المسار الثوري والتغيير الجذري ...مواجهة الوضع المزري لقطع الطريق أمام العدو
- عبد الحافظ معجب الأربعاء , 24 سـبـتـمـبـر , 2025 الساعة 2:59:04 AM
- 0 تعليقات
عبد الحافظ معجب / لا ميديا -
يعيش اليمن منذ سنوات في وسط مواجهة غير مسبوقة إذ اجتمعت أدوات العدوان الخارجي والحصار الاقتصادي والحرب الإعلامية والنفسية المركبة في محاولة لإضعاف الدولة وضرب صمود الشعب.
في خضم هذه التحديات تبرز إشكالية دقيقة لكنها مصيرية .
وهي: كيف نوازن بين انتقاد الفساد والممارسات الخاطئة داخل مؤسسات الدولة، وبين الحفاظ على صورة الدولة ككيان صامد يقود معركة الدفاع عن الوطن في مواجهة حرب شاملة؟ هذا السؤال ليس ترفاً أو عبثاً ، بل هو في صميم معركة الوعي التي يخوضها الشعب اليمني . وهو امتحان يومي للإعلاميين والنشطاء والمثقفين وكل القوى الثورية الحية.
الفساد في اليمن ليس ظاهرة هامشية يمكن تجاوزها ، بل هو أحد أخطر التهديدات الداخلية التي تواجه الدولة والشعب على السواء، حين يستغل بعض المسؤولين مواقعهم الوظيفية لتحقيق مكاسب شخصية على حساب المصلحة العامة فإنهم ينهبون من قوت الشعب ويسيئون إلى مشروع الدولة الذي ناضل الشعب طويلا لبنائه ويقدمون خدمات كبيرة للعدو الخارجي.
لذلك فإن النقد الصريح لهذه الممارسات وفضحها بالأدلة والمطالبة بالمحاسبة هو واجب وطني وأخلاقي وثوري لا يجوز التهاون فيه. إن النقد البناء يفتحالباب أمام الإصلاحات ويعزز ثقة المواطن بأن هناك أصواتاً صادقة تحمل هم الشعب ولا تسمح باستمرار العبث والنهب والتسيب.
لكن في المقابل ، ثمة خط رفيع يفصل بين النقد الإصلاحي البناء وبين الخطاب الذي يهاجم الدولة ككيان سياسي ومؤسسي كامل . فالدولة اليمنية اليوم ليست مجرد جهاز إداري، بل هي الإطار الجامع الصمود الشعب، والحصن الأخير في وجه العدوان الخارجي الذي يسعى لإسقاطها وتفكيكها وإضعافها من الداخل النقد الشامل للدولة بوصفها كياناً فاشلاً أو عائقاً أو تصويرها على أنها مجرد مجموعة من الفاسدين بلا استثناء هو خدمة مجانية للعدو الذي يبذل جهودا جبارة لزرع هذه الصورة في الوعي الجمعي. وهنا يكمن الخطر أن يتحول النقد من أداة إصلاحية تعزز الدولة إلى أداة هدم تضعف معنويات المجتمع وتفقد الناس ثقتهم بمؤسساتهم في لحظة هي الأخطر على الإطلاق .
إن الإعلام المعادي لم يدخر وسيلة في سبيل شيطنة مؤسسات الدولة وتشويه رموزها
مستخدماً تقنيات الحرب النفسية وأساليب الحرب الهجينة ، نشاهد كل يوم حملات منظمة وأخبار مضخمة أو مختلقة وتسريبات مشبوهة وشبكات حسابات آلية تكرّر الرسائل ذاتها وكلها أدوات تهدف إلى تفجير الوضع من الداخل وإقناع المواطن بأن دولته عاجزة أو غير جديرة بالبقاء. أمام هذه الحرب المركبة يصبح لزاما على الإعلام الوطني والناشطين والمثقفين أن يتحلوا بالوعي الاستراتيجي الكافي لتمييز الخيط الفاصل بين النقد الذي يصوب المسار وبين الترديد اللاواعي لخطاب العدو.
قائد الثورة، السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، أكد مراراً أن التغيير الجذري في مؤسسات الدولة ليس مجرد خيار بل ضرورة وطنية ثورية. هذا التغيير يبدأ بإصلاح الهياكل الإدارية المتضخمة، وتجاوز الإجراءات العقيمة وتطهير المؤسسات من العناصر غير الكفوئين المتشبثين بالسلطة أو المندسين وتبني سياسات شفافة تعيد الثقة بين المواطن والدولة . هذه الرؤية الثورية لا تتناقض مع حماية الدولة ككيان، بل على العكس، إن جوهرها هو أن تصبح الدولة أقوى وأكثر صلابة في مواجهة العدوان الخارجي . لذلك فإن النقد البناء حين يستند إلى مبادئ الثورة وأهدافها يلتقي في النهاية مع مصلحة الدولة العليا، لأنه يساهم في تطهير مؤسساتها من الداخل لتصبح أقدر على الصمود في معركة الخارج.
إن الصياغة المهنية للنقد تقتضي الالتزام بعدة قواعد أساسية، منها توجيه السهام نحو الأشخاص أو السياسات التي ثبت فسادها، لا نحو مؤسسات الدولة ككل، والاعتماد على الأدلة والوثائق لا على الشائعات أو الانفعالات، واقتراح بدائل عملية قابلة للتنفيذ بدلا من الاكتفاء بالتشهير. وأخيراً، تجنب أي تسريب المعلومات أمنية أو حساسة يمكن أن يستغلها العدو مباشرة، بهذه الضوابط يتحول النقد من مجرد كلام في الهواء إلى ممارسة مسؤولة تحاصر الفاسدين والمزريين وتمنع الانهيار المؤسسي .
كما أن النقد البناء يحتاج إلى لغة سياسية وأخلاقية متوازنة لغة تقول بوضوح: «نرفض الفساد ونطالب بالمسار الثوري ، ولكننا نقف مع قائد الثورة والدولة في المعركة ضد العدوان». هذه اللغة تبعث برسالة مزدوجة . رسالة للمسؤولين بأن الشعب واع ومتيقظ ولن يسكت عن الفساد المتغول والمحمي بمراكز نفوذ تدعي أنها تستند للثورة.
ورسالة للعدو بأن الشعب يميز بين أخطاء بعض الأفراد ومراكز القوى الانتهازية وبين شرعية الدولة ككيان وطني يقاوم الغزو والحصار، بهذا التوازن يحمي المجتمع نفسه من الوقوع في فخاخ الحرب النفسية التي تريد تحويل الغضب الشعبي ضد الدولة بدلا من توجيهه نحو العدو الخارجي والمتآمرين الداخليين .
التجربة أثبتت أن الدول التي واجهت حروباً وهجمات خارجية لا تصمد إلا إذا توحد شعبها خلف مؤسساتها مع استمرار الضغط الشعبي لإصلاحها من الداخل . أما الانجرار وراء خطاب شامل يدين الدولة برمتها فهو بداية انهيار متسارع لا يخدم سوى العدو. في اليمن، حيث يتعرض الوطن الحصار اقتصادي خانق وحرب عسكرية وإعلامية متواصلة يصبح هذا التوازن بين النقد والإسناد ضرورة وجودية لا مجرد خيار. إن النقد البناء اليوم ليس فقط وسيلة لإصلاح الدولة، بل هو أيضاً جزء من معركة الدفاع عنها في وجه حرب مركبة متعددة الأبعاد.
إن استكمال المسار الثوري في اليمن يقتضي أن نمارس النقد بوعي وأن نجعل من كل قضية فساد فرصة لتعزيز الثقة بالمؤسسات عبر المحاسبة الشفافة لا فرصة لتقويضها . المطلوب هو إعلام وطني مسؤول وناشطون ثوريون أوفياء يعرفون أن الثورة لم تقم لتفكيك الدولة، بل لإعادة بنائها على أسس سليمة. والمطلوب هو أن يفهم الجميع أن حماية الدولة من التشويه والإسقاط هي واجب ثوري لا يقل قداسة عن مواجهة العدوان في الجبهات . بهذا الفهم يصبح النقد سلاحاً ثورياً بيد الشعب يطهر الداخل ويحصن الجبهة ويؤكد للعالم أن اليمن ماض في طريق التغيير الجذري دون أن يسمح للعدوان بأن يحقق هدفه في إسقاط الدولة أو تفكيكها من الداخل .
المصدر عبد الحافظ معجب
زيارة جميع مقالات: عبد الحافظ معجب