمية النموذجية، وهذه خطوة كبيرة في التنمية الزراعية، وهناك أيضا مؤسسة أنعام اليمن تخطو بخطوات لا بأس بها في محافظة الجوف، ومؤسسة الوفرة التي تعمل على توفير بعض مدخلات الإنتاج، وهناك أصوات ترتفع من هنا وهناك، ولكن نتمنى أن تتوحد هذه الأصوات المتفرقة في صوت واحد».

أولويات احتياجات الجوف
وحول الأولويات الملحة والعاجلة للتدخل في محافظة الجوف، قال المهندس عادل مطهر: قمنا بعمل رؤية بسيطة لهذه الأولويات في القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، والرفع بذلك إلى مكتب السيد عبدالملك، وتم الرد بالتوجيه إلى المكتب الاقتصادي واللجنة الزراعية للعمل عليها، وهي مختصرة في 7 نقاط تتمثل في التالي:
1 - توفير مدخلات الإنتاج الزراعي (بذور، شتلات، أسمدة، مبيدات، خدمات الميكنة الزراعية الحديثة) بأسعار مناسبة وتسهيلات في الدفع.
2 - تقديم خدمات الحراثة والبذرة لمزارعي الحبوب والبقوليات والمحاصيل الزيتية.
3 - تقديم خدمات الإرشاد والتوعية الميدانية والإشراف الفني على المزارعين المستفيدين.
4 - تقديم خدمات التسويق الزراعي مع مدخلاتها من عبوات وتخزين وتسويق ونقل (خدمات الحصاد وما بعد الحصاد).
5 - تقديم الخدمات الطبية والبيطرية لمربي الثروة الحيوانية والنحالة.
6 - إنشاء مشتل مركزي لإنتاج شتلات الخضار والفواكه.
7 - إشراك القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات التنموية والجانب الرسمي في تنفيذ هذه الرؤية.

غذاء وانتماء
وفي السياق، أكد مطهر استحالة تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح كمحصول مستقل، دون استهلاك بقية المحاصيل مثل الذرة والذرة الشامية والشعير والبقوليات، مشيراً إلى أن الذرة هي سيدة المحاصيل اليمنية، وإذا اعتمدنا عليها كمدخل أساسي في صنع الرغيف الوطني، سنحقق الاكتفاء الذاتي بالنسبة للرغيف بشكل سريع، قائلاً: «نستطيع تحقيق الاكتفاء الذاتي من الحبوب خلال موسمين أو ثلاثة، في حال استخدمنا التركيبة المحصولية اليمنية، مثلاً الذرة والقمح من الجوف إضافة إلى بقية محاصيل الحبوب والبقوليات من بقية أراضينا الزراعية في اليمن، سيُشكل هنا رغيف وطني من خلال صناعة الطحين المركب». 
ووصف الطحين المركب المكون من المحاصيل اليمنية بأنه «غذاء وانتماء»، لافتاً إلى أن الإنتاج المحلي من الطحين المركب لا يغطي احتياج السوق، حيث لايزال الإنتاج ضعيفاً جداً، ففي أمانة العاصمة فقط يصل الاحتياج اليومي للمخابز والأفران فقط- من غير الأسر والمنازل- إلى 6000 كيس عبوة 50 كيلوجراماً.
وأشار إلى أن برنامج مشروع الطحين المُركب تم الرفع به إلى السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، عام 2017م، وقام بتكليف فريق متكامل لإعداد الخطة والرؤية لصناعة الطحين المركب وإدخال كل المحاصيل الزراعية المحلية في الرغيف الوطني، إلا أنه ومنذ العام 2017م، وعلى مدى 3 سنوات، مازال الإنتاج في بدايته، واصفاً الخطوات التنفيذية في هذا المجال بأنها «خطوات سلحفاة»، محملاً الكثير من القيادات التي بيدها القرار والمال والسلطة التنفيذية، أسباب هذا التأخير، قائلاً: «منذ العام 2017م، كان المفترض أن تكون الخطوات سريعة في ما يتعلق بإنتاج الطحين المركب، ولو حدث ذلك، لكان لدينا الآن 20 مصنعاً لإنتاج الطحين المركب، لكن هناك ممن لديهم القرار والمال والسلطة التنفيذية هم السبب في بطء الخطوات في هذا المجال، فالكثير من القيادات مازالوا إلى اليوم غير مؤمنين بأهمية الطحين المركب في تعزيز الأمن الغذائي والاستقرار المجتمعي، ومازالوا يتشرطون قائلين «نشتي طحين مركب بس مثل حق أمريكا، نفس المواصفات الأمريكية»، وهذا مؤشر خطير يكشف أن الولاء هنا ليس للمنتج المحلي، وإنما ولاء مطلق للأمريكان».
ويوجه المهندس عادل مطهر عبر صحيفة «لا» رسالة إلى المُبطئين لمشروع الطحين المركب، قائلاً: «أقول لهم تقوى الله يجب أن تكون حاضرة، والإيمان بأهمية تحقيق الأمن الغذائي للمجتمع اليمني الصابر الصامد واجب ديني ووطني وأخلاقي وقيمي وعروبي، وكل هذه القيم متوفرة في الطحين المركب، لأنه سوف يحفظ لهذا الشعب عزته وكرامته وصحته وسلامته وعقليته من التلوث وجسمه من الأوبئة والأمراض، ونحن في إنتاج الطحين المركب نعمل بتقنية ليست بتلك التقنية الأوروبية، ولا نحاول أن ندخل المحسنات في الطحين المركب، نحن عملنا التركيبات وعملنا شهاداتها من المواصفات والمقاييس وحللناه في أكثر من مختبر حتى إننا أرسلنا عينات للفحص والتحليل في مختبرات الفاو في روما والأردن، وستأتي نتائجها قريباً».


مدير مكتب الزراعة والري فـي الجوف هادي الرقيصي: توجيهات سيد الثورة بعثت الأمل بإعادة الاعتبار للزراعة
قال مدير مكتب الزراعة والري بمحافظة الجوف هادي محمد الرقيصي، لصحيفة «لا» إن توجيهات السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، بالاهتمام بالزراعة بشكل عام ومحافظة الجوف خاصة، بعثت الأمل لدى المواطنين بإمكانية إعادة الاعتبار للمحافظة وأرضها الخصبة ومنتجاتها الزراعية، مشيراً إلى تفاعل العديد من المؤسسات الحكومية والخاصة مع توجيهات السيد، والتوجه لدعم الزراعة في المحافظة بالتنسيق مع مكتب الزراعة، وهناك عدد من المشاريع قيد التنفيذ في القطاع الزراعي.
وأوضح الرقيصي أن الجوف محافظة زراعية بالدرجة الأولى، وتتمتع بمناخ وتضاريس متنوعة جعلت منها منطقة زراعية طوال العام، لافتاً إلى أن المساحة القابلة للزراعة في محافظة الجوف تقدر بـ75٪ من مساحة المحافظة المقدرة بـ4 ملايين هكتار.
وأشار إلى أن المساحة المزروعة من محافظة الجوف تقدر بـ200 ألف هكتار تقريبا بعضها تعتمد على الأمطار والأخرى على الري، أي أن المساحة المزروعة حالياً لا تتجاوز ما نسبته 15٪ من المساحة الكلية القابلة للزراعة.


كوارث طبيعية للمرة الأولى منذ ربع قرن
مزارعون: السيول جرفت مساحات شاسعة وأتلفت المحصول ودمرت الآبار والمعدات
تسببت الأمطار الغزيرة التي شهدتها محافظة الجوف والمحافظات المحاذية لها «صنعاء وعمران وصعدة»، مؤخراً، بارتفاع منسوب المياه في ممرات الأودية والسيول بشكل لم تشهده اليمن منذ سنوات عديدة، ما أدى إلى فيضان سيول الأمطار إلى الأراضي الزراعية وإحداث أضرار كبيرة في المزارع، متسببة بجرف مساحات شاسعة من الأراضي الخصبة بما عليها من مزروعات وثمار، وتدمير آبار ومضخات المياه ومنظومات الطاقات الشمسية وشبكات الري بالتقطير.
وللاطلاع على جانبٍ من هذه الكارثة- كما يطلق عليها بعض المزارعين- زرنا مع وفد مؤسسة الشعب الاجتماعية للتنمية، منطقة الساعد (20 كم شرق مدينة الحزم) وهي بحسب المزارعين أخصب منطقة زراعية في مديرية الحزم ومحافظة الجوف بشكل عام.
في منطقة ساعد خمسان التقينا بالشيخ صالح محمد مبخوت نسم، أحد كبار المزارعين في الحزم، حيث وجدناه يتجول بين أطلال المزارع، بعد أن أتى السيل على كل شيء فيها، محولاً إياها من منطقة خضراء ممتلئة بثمار البطيخ والشمام وزروع القمح والشعير والذرة وغيرها، إلى أراضٍ ترابية لا ثمار على سطحها أو خضرة تُزين وجهها.
قال الشيخ صالح نسم: «شهدت الجوف والمحافظات المجاورة لها أمطاراً غزيرة لم تعرفها المنطقة منذ سنوات عديدة، ما أدى إلى حدوث سيول شديدة بارتفاع كبير، شقت منطقة ساعد خمسان إلى نصفين، متجاوزة ممرات الأودية، والفيضان إلى المزارع، جارفة كل شيء تجده في طريقها من ثمار ومزروعات ومضخات وآبار وشبكات ري ومنظومات شمسية وغيرها».
وأشار إلى أن السيول تسببت في جرف أكثر من 230 ألف متر مربع أراضٍ زراعية، وتدمير 7 آبار وطمرها بالأتربة ومخلفات السيول، وتدمير المباني الخاصة بالآبار والمضخات والمنظومات الشمسية، وكذلك تدمير شبكات ري بمساحة تتجاوز الـ10 هكتارات، بخلاف الخسائر الكبيرة في المنتجات الزراعية والتي تقدر بعشرات الملايين، واصفاً ما حدث بأنه كارثة وخيمة حلت على المزارعين في مناطق «ساعد خمسان وساعد حسن المرقعة وبلاد آل عبيد».
وأوضح أن السيول تجمعت من محافظات عمران وصعدة وصنعاء، إلى الجوف، ما أدى إلى ارتفاع منسوبها بشكل كبير في الأودية متجاوزة مجراها الاعتيادي، لعدم وجود مصدات كبيرة تتناسب مع كثافة المياه وقوتها.

سيل العرم
كما التقينا بالشيخ حمد بن ربيع جلهم -أحد وجهاء منطقة الساعد وأحد كبار المزارعين- الذي أكد أن السيول التي شهدتها المنطقة هذا العام، لم تشهد مثلها منذ 24 عاماً مضت، قائلاً: «هذا السيل لم نشهد مثله إلا قبل 24 سنة عندما قدم سيل كبير وجرف الأراضي الزراعية، ثم بعد ذلك مرت السنوات دون أن نشهد سيلاً مشابهاً، فاطمأن المزارعون، وانشغلوا بزراعة الأرض دون الاهتمام بتعزيز مصدات المياه لارتفاع أكثر من مترين ونصف، حتى جاء السيل الشهر الماضي وأحدث في أرضنا الكثير من الأضرار».
ووصف الشيخ جلهم لحظات الكارثة الطبيعية بالقول: «عندما جاء السيل ذاك اليوم ذهبنا بعد صلاة العصر لاستطلاع الأضرار، وحاولنا إنقاد ما نستطيع من ثمار الشمام، وتمكنا من سحب حمولات 5 سيارات، حيث كانت هذه الكمية من الشمام قد قمنا بقطفها في وقت سابق وتجهيزها للنقل».
وواصل حديثه: «بعد أن أخذنا الكمية التي حاولنا إنقاذها من السيل، انطلقنا بها إلى مسافة قريبة، ثم قطع علينا السيل ولم نتمكن من المواصلة مع تلك الكميات من الشمام، فاضطررنا إلى تركها وبقيت هناك حتى تلفت».
وحول الخسائر التي تعرضت لها مزارعه أكد الشيخ جلهم، أن السيول ألحقت أضرارا كبيرة بمزارعه، حيث جرفت المياه مساحات كبيرة من الأرض الزراعية بما عليها من مزروعات وثمار، من بينها ثمار الشمام، كانت على وشك الحصاد، بمساحة هكتار، بقيمة تقدر بـ7 ملايين ريال، بخلاف الكمية التي تعرضت للتلف بعد محاصرة السيل لها أثناء نقلها من المزارع، إضافة إلى تدمير شبكة ري بطول 4 هكتارات، بقيمة 5 ملايين ريال.

أهم المنتجات الزراعية
وأشار الشيخ جلهم إلى أن منطقة الساعد كغيرها من مناطق محافظة الجوف تشتهر بزراعة الحبوب، مثل القمح والذرة والشام «الرومي»، والفواكه مثل البطيخ والشمام، والخضروات بمختلف أنواعها، وقال: «القمح هو أهم المحاصيل الزراعية التي نقوم بزراعتها، والاستفادة من محصول القمح لتحقيق الاكتفاء الذاتي لنا - المزارعين وأسرهم- وليس للبيع، وكذلك نهتم بزراعة البطيخ والشمام، لأنها تعطينا مصاريف، نبيع البطيخ والشمام بكثرة ونستفيد من مبيعاتها للحصول على الأموال وشراء مستلزمات الزراعة».
يمتلك الشيخ جلهم أراضي زراعية بمساحات كبيرة جداً، ولكنه -كغيره من المزارعين- لا يستغلها في زراعة القمح، فمقدار ما ينتجه سنوياً من القمح يقدر ما بين 70 و90 كيساً، عبوة 50 كيلوجراماً. «لدينا أراضٍ زراعية شاسعة، ولكننا لا نستغلها في زراعة القمح بكثرة، وذلك لعدة أسباب، أبرزها عدم وجود تسويق لهذا، حيث يأتي موسم الحصاد ولا نجد من يشتري منا المحصول، إضافة إلى أن زراعة القمح مكلفة مادياً، لصعوبتها واحتياجها إلى عُمال متخصصين وأجور مرتفعة، ولا يوجد دعم أو تشجيع للمزارع من الجهات المختصة، كأن تقوم مؤسسات أو هيئات بشراء القمح تشجيعاً للمزارعين، ثم تسويقه وبيعه بأسعار تتناسب مع المواطنين وتنافس أسعار القمح المستورد أو حتى تعادل أسعار القمح الخارجي».
ووفقاً للشيخ جلهم فإن قمح الجوف يعتبر أجود أنوع القمح، حيث الكيس الواحد - عبوة 50 كجم- من البذور ينتج ما بين 150 و200 كيس في الموسم الزراعي، ويصل سعر كيس القمح الجوفي عبوة 50 كجم إلى 35 ألف ريال، الأمر الذي يجعل بيعه للمواطنين صعباً.

أصناف القمح
بحسب المزارعين الذين التقيناهم في منطقة الساعد، شرق مدينة الحزم، مركز محافظة الجوف، هناك 4 أصناف من القمح تُزرع في الجوف، أبرزها القمح الأسمر، الذي يُعد أغلى أنواع القمح كونه مطلوباً خارجياً، حيث يُستخدم لصناعة البسكويت، لذلك يقوم بعض المزارعين ببيع محصولهم من القمح الأسمر بأسعار مضاعفة لتجار يقومون بتصديره إلى الخارج.
والصنف الثاني من القمح هو «القمح المصري» وسُمي بذلك لأن بذوره جاءت قديماً من مصر الكنانة، والصنف الثالث «القمح البوني» نسبة إلى قاع البون في محافظة عمران، وتم استقدام بذوره إلى الجوف منذ عشرات السنين، وهذان الصنفان (المصري والبوني) مذاقهما لذيذ، وفقاً للمزارعين، أما الصنف الثالث فيُسمى «الألماني»، وهو صنف ناتج عن بذور مُحسنة.
إضافة إلى القمح بأنواعه المختلفة، تشتهر محافظة الجوف بزراعة الشعير والذرة البيضاء والصفراء، والذرة الشامية «الرومي»، إضافة إلى الخضروات والفواكه.

مناشدات
المزارعون في منطقة الساعد بمديرية الحزم، وجهوا مناشدة عاجلة إلى الجهات المختصة ممثلة بالسلطة المحلية ومكتب الزراعة وهيئة التطوير الزراعي في المحافظة والمنظمات المحلية والدولية، بسرعة النزول إلى مزارعهم واستطلاع وحصر الأضرار التي تسببت بها السيول واستصلاح الأراضي وحفر الآبار التي طمرتها السيول، وتعويض المزارعين جراء الخسائر الكبيرة التي تعرضوا لها، وعمل حواجز ترابية ومصدات على امتداد الوادي، لمنع السيول من الوصول إلى المزارع.
كما ناشدوا الجهات المختصة وقيادة الدولة بشكل عام، تشجيع المزارعين ودعمهم بالبذور ومساعدتهم في الحراثة، وشراء محصول القمح البلدي، وتسويقه والاستثمار الزراعي في المساحات الشاسعة التي لم يستطيعوا زراعتها.
وطالبوا مؤسسة إكثار البذور بمساواتهم بمزارعي مديرية الغيل، مشيرين إلى أن مؤسسة إكثار البذور تكرمت بتقديم برنامج لدعم المزارعين المتضررين من الحرب في الحزم والغيل، من خلال شراء طاقات شمسية للمزارعين واستصلاح أرضهم، بحيث يقوم المزارع بتسديدها على شكل دفعات مالية (أقساط)، إلا أن برنامج المؤسسة الخاص بمزارعي الحزم- وفقاً للمزارعين- يشترط أن يدفع المزارعون القسط الأول وقدره 3000 دولار، بينما تقوم المؤسسة ذاتها بدفع القسط الأول لمزارعي مديرية الغيل.
وأشار المزارعون إلى أن مرتزقة العدوان خلال سيطرتهم على المنطقة لم يقدموا أي شيء للمزارعين، وفوق ذلك قاموا باحتلال مبنى التطوير الزراعي بمساحة كيلومتر، متسببين بإتلاف آلاف الشتلات الزراعية وهلاك عشرات الآلات والمعدات الزراعية التي كانت في المركز.