الرأسمالية الغربية.. دين المال والوهم بالرفاهية
- محمد الجوهري الأربعاء , 15 يـنـاير , 2025 الساعة 12:58:09 AM
- 0 تعليقات
محمد محسن الجوهري / لا ميديا -
إن الرأسمالية الغربية ليست مجرد نظام اقتصادي بحت، بل يمكن اعتبارها أقرب إلى دين يتخذ من المال إلهاً ويجعل من البشر عبيداً له مقابل الوهم بالرفاهية والاستقرار الاقتصادي. هذا المفهوم يعكس كيف أن الرأسمالية تعمل على تعزيز قيم الاستهلاك والتنافس، ما يؤدي إلى ارتباط الأفراد بالمال كرمز للنجاح والقوة. في هذا النظام، يُفترض أن تحقيق الثروة هو السبيل الوحيد لتحقيق السعادة، مما يخلق شعوراً زائفاً بالرفاهية.
تحت هذا الشعار أصبح العالم يدين بالرأسمالية بعد أن أغرت الجميع بالرفاهية المستقبلية شريطة أن يتخلوا عن الكثير من الثوابت الدينية والثقافية، كما فعل السلطان التركي عبدالمجيد الأول عام 1940 عندما ألغى الهوية الدينية للدولة العثمانية ظناً منه أن ذلك سيعزز الاقتصاد وسيجلب رؤوس الأموال الأجنبية إلى البلاد، فكانت النتيجة أن تجمع اليهود في فلسطين وشكلوا النواة الأولى للكيان الصهيوني الحالي وما تبعه من كوارث دموية على العرب والمسلمين.
تظهر هذه الحقيقة بوضوح أيضاً في السياسات الاقتصادية التي تتبعها الدول الغربية. على سبيل المثال: نجحت الولايات المتحدة في تعزيز سيطرتها على العالم من خلال الاستخدام الاستغلالي لمفاهيم مثل «الحرية» و»الديمقراطية». ففي العام 2003، قادت الولايات المتحدة غزو العراق تحت ذريعة إزالة نظام صدام حسين وجلب الديمقراطية، بينما كانت الحقيقة أن الهدف كان السيطرة على الموارد النفطية. ونتيجة لذلك، شهد العراق دماراً شاملاً وأزمات إنسانية عميقة، حيث تدهور الوضع الأمني والاقتصادي بشكل كبير.
وفي مثال آخر، تدخلت الولايات المتحدة في أفغانستان بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، مدعيةً أن الهدف هو القضاء على الإرهاب وبناء دولة ديمقراطية. ومع ذلك، بعد عقدين من الزمن، لا يزال الوضع في أفغانستان غير مستقر، حيث يستمر الصراع والعنف، ما يشير إلى أن التدخل لم يؤد إلى الرفاهية المزعومة، بل أسفر عنه المزيد من الفوضى والمعاناة.
علاوة على ذلك، فإن الدول العربية الأخرى، مثل ليبيا وسورية، شهدت تدخلات عسكرية بحجة دعم الشعوب في سعيها نحو الحرية. ولكن، كما هو الحال في العراق وأفغانستان، أدت هذه التدخلات إلى انهيار الهياكل الاجتماعية والاقتصادية، تاركةً وراءها أزمات إنسانية متفاقمة.
تظهر هذه الشواهد كيف أن الرأسمالية، كدين، تستخدم الوهم بالرفاهية كوسيلة للسيطرة، حيث يتم استغلال الشعوب لتحقيق مصالح سياسية واقتصادية. إن هذا الاستخدام الاستغلالي للقيم الإنسانية يبرز التناقضات العميقة في النظام الرأسمالي، حيث يُنظر إلى الفقر والمعاناة كأثمان يجب دفعها في سبيل تحقيق الأهداف الاقتصادية.
في الختام، تُظهر الرأسمالية الغربية أنها ليست مجرد نظام اقتصادي، بل هي دين يتخذ من المال إلهاً، مما يجعل من الأفراد عبيداً له مقابل الوهم بالرفاهية والاستقرار. إن التدخلات العسكرية والسياسات الاقتصادية التي تُستخدم كذريعة لجلب الديمقراطية والرفاهية غالباً ما تُخفي واقعاً مدمّراً ينعكس في الأزمات الإنسانية والاجتماعية في الدول المستهدفة. لذا، فإن فهم هذه الأساسيات يساعدنا على رؤية الرأسمالية في إطار أوسع، ويعزز من الحاجة إلى مناقشة نقدية حول مستقبل هذا النظام وتأثيراته على المجتمعات.
المصدر محمد الجوهري
زيارة جميع مقالات: محمد الجوهري