جيوش العرب لحماية أعدائها
 

محمد الجوهري

محمد الجوهري / لا ميديا -
كلمة «وطني» في قاموس السياسة العربية لا تزال محتفظة بمعناها الاستعماري المحض، وحسب اتفاقيات التقسيم والحماية الغربية، كـ»سايكس بيكو» و»دارين»، وغيرهما من محطات العار والخزي في التاريخ العربي المعاصر. ومن هنا فإن الجيوش العربية لا تتحرك إلا في المحيط الوطني المرسوم لها غربياً، أو حسب ما تقتضيه مصالح الغرب وربيبته «إسرائيل»، والضحية دائماً هم الشعوب المفترض حمايتها من قبل تلك الجيوش.
فعلى سبيل المثال: تمتد الحدود الأردنية - الفلسطينية على مسافة 335كم، وفي عقيدة الجيش الأردني أن فلسطين ليست قضيته، وبالتالي فهو ليس ملزماً بتقديم أي شكل من الحماية أو المساعدة للشعب الفلسطيني؛ لأن ذلك يتعارض مع حدوده الوطنية التي رسمتها له «سايكس بيكو». ولكن تلك الوطنية لا تتعارض مطلقاً مع حمايته للكيان الصهيوني، ومنع أي خطر قد يحوم حول المستوطنات اليهودية الممتدة على الحدود، وهو على استعداد أن يطلق النار على أي شخص يقترب منها، ولو كان أردنياً. وللأسف، هناك منافقون في زيّ رجال الدين يبررون هذا النوع من الانبطاح باعتباره التزاماً بمعاهدات لا تتعارض مع الدين.
الحال نفسه ينطبق على سائر الجيوش العربية. وما يحدث في غزة هو وصمة عار في تاريخ مصر وجيشها قبل غيرهم؛ فالجيش المصري يقف على مرمى حجر من القطاع، ولا يجرؤ قادته وضباطه على الاقتراب من الحدود، خوفاً من البطش الصهيوني. وقد رأينا في مايو 2024 كيف اعتدى جنود صهاينة على مجاميع من الجيش المصري، ما تسبب في قتل وجرح عددٍ منهم، دون أن يردوا بطلقة واحدة، وكأنّ الاعتداء طال جمعاً من النسوة العُزّل من السلاح، وليس القوات المسلحة المصرية.
ورغم أن المؤامرة على الجيش المصري لا تزال قائمة، وتجاهر بها «تل أبيب»، بل وتدعو إلى تفكيك القوات المسلحة المصرية في كامل سيناء المصرية؛ إلا أن ردّة فعل مصر تجاه هذه المؤامرة ستأتي متأخرة جداً، هذا إن وُجد رد أصلاً. وقد يلقى الجيش المصري مصير نظيره السوري نفسه، على يد جماعات موالية للصهاينة تتحرك باسم الدين، وعندها لن ينفع تحركه، لا لحماية نفسه، ولا لمواجهة الكيان.
خليجياً: استخدمت السعودية جيشها للعدوان على اليمن منذ 2015، تحت شعار دعم «الشرعية»؛ لكن الواقع أثبت أن الهدف كان تدمير البنية التحتية اليمنية، وفرض وصاية إقليمية تخدم المصالح الغربية. وفي البحرين، لم يتردد النظام في الاستعانة بالقوات السعودية ضمن «درع الجزيرة» لقمع الاحتجاجات الشعبية السلمية عام 2011، رغم أن البلدين خاضعان للحماية الخارجية وليس بمقدور أي منهما أن يدافع عن نفسه في وجه أي عدوان خارجي، كما رأينا في حرب الخليج 1990-1991.
وهكذا تتكشف الحقيقة المرّة: جيوشٌ تحمل أسماء الأوطان، وهي في الواقع تعادي الأوطان، ترفع الشعارات وتردّد القسم؛ لكنها تصوّب فوهاتها نحو شعوبها، وتصمت حين تُنتهك الأرض والعقيدة والكرامة. لقد ضاعت بوصلة الأوطان يوم غابت فلسطين عن البوصلة، واختُزلت الوطنية في خطوط وهمية تخدم العدو وتقمع الشعوب. ولا يزال الوضع على حاله حتى إشعارٍ آخر.

أترك تعليقاً

التعليقات