دمشق - أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
في كلمته أمام جلسة مجلس الأمن حول سورية، لخص المبعوث الأممي الخاص إلى سورية، غير بيدرسون، بكل دقة، الموقف في سورية اليوم، بأنها «تقف عند مفترق طرق: إما أن تعود إلى دائرة العنف وعدم الاستقرار، وإما أن تسلك طريق الانتقال السياسي الشامل، الذي يعيد للشعب السوري سيادته، ويحقق تطلعاته المشروعة».
كما حدد بيدرسون الاتجاه المطلوب، بقوله: «إن الطريق الأول غير مقبول على الإطلاق»، إذ يؤدي إلى «العودة إلى العنف وعدم الاستقرار، واحتكار السلطة والصراع والتفتت، مع انتهاك سيادة سورية بشكل روتيني، من قبل قوى خارجية، وتعريض الأمن الإقليمي والدولي للخطر».
هذا يعني -بحسب بيدرسون- ألا حل إلا بالطريق الثاني، الذي يقود إلى «انتقال سياسي شامل، يستعيد فيه الشعب السوري سيادته، ويتغلب على هذا الصراع، وينعش اقتصاده، ويحقق تطلعاته المشروعة، ويساهم في الاستقرار الإقليمي»، وهذا يتطلب «قرارات سورية صحيحة، وقرارات دولية، من أجل انتقال ذي مصداقية وشامل، مع تمكين ودعم بما يتماشى مع المبادئ الأساسية لقرار مجلس الأمن 2254».
تشخيص بغاية الدقة والوضوح. وثمة عدة عوامل تعطي هذه القراءة مصداقيتها وقوتها؛ فلأول مرة يتكلم المجتمع الدولي بلغة وخطاب واحد بشأن المسألة السورية، رغم التأثير غير العادي للأزمة السورية على الوضع الجيوسياسي والتوازنات الإقليمية والدولية، ولأول مرة أيضاً تلتقي الإرادة الإقليمية والدولية مع إرادة معظم مكونات المجتمع السوري.
وأيضاً اتفاق الجميع على أن التطبيق على الأرض ليس بهذه البساطة، بسبب التعقيدات وتشابك المصالح الإقليمية والدولية على الساحة السورية والمسكوت عنه في هذه الأزمة، بسبب انخراط جميع القوى الإقليمية والدولية فيها، وهو ما جعل مداولات المجلس تتطلب مناقشتها خلف أبواب مغلقة، لأن بحثها أمام وسائل الإعلام سيحرج ويدين الجميع، والأغرب من كل ذلك أن المداولات السرية حول سورية استبعد عنها وزير خارجية نظام الجولاني، أسعد الشيباني.
وفي تفاصيل الجلسة الافتتاحية لمجلس الأمن، أجمعت كلمات مندوبي الدول الأعضاء على النقاط الرئيسية التالية: 
- وحدة وسيادة واستقلال سورية.
- محاربة «داعش» و«الإرهاب»، وترحيل المقاتلين الأجانب. 
- حل جميع الفصائل، وتوحيد الجيش، وحصرية السلاح.
- إنهاء أعمال لجنة التحقيق في مجازر وأحداث الساحل السوري، وكشف نتائج التحقيق، ورفعها إلى مجلس الأمن، ومعاقبة المتورطين.
- التأكيد على مسار العدالة الانتقالية، وتطبيق مبدأ المحاسبة، للوصول إلى المصالحة الوطنية الشاملة.
- الحفاظ على الأمن وسلامة جميع المواطنين السوريين، ووقف كل أعمال العنف وخطف النساء.
- إتمام عملية انتقال سياسي سلسة، وبمشاركة كل مكونات المجتمع السوري.
- مراعاة حقوق الأكراد، والتأكيد على اندماجهم في المجتمع السوري ومؤسساته.
- القرار (2254) هو المسار الوحيد لعملية الانتقال السياسي.
- إعادة النظر بالبيان الدستوري، والتمثيل الحكومي ليشمل الجميع.
- دعم آليات رفع العقوبات عن سورية، وضرورة تسريعها، ومساعدة سورية (شرط تنفيذ ما هو مطلوب منها).
جلسة مجلس الأمن لا يمكن فصلها عن قائمة المطالب الأمريكية من السلطات السورية، والرد السوري عليها، وهذه المطالب هي:
- السماح للولايات المتحدة بتنفيذ عمليات «مكافحة الإرهاب» على الأراضي السورية.
- حظر جميع المليشيات والأنشطة السياسية المرتبطة بحركات فلسطينية.
- ترحيل أعضاء هذه الجماعات الفلسطينية، لتهدئة المخاوف «الإسرائيلية».
- دعم عملية «العزم الصلب» ضد تنظيم «داعش».
- العمل على توحيد الأقليات والمكونات المختلفة في سورية.
- تطهير الحكومة من أي عناصر متطرفة أو مرتبطة بالنظام السابق.
- منع عودة إيران، أو أي وكلاء لها، إلى الأراضي السورية.
- تقديم ضمانات واضحة حول عدم استخدام سورية كقاعدة لتهديد الدول المجاورة.
مطالب أمريكية وأممية واضحة؛ لكن وراء الكواليس تتركز هذه المطالب حول نقطتين رئيسيتين، هما: التطبيع مع «إسرائيل»، والمقاتلين الأجانب و»محاربة الإرهاب».
الرد السوري على المطالب الأمريكية لم يتأخر، وجاء مكتوباً، وفيه أن السلطات السورية نفذت خمسة مطالب بالكامل، والمطالب المتبقية تحتاج إلى «تفاهمات متبادلة» مع واشنطن.
وجاء في الرد السوري التعهد بإنشاء مكتب في وزارة الخارجية للبحث في قضية الصحفي الأمريكي المفقود أوستن تايس، وعرض مفصل للإجراءات المتخذة بشأن التعامل مع مخزونات الأسلحة الكيميائية.
وحول مسألة المقاتلين الأجانب، أشار الرد إلى أن سورية علقت منح الرتب العسكرية لهؤلاء؛ لكن دمشق تميل إلى تأجيل البت في هذه المسألة، وترى أن هؤلاء ساهموا في الإطاحة بالرئيس السابق بشار الأسد، و»يجب أن يُعاملوا معاملة حسنة».
كما شدد الرد على أن أي تنسيق أمني مع واشنطن يجب أن يجري في إطار «تفاهمات متبادلة»، مع تعهّد بأن حكومة الجولاني الجديدة لن تشكل تهديداً للمصالح الأمريكية أو الغربية.
وفيما يخص الفصائل الفلسطينية المسلحة، أكد الرد تشكيل لجنة حكومية لمراقبة أنشطتها، مشدداً على أن سورية لن تسمح بوجود أي فصيل مسلح خارج نطاق الدولة، وعلى أنها لن تكون مصدر تهديد لأي طرف، «بما في ذلك إسرائيل».
ومع تأكيد الموقف السوري من الكيان الصهيوني، تبقى مسألة المقاتلين الأجانب والفصائل المتطرفة هي الأكثر صعوبة وتعقيداً أمام السلطات السورية، وقد تشهد تنفيذ هذه المهمة أحداث عنف، والبعض يرى أنها ستكون معركة كسر عظم، بسبب السيطرة الميدانية لهذه الفصائل، والكشف عن محاولة انقلاب تم إفشالها، وتهديدات للشرع من بعض قادة هذه الفصائل.
في المقابل، ظهرت مؤشرات إلى مساعدات يمكن أن تقدمها أطراف إقليمية ودولية للسلطات السورية، لتنفيذ هذه المهمة، حيث تم إعلان رفع العقوبات البريطانية عن أجهزة الأمن والمخابرات السورية، ومشروع لتدريب قوات أمنية سورية في السعودية والإمارات والأردن، وتقديم أسلحة وتجهيزات أمنية وإلكترونية من بريطانيا، وبتمويل عربي، مع حديث عن الاستعانة ببعض ضباط وعناصر النظام السابق، بسبب الحاجة إليهم ولخبرتهم في مواجهة المجموعات «الإرهابية».
هذا يؤكد أن سورية تقف اليوم أمام مفترق طرق حاسم، ومقبلة على فترة حساسة، تم تحديدها بالأشهر، لتنفيذ ما هو مطلوب منها، وهذا ما جعل جلسات مجلس الأمن مفتوحة ومتلاحقة، لمراقبة التطورات.