شوقي عواضة

شوقي عواضة / لا ميديا -
تتضمن «المبادرة الخليجيّة» في لبنان رسائل واضحة عنوانها «الحرب الأهليّة»، وربّما فات أصحاب المبادرة، وفي مقدّمتهم السّعودية، بملكها وولي عهدها، أن يأخذوا العبرة من اليمن الذي هشّم صورة جيش التّحالف الأسطوري الأمريكي «الإسرائيلي» السّعوديّ الإماراتيّ ومن معه، وحوّل ترسانته إلى خردةٍ، وأن يعيدوا قراءة صفحات حزب الله والمقاومة السّاطعة بالانتصارات.
لم تكن «المبادرة الخليجيّة» في لبنان أقلّ عدوانيّةً وانتهاكاً للسّيادة اللّبنانيّة من «المبادرة الخليجيّة» في اليمن التي وقّع عليها سفراء دول الخليج، باستثناء قطر في العام 2011 في الرّياض والتي تحوّلت بموجبها تلك الدّول إلى حاكمة لليمن.
اتفاقيّة حملت في بنودها شرطاً واضحاً باستبعاد وعزل شريحةٍ واسعةٍ من اليمنيين، المتمثّلة بـ»الحوثيين» الذين كانوا قد تعرّضوا لست حروب عدوانيّة شنها النّظام السّعودي بالتّحالف مع الرّئيس الأسبق علي عبد الله صالح كان آخرها عام 2009 خرج منها «الحوثيّون» منتصرين، رغم عدم امتلاكهم القوّة التي يمتلكونها اليوم.
جاءت «المبادرة الخليجيّة» في ظاهرها مدخلاً للحلّ، لكنّها في المضمون تُخضع اليمن للنّفوذ السّعودي وتجرّده من سيادته واستقلاله، وهذا ما رفضته القوى الوطنيّة اليمنيّة، وفي مقدّمتها «الحوثيّون» أو أنصار الله الذين يحملون مشروعاً وطنيّاً ليمنٍ حرٍّ ومستقلٍّ بمشاركة كلّ أطيافه، وهذا ما لم يرضِ حكّام الرّياض الذين عجزوا عن القضاء على أنصار الله في حروبهم السّت فلجؤوا إلى «المبادرة الخليجيّة» لعلّهم يحقّقون ما عجزوا عن تحقيقه في حروبهم، وبدؤوا العمل على إعطاء المزيد من الصّلاحيات لعبد ربه منصور هادي وتحجيم دور أنصار الله، ما أدّى إلى اشتعال المواجهات التي ما لبثت أن تطوّرت إلى عدوانٍ بات على أبواب العام الثّامن من دون أن تحقّق السّعودية وحلفاؤها أي انتصارٍ أو تقدّمٍ، بل كانت أعوام الحرب حافلةً بالهزائم والفشل استطاعت خلالها حركة «أنصار الله» في ظلّ الحصار المطبق تطوير قدراتها الصّاروخيّة والقتاليّة وتحرير المزيد من المحافظات ونقل المعركة إلى داخل العمقين السّعودي والإماراتي وبالتّالي تحوّلها إلى قوّةٍ أقليميّةٍ تهدّد الكيان «الإسرائيليّ».
وفي لبنان، حيث قدمت الدول نفسها نسخة مبادرتها «الخليجيّة» المطورة عن السيناريو اليمنيّ مع ملاحظة تفاصيل أكثر وأدقّ، فإنّ المطالبة بتطبيق القرارات الدولية، خاصة القرار (1559) ومراقبة الحدود لا تعني سوى محاصرة المقاومة وتجريدها من سلاحها الذي تحوّلت فيه إلى قوّة دفاع إقليميّةٍ وليست محليّةً وحسب، استطاعت أن تغيّر المعادلات الإقليميّة، لاسيّما في مواجهة العدوّ «الإسرائيليّ» والتّصدي للمؤامرات السّعوديّة الأمريكيّة، واستطاع أن يسجّل انتصاراتٍ كبيرةً من خلال هزم مشروع «داعش» المدعوم سعوديّاً وأمريكيّاً و«إسرائيليّاً». 
في الظّاهر اكتفت «المبادرة الخليجيّة» في لبنان بتحجيم دور حزب الله ومحاصرته وعدم جعل لبنان منصّة للتّهجّم، ولو لفظيّاً، على الدّول الخليجيّة، علماً أنّ لبنان لا يزال في موقف الدّفاع عن نفسه أمام الهجمة السّعوديّة المستعرة، التي طالت سيادته، والمسّ بمسؤوليه أياً كانوا. أمّا في السّر فاكتفى محمد بن سلمان بتهديد الرّئيس سعد الحريري وما يمثّل من تيارٍ ومرجعيّةٍ سياسيّةٍ لها وزنها على السّاحة اللّبنانيّة وعزله نتيجة عدم رضوخه لما يمليه ابن سلمان عليه، وفقاً لما أشارت إليه بعض المصادر الإعلاميّة نتيجة رفضه الدّخول في الحرب الأهليّة، ووفقاً لما أعلنه الرّئيس الحريري. وبذلك يتّضح المشهد أنّ السّعودية وحلفاءها لا يريدون مساعدة لبنان، بل الثّأر منه ومحاولة يمننته وفقاً للمعطيات التالية:
1 ـ إنّ «المبادرتين الخليجيّتين» قد صيغتا في أروقة واشنطن وكُتبتا بأيدٍ خليجيّةٍ وحبرٍ صهيوني.
2 ـ تشابه «المبادرة الخليجيّة» في اليمن عام 2011 التي لا يزال يدفع ثمنها اليمنيّون حتّى اليوم، و»المبادرة الخليجيّة» في لبنان التي تحمل الشّروط نفسها وتمّ التّوقيع عليها من الجهات نفسها.
3 ـ محاولة تعويض ابن سلمان عن هزائمه في اليمن بضرب المقاومة في لبنان بعد تحميل حكّام الرّياض أسباب هزائمهم في اليمن لحزب الله واتهامه بالإرهاب.
4 ـ تقوية أوراق اعتماد ابن سلمان أمام وسيطه «الإسرائيلي» لبايدن في استهداف حزب الله، ما يسرّع عمليّة نيل الرّضى الأمريكي واستلام سدّة الحكم.
رسائلُ واضحةٌ تتضمّنها «المبادرة الخليجيّة» عنوانها «الحرب الأهليّة»، وربّما فات أصحاب المبادرة، وفي مقدّمتهم السّعودية، بملكها وولي عهدها، أن يأخذوا العبرة من اليمن الذي هشّم صورة جيش التّحالف الأسطوري الأمريكي «الإسرائيلي» السّعوديّ الإماراتيّ ومن معه، وحوّل ترسانته إلى خردةٍ، وأن يعيدوا قراءة صفحات حزب الله والمقاومة السّاطعة بالانتصارات.
لن يفقه سلمان وغلامه ولن يستوعب عقلهما الجلف أنّ من هزم الجيش الذي قيل بأنّه لا يقهر لن ترهبه تهديدات غلامٍ مثله وعد بحسم عدوانه على اليمن خلال شهر وهو ما زال يستجدي حلّاً بعد سبع سنواتٍ. وعلى أصحاب ما يسمّى «المبادرة الخليجيّة» أن يدركوا أنّ سيادة لبنان لا تشبه سيادتهم، فسيادتنا تُفرَض ولا تُستجدَى من أحدٍ، وما يسمّى «المبادرة الخليجيّة» ليست سوى رسالة انصياعٍ واستسلامٍ للعدوّ «الإسرائيلي» تقول بالخطّ العريض: «أيّها اللّبنانيّون، إنّ المقاومة هي سبب كلّ ما يجري لكم فاستسلموا وتخلّوا عن مقاومتكم لتتعافوا». لكن ثمّة جواب آخر ينتظركم من أفواه وقبضات من هزموا حليفكم الصّهيوني، ورسالة خطّها عزيز لبنان الأبيّ سيّد المقاومة قال فيها: «إنّ اليد التي ستمتدّ إلى السّلاح سنقطعها حتماً».

أترك تعليقاً

التعليقات