خاص ـ أحمد رفعت يوسف - دمشق / لا ميديا -
بعد فترة من الهدوء فرضتها أسباب عديدة، منها التغيير الذي جرى في البيت الأبيض الأمريكي مع مجيء إدارة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن، واختلاف مقاربته لأحداث المنطقة ولتعامل الولايات المتحدة مع بعض أنظمتها وفي مقدمتها النظامان السعودي والتركي بشكل مختلف عن مقاربات إدارة ترامب، وتداعيات جائحة كورونا والحجر الصحي الذي شمل مختلف دول العالم، وكذلك انتظار نتائج مداولات اللجنة الدستورية السورية التي جرت في جنيف، وما رافق ذلك من انتظار كل من دمشق وموسكو تنفيذ الرئيس التركي أردوغان لتعهداته التي قطعها للرئيس الروسي فلاديميير بوتين في قمتي موسكو وسوتشي حول الترتيبات الميدانية في إدلب.
نتائج كل ذلك لم تكن مجرد خيبة أمل من أردوغان ونظامه الإخواني فقط، وإنما شهد محاولة من أردوغان لاستغلال هذه التطورات للتنصل من اتفاقاته مع الرئيس بوتين، وتمدده للمرة الأولى بشكل واضح وعلني في اليمن لصالح تحالف العدوان، وتهديداته المتكررة للعراق، والتوتر الذي ظهر واضحاً في علاقاته مع إيران، مضافاً إليه محاولاته تصوير التطورات في القوقاز على أنها انتصار ميداني وسياسي على روسيا، رغم أن موسكو هي التي رسمت الخط الميداني والسياسي للصدام الأذربيجاني الأرميني ورسمت نهاياته.
كل ذلك جعل من تركيا موضع شك وريبة، وصل إلى حد العداء في بعض محطاته كما هو الحال في سورية.
هذه النظرة أوجدت إجماعاً من موسكو ودمشق، وكل عواصم المنطقة (باستثناء الدوحة) على نقطتين: الأولى: نظرة الشك والحذر من تركيا، والثانية: وجود رغبة جماعية بضرورة وضع حد للعب التركي على هوامش التناقضات في المنطقة والعالم، وهذا ما بدا واضحاً خلال جولة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في منطقة الخليج، حيث كانت تركيا الحاضر الغائب في كل محطاته الخليجية، وإن بشكل غير مباشر.
وهذه الرغبة لم تكن لتحتمل المزيد من الانتظار عند دمشق وموسكو، لأن للعب التركي بلغ حداً تجاوز الخطوط الحمراء، خصوصاً مع التهديدات التركية بالدخول إلى بلدة عين عيسى في شمال سورية، والذي يهدد خطوط الإمداد الاستراتيجية للوحدات السورية والروسية في المنطقة، وكذلك بوضع طريق (M4) الذي يربط مناطق شمال وشمال شرق سورية مع بقية المناطق السورية، تحت سيطرته المباشرة، إضافة إلى ممارسات العصابات الإرهابية المرتبطة بتركيا، والتي وصلت إلى حد التحرش بالقوات الروسية، وكذلك ممارساتهم ضد المدنيين، وخاصة قطع المياه عن مدينة الحسكة، والتنكيل المتواصل بالمدنيين، خاصة وأن التحركات التركية ترافقت مع عمليات عسكرية تركية، تمثلت بقصف جوي تركي، استهدف نقاطاً في محيط ناحية عين عيسى، وصولاً إلى أطرافها الشمالية، قرب الطريق الدولي (M4).
كما نفذ سلاح الجو التركي غارات في أجواء ريف الرقة الشمالي، حيث يحتاج تنسيقاً مع الجانب الروسي لتجنّب الاشتباك.
وأيضاً تم رصد حركة لطائرات الاستطلاع والمراقبة التركية في أجواء ريفي حلب وإدلب.
هذه الممارسات التركية أقنعت دمشق وموسكو بضرورة وضع حد للعربدة التركية، ولإجبار أردوغان على تنفيذ تعهداته للرئيس بوتين في قمتي موسكو وسوتشي، مع إدراك القيادتين السورية والروسية أن هذا الأمر لن يتم بالوسائل السياسية والدبلوماسية، خصوصاً أن الطرفين مقتنعان بأن أردوغان يتقن فن المراوغة والكذب، ولا يمكن أن ينفذ أي تعهد يقطعه، أو كلمة يقولها، إلا مرغماً عليها.
مع هذه الحالة كان لا بد من توجيه رسائل ساخنة ومباشرة إلى أردوغان، فكان استهداف مقرات عمليات وقيادة عصابات الإرهابيـــة المرتبطــــــــة بتركيا في إدلب وشمال سورية، حيث أغارت طائرات روسية وسورية على مواقع قرب معبر باب الهوى الحدودي، للمرة الأولى منذ سنوات في هذه المنطقة وعلى نقطة الحدود مباشرة.
تلتها جولة غارات أخرى استهدفت مقرات قيادة وعمليات في محيط بلدتَي سرمدا وقاح في ريف إدلب.. كما تم تنفيذ غارة أخرى في ريف حلب الغربي، استهدفت نقطة طبية للعصابات الإرهابية تتخذها كمقر للقيادة والعمليات في محاولة الاحتماء بها باعتبارها نقطة طبية.
العصابات الإرهابية المرتبطة بتركيا حاولت الرد من خلال قصف مواقع مدنية في حيي الصالحين والفردوس شرقي مدينة حلب، ما تسبّب بسقوط ضحيتين وإصابة آخرين بجروح.
الرسائل السورية الروسية المباشرة وغير المباشرة إلى تركيا تبدو واضحة في هدفها بإرسال تحذيرات بأن زمن انتظار إدارة بايدن، وجائحة كورونا، واللعب على هوامش التناقضات والأزمات، انتهى، وما على أردوغان إلا تنفيذ تعهداته للرئيس بوتين، أو مواجهة عملية ميدانية لينفذ أردوغان بالميدان ما رفض تنفيذه بالسياسة، مع ما يعني ذلك من نتائج وتداعيات مختلفة، وعلى أردوغان أن يتحمل تلك النتائج وحده.