لقاء وتصوير: بشرى الغيلي/ لا ميديا
يوما بعد آخر تثبت الفتاة اليمنية أنها قادرة على صنعِ المستحيل، فبعد أن أثبتت جدارتها في الصناعاتِ الغذائية والحلويات، والصناعات المنزلية والتجارية، والمنظفات والبخور لتعتمد على نفسها في التغلبِ على الأوضاع الاقتصادية وتخلق لها اكتفاءً ذاتيا، ها هي تقتحم مجالا كان يوما ما حكرا على الرجال وهي صناعة المعدات الزراعية لتسهم بشكل مباشر في نهضة بلدها اقتصاديا، بل أبدعت في هذا المجال، وتفوقت على أقرانها الذكور، المأساة أن بعض من يحسبون على الجهاتِ المختصة يقللون من شأن ذلك النجاح الذي يستحق الاحتفاء، أو يسخرون بطريقتهم المنفّرة من أي شيءٍ تصنعه أنامل فتاة، كون ذلك مرتبطا بخشونتهم. المهندستان سمية الحسوسة وأريج سلاّم بادرتا إلى ما بعد أسوار كليتهما ومشروع تخرجهما من كليةِ الهندسة (قسم الميكاترونكس) جامعة صنعاء ، حاضنتهما كانت المؤسسة العلمية لرعايةِ المبدعين وهناك التقينا بسمية وأريج ومديرة المؤسسة أم هانئ جحاف التي قالت: «هناك عدم تقبل لفكرة أن الفتيات يقمن بهذه الصناعة بمفردهن، بل واجهن سخرية من بعض الجهات، ومع ذلك نؤكد أن فتياتنا مبدعات وقادرات جدا على إنتاجِ ذلك»، وهنا ننقل للقارئ عبر صفحات «لا» عظمة الفتاة اليمنية التي لا يقف في طريقها شيء.

المؤسسة هي التي أخذت بأيدينا
الحراثة التي قامت المهندستان سمية الحسوسة وأريج سلاّم بتصنيعها كانت بعد مشروع تخرجهما وزميلاتهما في الفريق عن “العازلات ثلاثية الطور بنظام تحكم اسكادا”، وهذا الجهاز يحتاج إليه (طلاب النفط)، من ذلك الفريق فكرت سمية وأريج بفكرتهما بعد التخرج فكانت مؤسسة رعاية المبدعين هي الحاضنة الأساسية لفكرتهما، وهي أحد الدوافع الكبيرة لهما ولذلك المنتج (الحراثة)، وحسبما طلبته مؤسسة رعاية المبدعين منهما، كونهما تعملان فيها ووجهتهما لدراسةِ احتياج سوق العمل في الجانب الزراعي، وتقولان إنهما قامتا بدراسة ذلك وقدمتا الفكرة للإدارة التي عرضتها على إدارة أخرى على أساس اختيار المشاريع التي ستنفذ، وأول الأفكار التي قدمتاها وقع الاختيار على مشروع الحراثة من ضمن ستة مشاريع أخرى، وهي نتيجة دراسات أولية عن احتياج السوق وإمكانية تصنيعها محليا.

نحتاج لداعمٍ ينتجها بشكلٍ كمي
عن مدى إمكانية دعم فكرتهما والأخذ بأيديهما لترى النور على أرض الواقع أوضحت أريج وسمية أن مؤسسة رعاية المبدعين هي التي توفر الورش بحسب إمكانياتها المتاحة، وأن المشروع يحتاج لداعمين لتمويل مشروعهما لإنتاج أكثر من حراثة وزيادة العدد لتكون في متناول المزارع، ولتتوفر في السوق بشكل أكبر.
رغم توفر القطع التي تحتوي عليها الحراثة محليا ماعدا “المحرك” الذي لا يتوفر محليا وفي حال وجود راعٍ للمشروع ليدعمه بشكل كمي، أوضحتا أنه -مع الأسف- لا يوجد من يتبنى ذلك حتى الآن.

أفكار ما بعد الحراثة
الأفكار الإبداعية لا تقف عند منجزٍ محدد عادة ويحتاج المبتكر والمبدع أن يجدد في إنجازاته التي يود من خلالها أن يضع بصمته في مجتمعه وبيئته المحيطة، ذلك هو حال هاتين المهندستين المبتكرتين للحراثة بأن لديهما الكثير من الأفكار: الحراثة بدأت بمبلغ معيّن قدمه أحد الداعمين وتم توريده كما هو وبدأ العمل على تصنيع الحراثة لأن كل العمل بفواتير وإخلاءات، ولأن النموذج الأولي تكون كلفته أكبر لأنه يحتاج تركيزا أكبر ولا بد أن يكون خاليا من أي خطأ، بينما مشكلة الدعم تظل هي العائق أمام أي فكرة مستجدة.

نطمح أن تكون بمتناول الجميع
فيما إذا كان عدم التجاوب مع إنجازهما سبب لهما أي إحباط أو تراجعٍ في الاستمرار حتى يصل المنتج للمستهلك الزراعي، وجهت أريج وسمية رسالتهما للداعمين: “نحن نتمنى من الداعمين أن ينظروا لما يفيد المجتمع كأولويات، لأن هذه الحراثة تفيد المزارعين كثيرا وتكلفتها ستكون بمتناول الجميع، وأن يدعموها كخط إنتاج، لأن المؤسسة دعمتنا كإنتاج أولي لكن كخط إنتاج يحتاج ذلك لداعم من خارج المؤسسة لنبدأ التنفيذ، وبعد تلك المرحلة سيدر العائد لتنفيذ مشاريع صناعية أخرى”.

اليمن أرض خصبة مُهملة
التوجه العام حاليا للدولة نحو الزراعة لذلك أي أفكارٍ جديدة للمخترعتين ستكون في “الميكنة الزراعية”، لعدة أسباب أيضا حسبما ذكرتا: اليمن أرض زراعية خصبة، ولكنها مهملة، كذلك الاهتمام بالمحاصيل سيوصل البلد للاكتفاء الذاتي بدلا من استيراد القمح الأجنبي، وبإمكانيتنا أن نعيد مجد الزراعة لدينا، وضربتا مثالا: هناك جهات أخرى يتم التركيز من قبلها على اختصاصات معينة كـ”موضوع التقنية” وأخرى على “الأطراف الصناعية والريبوتات”، وأهملوا جانبا مهما وهو الجانب الزراعي الذي سيوصلنا للاكتفاء الذاتي في حال تم الاهتمام به وبجوانبه المختلفة من تصنيع آلات، واستصلاح الأراضي وغيرها، فهناك دول ارتفع شأنها بالزراعة، وأخرى بصيد السمك، وليس شرطا التصنيع التقني فقط. وختمتا هذه الجزئية بأن هذا المنتج ليس فيه فائدة شخصية لهما بقدر ما يفيد المجتمع كاملا.

رسالتنا للجهات المختصة عبر “لا”
وجهت أريج وسمية رسالتهما للجهاتِ المختصة بأن يتم التركيز بشكلٍ أكبر على الجهات التي تهتم بالميكنةِ الزراعية ودعمها بالمهندسين الباحثين، والمهندسين الزراعيين الخبراء في الميكنة الزراعية، وتوفير مراكز بحوث لهذا الجانب الحيوي الهام، وهي عبارة عن جمع خبراء في المجال الزراعي مع خبراء في الميكنة الزراعية، لأنه في حال تم الاهتمام بهذه الأشياء المهمة سيقدّرون قيمة أي تصنيع نقوم بإنتاجه يخدم المجال الزراعي، ولأن الميكنة الزراعية بحر واسع وكبير من الآلات الصغيرة إلى العملاقة، واليمن تحتاج لكل ذلك نظرا لتنوع تضاريسها واختلافها، لذلك أنتجنا نموذجا واحدا للحراثة ونأمل من الجهات المختصة دعمنا بخط إنتاج لتكون هذه الحراثة متوفرة بكميات كبيرة في السوق، واستبدال المنتج الأجنبي بالمحلي.

تفوق الإناث على الذكور
الفكرة والتصنيع الأولي للحراثة لم يأتيا من فراغٍ بل كان وراء ذلك المؤسسة العلمية لرعايةِ المبدعين. ولمعرفةِ تفاصيل وخلفية ذلك التقت “لا” أم هانئ عبدالله جحاف، المدير التنفيذي بالمؤسسة العلمية لرعاية المبدعين -قطاع المرأة، والتي قالت: “بدأنا كإثباتِ تجربة من دورات تدريبية أقامتها المؤسسة بين ذكور وإناث بصورة عامة، ومن نتائج تلك الدورات اتضح أن الإناث درجاتهن عالية ومتفوقات جدا في الجوانب العلمية”. بعد تلك الملاحظة التي لاحظتها المؤسسة انصب الاهتمام أكثر عليهن وأخذت على عاتقها أن المرأة مثلما أثبتت وجودها في المجالات الغذائية قادرة أيضا على إثبات وجودها في الجوانب التقنية والهندسية والابتكار، ولم تتوقف المؤسسة عند ذلك بل عادت إلى خريجات الميكاترونكس، وخريجات الهندسة، وخريجات الميكانيك في جامعة صنعاء والجامعات الخاصة، فقامت بقياس كمية توجه الطالبات لهذه التخصصات واتضح أن هناك تزايدا نسبيا كل سنة، فبدأ هذا القسم بثلاث طالبات، فيما بلغ هذا العام عدد الملتحقات بالقسم عشرين طالبة، وتوضح أن “هذا دل على أن هناك إقبالا من الإناث على هذا الجانب، ففكرنا كمؤسسة بمصير هذه المخرجات وأين تذهب بعد التخرج، ومن يقوم باستيعابها في سوق العمل، فاستقطبنا إلى المؤسسة هذه المخرجات التعليمية لنثبت بالتجربة هل فعلا المرأة قادرة على الإنتاج الصناعي؟ وهل ممكن أن تدخل في الجوانب الصناعية؟ وهل للمرأة أن تثبت نفسها في جوانب أكثر كفاءة من حيث المجهود الفكري والبدني وكل ما يقوم به شقيقها الرجل؟”.

النتائج كانت مبهرة!
وأضافت جحاف أن النتائج كانت مبهرة، ليس فقط بين الإناث والذكور، بل تفوقن عليهم وتميزن، لأنهن أكثر جدية وتركيزا على العمل، وسرعة الإنجاز في وقتٍ محدد، ولديهن دقة في تنفيذ التفاصيل، بل إن الفتاة لا تقوم بتنفيذ المنتج إلا بعد إجراء التجارب عليه لأكثر من مرة، وأن الشيء الذي تقوم به يكون الأفضل هندسيا وميكانيكيا. وأي طالبة تلتحق بالمؤسسة تقوم باختبارات خاصة للتقدم، لإثبات مدى تمكنهن من الإبداع والتميز، وهي خطوة مهمة في اليمن ونقلة نوعية لتوجه المرأة في المجال الصناعي، رغم وجود ذلك في الدول المتقدمة وتدخل المرأة بكل ثقلها وتثبت جدارتها، ونحن لأول مرة نقوم بذلك ونترك المجال لهن ليبدعن في المجال الصناعي، بعد أن أثبتن وجودهن في المجالات الأخرى.

مؤسسة ناشئة
عما إذا كانت المؤسسة تتواصل أو تنسق مع جهاتٍ داعمة لاقتحام الفتاة اليمنية المجال الصناعي، وبخاصة بعد تجربة إنتاج الحرّاثة التي تم تصنيعها لتكون في السوق وفي متناول المزارعين، قالت جحاف: “تواصلنا مع الكثير من الجهات المختصة رغم أننا مؤسسة ناشئة ومانزال في البداية وأثبتنا كفاءة وقدرة في وقتٍ وجيز، وتم الوصول بالمشاريع النوعية إلى وزارتي الصناعة والزراعة، واللجنة الزراعية العليا، ومجرد وصول ذلك إلى الجهات المختصة فهذا نجاح بحد ذاته بالنسبة لنا كمؤسسة ناشئة، ورغم ذلك مازلنا نحتاج للدعم لنثبت أن المرأة اليمنية لا تقل ذكاءً عن أخيها الرجل، والمؤسسة تقوم بالتصنيع الهندسي وتعمل عليه دراسة جدوى وننفذ النموذج الأولي ونحن نود من الداعمين التركيز على النماذج الأولية وتتحول إلى اللجنة الزراعية العليا، إلى وزارة الزراعة التي تقوم بفحصها وإثبات كفاءتها وتحولها لخط إنتاج وهذا ما يفترض أن يكون، ونحن لسنا مستفيدين أو جهة ربحية، لأن الهدف هو صناعة النموذج الأولي للآلة ويتحول للجهات الرسمية”.

عدم تقبل فكرة أن تصنع فتاة حراثة
من ناحية القصور الإعلامي حول الترويج للمنتج لكي تدعم الفكرة شركات، أو جهات داعمة لإخراجه للنور توضح جحاف أن “القصور الإعلامي في المؤسسة...، ورغم التواصل مع جهات إعلامية كثيرة، ولكن الإشكالية عدم تقبل الفكرة وباعتبار أن امرأة تقتحم مجالا جديدا وكان في السابق حكرا على الذكور وهذا يواجه ردود فعل صعبة لدى أصحاب القرار أنفسهم وعند المجتمع ككل ولدى الداعمين الذين ليس لديهم ثقة بالفكرة، “فكيف تقوم بصناعة حراثة فتاة؟”، وهي أول ردة فعل واجهناها عند إبرازنا لمنتج الحراثة، ومن تلك التعليقات التي واجهناها: “مستحيل مرة وتصنع حراثة، ماعد خليتين للرجال!”، وهنا إذا وثق الداعم بقدرة المرأة وإنتاجها لهذا الشيء ممكن يدعمها، على سبيل المثل إذا قدم نفس المشروع من فتاة وشاب فالداعم بالتأكيد يدعم الشاب ولا يدعم الفتاة، وقال لنا وكيل وزارة الزراعة: “أنتن متأكدات وقادرات على إنتاج هذه الآلات؟” حتى رؤساء الجهات التنفيذية متخوفون: “هل أنتِ فعلا يا مرة قادرة تفعلي هذا الشيء، وتمسكي الجلخ وتقدري تلحمي؟”.

تمت تجربتها
عما إذا كان تم تجريب الحراثة عمليا أكدت جحاف أنه تم تجريبها في حوش المؤسسة وكانت النتائج مشجعة جدا، وهي تعتبر حراثة “تقليب تربة” مع إمكانية تغيير الرؤوس التي تعمل بها، فمع تغيير الرأس يحفر أقل، أو يحفر أكثر، وهي تدخل ضمن آلات ومعدات الحراثة التي دورها تقليب تربة بعد تجربتها وكانت نتائج الحفر بعمق 10 سنتيمترات، وأضافت أن الحراثة تستعمل في الأراضي الزراعية البسيطة، وللمرأة في حوش عملها، والمدرجات الزراعية الصغيرة، بمعنى تستطيع استخدامها دون أن تبذل مجهودا في نقلها أو تقوم بسياقتها، فهي يدوية وآلية في نفس الوقت، لأن المرأة لا تستطيع أن تصعد فوق حراثة كبيرة وتحرث الأرض، بينما هذه الحراثة التي قمنا بتصنيعها تستطيع أن تمسكها وتحرث بها بكل بسهولة ويسر.

ثقوا بأداءِ المرأة وادعموها
وختمت جحاف بدعوتها للجهاتِ الرسمية والداعمة ولكل من له علاقة بالجانب الصناعي أن يثقوا بأداء المرأة، وأن يدعموا الجانب الهندسي النوعي الأول في اليمن، وأن المرأة مثلما هي قادرة على إدارةِ شؤون بيتها وأسرتها وعملها والإمساك بزمام الأمور في مجالات أخرى لتصل للاكتفاء الذاتي، نحن في مؤسستنا أيضا قادرون من خلال هؤلاء الفتيات المهندسات والمبدعات على الوصول حتى لجزئية من الاكتفاء الذاتي لأننا قادمون إلى مجالاتٍ أخرى كالهندسة العكسية، التي هي عبارة عن آلات معدات قادمة من الخارج بمبالغ باهظة وبالدولار، نحن بإمكاننا أن نستنسخ منها آلات بقدرات محلية الصنع، بتكلفة أقل وبتشجيع المنتج المحلي وتكون نفس الكفاءة، فبدلا من استيرادها من الخارج بـ30 ألف ريال، ممكن تحصلها بالسوق المحلية بـ10 آلاف ريال. وهكذا نسهم بتوفير المبالغ بالعملة الصعبة ورفع الاقتصاد الوطني.