غازي المفلحي / لا ميديا -
اعتاد الناس ولعقود طويلة على أن العدالة في اليمن عرجاء أو ربما بلا أرجل، ولم يكن لها في أرض الواقع وذهنية المواطنين قيمة مهابة، بل درج التفكير أن مؤسسات العدالة في اليمن جهات غير موثوقة أو مفيدة لدفع الظلم، بل شريكة فيه أحياناً.
جاءت توجيهات قائد الثورة والجهاد السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي بتغيير هذا الوضع المؤسف وتصحيح حال مؤسسات العدالة في البلاد، فتم الإعلان عن إنشاء لجان المنظومة العدلية. فماذا حققت تلك المنظومة من عدل حتى الآن؟

ما اعتاد أن يشتكي منه اليمني
مراكز الشرطة، وهي المنصة الأولى والأهم في عملية تحقيق العدالة، عانت إهمالاً وفساداً، وجهلاً بالقوانين، فانحرفت عن طريق العدالة وتحقيق الأمن. بدورها النيابات والمحاكم شهدت مظالم في سير إجراءات التقاضي والضبط والتحري والحجز، بل وصل الأمر لدرجة أنه قد يطلق المجرم ويحتجز البريء. وكان ومازال سير التقاضي بطيئاً، والعدالة البطيئة هي عدالة غائبة. كما أن الإصلاحيات (السجون) ونزلاءها في حال سيئة ولا تخلو من مظالم كثيرة قاسية.
كما كانت هناك مشكلة تعد «أم» المشاكل في اليمن، وهي النزاع على الأراضي الذي لم توضع له -عبر عقود طويلة- أي معالجات لمنع توالد ذلك النوع المجنون من المشاكل.

أم المشاكل
لأن المشاكل المتعلقة بالأراضي أكثر أنواع المشاكل انتشاراً في اليمن وتمثل نسبتها ما بين 80 و90٪ من القضايا الأمنية، حسب نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع والأمن، الفريق جلال الرويشان، وهي ذاتها أكثر مشكلة توصل الناس إلى أقسام الشرطة والنيابات والمحاكم والسجون، بدأت المنظومة العدلية بالتركيز على حل هذه المشكلة أولاً.
في نوفمبر 2020 تأسست لجنة المحررات العقارية بشكل رسمي، وهي إحدى لجان المنظومة العدلية، برئاسة عضو المجلس السياسي الأعلى محمد علي الحوثي، وهي منظومة أنشئت ضمن «الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة 2020».
كانت عملية بيع وشراء الأراضي عشوائية إلى حد كبير، وأعلنت المنظومة العدلية أنها تسعى لتنظيم هذه العملية ووقف تراكم وتوالد المشاكل المتعلقة بالعقارات والأراضي، وإنهاء الفوضى فيها والمستمرة منذ أكثر من 50 عاماً، والتي سببت نهب الأراضي الخاصة وأراضي الدولة وراح ضحيتها كثير من المواطنين ورجال الأمن أثناء تدخلهم لفض نزاعات الأراضي.
وكان الهدف من اللجنة تنظيم عمل الأمناء والكتاب الشرعيين للمحررات العقارية (البصائر) ووضع الضوابط على عملهم والإشراف المباشر عليهم ومحاسبة المخالفين والمزورين.

رقم أم نتيجة؟!
في 8 نوفمبر 2020 انطلقت أعمال لجنة المحررات العقارية وبدأت في استقبال شكاوى المواطنين المتظلمين بخصوص عمليات التزوير أو الاحتيال في قضايا الأراضي في العاصمة صنعاء ثم محافظة صنعاء ثم بقية محافظات جغرافيا السيادة الوطنية.
ثم تلتها لجنة لاستقبال شكاوى المواطنين المتظلمين من أقسام الشرطة في العاصمة وفي بقية المحافظات، إلى جانب لجنة لتنظيم العمل في النيابات والمحاكم والأقسام.
واستعرضت لجان المنظومة العدلية إنجازاتها في أكثر من مؤتمر صحفي، وكان من النتائج الكبيرة التي حققتها خلال عام من عملها، ضبط أكثر من 681 شخصاً من منتحلي صفة أمين شرعي ومن مزوري الوثائق العقارية، وممن تم التعميم بهم من قبل وزارة العدل والنيابة العامة، أحيل 367 منهم إلى النيابات.
كما تمت إحالة أكثر من 136 ضباطاً وفرداً إلى التحقيق والمجالس التأديبية، وفصل وتوقيف أكثر من 42 منهم في العاصمة لوحدها. 
كما تم حصر الأمناء الشرعيين المعتمدين وإصدار بطائق إلكترونية لهم، وتمت استعادة عدد من الأراضي، وتم كشف أكبر عصابات تزوير محررات، بالإضافة إلى كثير من الإنجازات والأعمال وورش التوعية.
لمعرفة قيمة تلك الإنجازات والتأكد أنها ليست مجرد أرقام وإحصائيات، وجهت «لا» السؤال إلى محامين وقضاة، متسائلة ما إذا كانوا لمسوا نتائج أعمال لجان المنظومة العدلية في ساحات عملهم؟
يقول المحامي فارس جميل: «فعلاً هناك تأثير لمسناه وتصحيح وجدناه بعد عمل لجنة المحررات العقارية، حيث إن أكثر القضايا المنظورة في المحاكم كان سبب حصولها هم فئة من الأمناء الشرعيين الذين انعدم عندهم الضمير والذمة، والذين كانوا يقومون بتحرير المبيع في الأرض الواحدة لأكثر من مشترٍ، ومن نفس الأمين الشرعي».
ويؤكد جميل لـ«لا» أنه كان لإنشاء لجنة المحررات العقارية وإحالة الأمناء المزورين للتحقيق والمحاكم دور فاصل في الحد من ظاهرة تزوير المحررات بنسبة تزيد عن 80٪ كما أنها خففت وقللت من ظاهرة اغتصابات الأراضي والاعتداءات والمشاكل المتعلقة بالأراضي بشكل عام.
ويوضح أنهم في مكتب المحاماة الذي يعمل فيه لم يتلقوا أي قضية تزوير محررات طوال العام المنصرم. مشيراً إلى أن القضايا القائمة حالياً والمتعلقة بوقائع تزوير هي متعلقة بأعمال تزوير سابقة، وليست جديدة.
من جهته، يقول القاضي مازن الشيباني: «إن التحسن الجوهري لعمل لجان المنظومة العدلية سيظهر على المدى البعيد خلال 3 سنوات مثلاً، بعد أن تتم تصفية القضايا التي رفعت قبل إنشاء لجنة المحررات، وسيتضح بشكل جلي هل خفت القضايا ولم تعد بتلك الكثرة السابقة أم لا..».
ويضيف الشيباني: مع ذلك فإن تنظيم عمل الأمناء وحصره في مختصين وإنهاء حالة العشوائية التي كانت سائدة سابقاً في الكتابة كان له الأثر الإيجابي الكبير، لافتاً إلى أن القضايا بخصوص المحررات ليست كلها منظورة وفيها خلاف في المحاكم، فالبعض منها مازالت تنشأ.
ويشير إلى نقاط مهمة بالقول: «يجب أن تكون دائرة الأمناء مرتبطة بالسجل العقاري وليس بوزارة العدل، والسجل العقاري هو الذي يقوم بإيضاح من هم الأمناء المعتمدون. كما أن على المنظومة العدلية أن تكون جزءاً من السلطة القضائية وليس جزءاً من السلطة التنفيذية، وتقوم بالتنسيق والعمل مع السلطتين التنفيذية والتشريعية في ضبط المخالفين وفي سن القوانين والتشريعات».
ويضيف لـ«لا» أنه كان من المفترض أن يصدر قرار جمهوري بإنشاء المنظومة العدلية ولجانها، ويحدد أهدافها واختصاصاتها ونطاقها حتى يكون لها صفة وكيان قانونيان، لأن عدم وجود الأرضية القانونية للمنظومة ولجانها تجعل كل الأحكام التي تصدر منها باطلة لو صدر حكم ببطلان لجان المنظومة العدلية، في حال تم رفع دعوى إدارية ضدها من أي جهة مثلاً ونجحت الدعوى بإلغائها.
ويوضح أن قانون العقوبات لم يجرم الكتابة حتى لو لم يكن الشخص كاتباً شرعياً وإنما جرم التزوير، حيث قد يذهب أي اثنين ويطلبان من ثالث أن يكتب بينهما، والآية تقول: «لا يضار كاتب ولا شهيد».

المواطنون يشكرون و«العدلية»: مازلنا نعمل
بدورهم، أبدى مواطنون ارتياحهم من عمل المنظومة العدلية ولجنة المحررات العقارية خصوصاً، فقد عبر بعضهم عن انزياح هم كبير عن كاهلهم، وهو هم تزوير ونهب الأراضي، فكان الجميع خائفاً سواء من يشتري أرضاً أو من ينوي الشراء أو من يمتلك أرضاً.
يقول العقيد نجيب العنسي الناطق باسم اللجنة العدلية في حديثه لـ«لا»: «في إطار المنظومة العدلية شكلت اللجنة العدلية للأراضي أو ما تعرف بلجنة المحررات العقارية ولجنة التوعية بمهام الضبط القضائي وتخص أقسام الشرطة والنيابات ولجنة شكاوى المواطنين المتظلمين من أقسام الشرطة».
وبالنسبة للجنة المحررات العقارية التي تعمل بالتنسيق بين وزارات العدل والداخلية والأوقاف وهيئة المساحة وأراضي الدولة، فقد كان من أهم أعمالها، حسب العقيد العنسي، أنها أوقفت التزوير والفوضى في بيع وشراء الأراضي، بعد أن جعلت كتابة المحررات العقارية حصراً على الأمناء الشرعيين المعتمدين، وضبطت غير المعتمدين والمزورين والذين كانوا سبب نزاعات الأراضي الكثيرة، كما نجحت في إعادة عدد كبير من الأراضي إلى أصحابها في العاصمة وعدد من المحافظات.
وبالنسبة للجنة الشكاوى ضد أقسام الشرطة، فيقول: «تمت إحالة عدد كبير من ضباط وأفراد أقسام الشرطة الذين ثبت ارتكابهم مخالفات، إلى مجلس تأديبي، وبعضهم فُصل من عمله». كما تم حل الإشكاليات بين الجهاز القضائي والشرطة، حيث كانت الشرطة تضبط المتهمين والنيابة تفرج عنهم بسبب عدم اتخاذ الإجراءات المناسبة في الضبط. ومازال العمل مستمراً للتوعية وإنهاء الاختلالات في جمع الاستدلالات، وفي التحقيق.
وبالنسبة لتوقف وانقطاع عمل لجنة استقبال شكاوى من أقسام الشرطة الفترة الماضية يوضح أن سبب ذلك هو تغيير المفتش العام لوزارة الداخلية.
وعن خطط المنظومة العدلية يقول: «الاستمرار في حل الإشكالات القانونية القائمة في التنسيق بين عمل وزارتي الداخلية والعدل، وزيادة عدد وكلاء النيابات، لأن هناك عجزاً في عددهم ما سبب تراكم القضايا، وكذلك الارتقاء بمستوى عمل المحاكم والنيابات ومراكز الشرطة ورفع مستوى الوعي القانوني لديهم. ويتم حالياً تأهيل ضباط ممتازين لإدارة مراكز الشرطة». 
ويؤكد أن «المنظومة العدلية تهدف إلى تحقيق العدل للمواطنين اليمنيين، فهم يستحقون العدل، وأن تكون لهم دولة عادلة، وخالية من الاختلالات في مؤسسات العدالة والتي خلفها النظام السابق على مدى عقود».
وتواجه اللجنة عدد من المصاعب يوضح العنسي بعضها بالقول: «اختلالات في القوانين نفسها، وكذلك غياب قوانين جديدة مثل قوانين الجرائم الإلكترونية، والبعض مازال مقيداً بآليات الأنظمة السابقة في العمل، ووجود كوادر غير مؤهلة في مراكز الشرطة، وعدم وجود مقرات للمحاكم والنيابات ومراكز الشرطة».

ثمرة من ثمار كثيرة منتظرة
بشكل حقيقي وملموس، هناك ثمار لعمل المنظومة العدلية بشهادة مكاتب المحاماة والقضاة وارتياح الكثير من المواطنين، والذين يأملون ألا يكون هذا النجاح لموسم واحد أو اثنين فقط، بل أن تكون منهجية دائمة في عمل مؤسسات العدالة والأمن.
فرغم كل تلك الإنجازات وانعكاسات عمل لجان المنظومة العدلية إلا أنها مازالت تحتاج لجهود عملاقة توازي عقود التدمير الذي طال مؤسسات العدل، يقول القاضي مازن الشيباني: «الأنظمة المتعاقبة لم تعط للقضاء حقه وقدره، ويجب الآن أن يكون القضاء هو السلطة الأعلى في حسم النزاعات، ويكون فوق السلطة التنفيذية».
ويلفت إلى أن نجاح القضاء يستلزم بالضرورة الاهتمام برجال القضاء الذين يعملون اليوم بنصف راتب أو بدون راتب.
بدوره، المحامي فارس جميل يشير إلى الحاجة إلى مزيد من الرقابة على أقسام الشرطة، لأن كثيراً من قضايا الاعتداء على الأراضي والبناء المخالف وغيرها تحصل بسبب تلاعب من بعض أقسام الشرطة وقبولها الرشاوى.
ويضيف: «أحياناً يتم تهريب المتهم، والشكوى الكاذبة يسندونها لتكون صحيحة، وغيرها من التجاوزات، وأقسام الشرطة تحتاج إلى رقابة وتنظيم عملها وفقاً للقانون، كما تمت الرقابة وتنظيم عمل الأمناء.. كما يجب أن يلتزم مدير قسم الشرطة برفع ملف القضية خلال 24 ساعة إلى النيابة».
وشكا مواطنون من تجاوزات، وما وصفوها بجرائم من ضباط وأفراد وأمنيين في أقسام الشرطة في بعض المحافظات مثل محافظة تعز.
أيضا مازالت أمام المنظومة العدلية قضية كبرى هي قضية حال السجون والإصلاحيات ونزلائهما، واللتان تحتاجان لجهود كبيرة، كتسهيل عملية الإفراج عن المحتجزين من الذين لا يوجد عليهم قضايا جسيمة وبالطرق القانونية، وتسريع البت في قضايا السجناء وفرز النزلاء ووضع آليات شاملة لتصحيح أوضاع الإصلاحيات والسجون.
ويمكن القول إن جهاد مؤسسات العدالة، إن صح التعبـير، لايزال في بدايته.