قوة الردع لا المفاوضات
- محمد الجوهري الأثنين , 23 يـونـيـو , 2025 الساعة 1:05:02 AM
- 0 تعليقات
محمد الجوهري / لا ميديا -
لا شيء يخشاه جمهور المقاومة على إيران أكثر من الدخول في مفاوضات ماراثونية ومعقدة مع الغرب، سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة؛ إذ يرون فيها أصل البلاء الذي جرّ على البلاد عقوبات اقتصادية قاسية واغتيالات ممنهجة طالت قيادات مدنية وعسكرية كبرى. فالمفاوضات -في نظر واشنطن و»تل أبيب»- ليست حواراً، بل أداة لاختبار الصلابة وكشف مكامن الضعف. ومن يدخلها دون أوراق ضغط يُنظر إليه كطرف ضعيف، كما حدث بعد الاتفاق النووي عام 2015، حين رفعت واشنطن شعار «الدبلوماسية أولاً»، ثم ما لبثت أن انسحبت من الاتفاق من طرف واحد في عهد ترامب عام 2018، وفرضت بعدها سياسة «الضغط الأقصى» التي شلّت الاقتصاد الإيراني.
في المقابل، لم تجرؤ الولايات المتحدة يوماً على معاملة كوريا الشمالية بالمثل، رغم تطويرها السلاح النووي؛ والسبب أنها لم تفتح باب التفاوض إلا من موقع قوة، وهددت مراراً باستهداف الأراضي الأمريكية. هذا الخط المتشدد فرض احتراماً دولياً، رغم العقوبات، وأجبر ترامب نفسه على لقاء كيم جونغ أون، في سابقة لم تحدث منذ الحرب الكورية.
أما إيران فقد وقعت في فخ مصطلحات «المجتمع الدولي» و»السلام العادل»، وتجاهلت الدروس المتكررة بأن المؤسسات الدولية خاضعة للهيمنة الأمريكية و»الإسرائيلية». فمجلس الأمن صمت طيلة سنوات على اغتيال علماء نوويين إيرانيين، وتجاهل استهداف منشآت سيادية، بل إن المواقف الغربية تجاه الحرب على غزة أثبتت أن ما يُسمى «الشرعية الدولية» ليس سوى غطاء للعدوان على الشعوب المقاومة.
ولو أن طهران مارست الغموض الاستراتيجي كما فعلت سابقاً بعد غزو العراق، حين بقيت تراقب سقوط بغداد دون أي تعهد أو انكشاف، لما تجرأت «إسرائيل» على استهدافها بهذا الوضوح. ولنتذكّر أن أول اختراق أمريكي حقيقي لإيران لم يبدأ إلا بعد تعاونها مع الغرب وانفتاحها على ما تسميه بـ»سياسة الاستيعاب» أيام الرئيس الأسبق محمد خاتمي، وقد كافأتها واشنطن حينها بأن صنفتها ضمن محور الشر.
إن العالم لا يعترف إلا بلغة القوة. هذا ما أثبتته التجربة. «إسرائيل» مثلاً لم تتوقف يوماً عن سياسة القصف الاستباقي، منذ عملية «أوبرا» في العراق 1981، إلى استهدافها المتكرر لسورية ولبنان، دون أي رادع دولي. وكان حريّاً بإيران أن تمارس هذا النوع من الردع منذ وقت مبكر، لا أن تراهن على الاتفاقات التي تُنقض كلما تغيّر ساكن البيت الأبيض.
إيران اليوم تملك أوراقاً استراتيجية لا يُستهان بها؛ أولها: موقعها الجغرافي على مضيق هرمز، الذي يمر عبره أكثر من 20% من صادرات النفط العالمية، ومجرد التلويح باستخدام هذه الورقة يربك العواصم الغربية. كما أن ضربها لقاعدة «عين الأسد» الأمريكية في العراق رداً على اغتيال قاسم سليماني، رغم تواضع الرد، أثبت أن خيار الردع العسكري ليس خارج الحسابات، وأن الغرب -حين يتضرر- يعيد التفكير جيداً.
إن العالم لا يعترف إلا بلغة القوة. وكان حرياً بإيران أن تفرض إرادتها منذ البداية بلغة السلاح، لا بلغة الدبلوماسية. فلو أنها استخدمت صواريخها في مواجهة كل نظام سياسي يهدد أمنها واستقرارها، كما تفعل «إسرائيل»، لما تجرأت الأخيرة على قصف مواقعها، ولما استطاعت واشنطن أن تمارس ضدها هذا القدر من العقوبات الاقتصادية وزعزعة الداخل الإيراني.
المصدر محمد الجوهري
زيارة جميع مقالات: محمد الجوهري