العلاقات اليمنية - الأمريكية بعد ثورة 21 أيلول 2014
- محمد أبو راس الأحد , 18 مـايـو , 2025 الساعة 7:51:47 PM
- 0 تعليقات
محمد أبو راس / لا ميديا -
شهدت اليمن في 21 أيلول/ سبتمبر 2014 لحظة مفصلية تمثلت في دخول «أنصار الله» (الحوثيين) العاصمة صنعاء، وهو الحدث الذي غيّر توازنات القوة الداخلية وأعاد تشكيل النظام السياسي الهشّ الذي كان قد تأسس بعد الثورة اليمنية في 2011.
التحول الأبرز تمثل في تشكيل سلطة مركزية في العاصمة صنعاء أعادت صياغة الخطاب بما يخدم مواجهة الهيمنة والنفوذ الغربي، من خلال المقاومة الرافضة للهيمنة الأمريكية -السعودية، مع خطاب مضاد لليبرالية الغربية.
فاليمن، وإن كان يُنظر إليه تقليدياً كدولة هامشية، إلا أن موقعه الجغرافي وتحوّلاته الداخلية جعلت منه ساحة صراع إقليمي -دولي متعددة الأبعاد، وتحوّلت الحرب من صراع داخلي إلى ميدان تصفية حسابات جيوسياسية.
البعد الإقليمي
- السعودية: ترى في صعود «الحوثيين» تهديداً مباشراً لأمنها القومي وحدودها الجنوبية، وتخشى من توسع «النفوذ الإيراني» على حدودها. تدخلت عسكرياً منذ مارس 2015 عبر ما أسمته «عاصفة الحزم» بدعم أمريكي وغربي.
- الإمارات: سعت إلى بسط نفوذ بحري في الجنوب والساحل الغربي، وتعزيز قوى موالية لها، كـ«المجلس الانتقالي الجنوبي»، مع تحجيم نفوذ حزب الإصلاح، وهذا الأمر جزء من وظيفتها في الإقليم لنشر الفوضى والصراعات من لعب دور أساسي كمقاول أمني يساهم في إرساء الهيمنة الأمريكية وخدمة «إسرائيل».
- إيران: دعمت جماعة أنصار الله سياسياً وإعلامياً (وعسكرياً)، ما أدى إلى تأطير الصراع كجزء من «حرب بالوكالة».
البعد الدولي
- الولايات المتحدة: رغم خطابها حول دعم الشرعية، ركزت في ممارساتها على حماية الملاحة الدولية، ومكافحة الإرهاب، وتحييد النفوذ الإيراني. دعمت التحالف عسكرياً ولوجستياً في مراحله الأولى، لكنها حافظت على خطاب مزدوج حول «حقوق الإنسان» و«الشرعية».
- القوى الدولية الأخرى (بريطانيا، فرنسا، الصين، روسيا): تعاملت مع اليمن من منظور مصلحي، يرتبط بالممرات المائية (باب المندب)، والتوازنات الإقليمية، ومبيعات الأسلحة، مع مواقف متباينة.
تحليل نقدي للخطاب الأمريكي حول اليمن
يركز هذا الجزء على تحليل الخطاب السياسي الأمريكي حول اليمن بعد ثورة 21 أيلول/ سبتمبر 2014، من منظور نقدي، بهدف تفكيك البنية اللغوية والأيديولوجية للخطاب، والكشف عن الوظائف السياسية التي يؤديها في تشكيل الرأي العام وتبرير السياسات الأمريكية. كما يتناول الكيفية التي بُنيت بها صورة «الحوثيين» و»الشرعية» في هذا الخطاب، وكيف جرى توظيف مفاهيم مثل «الإرهاب» و»الديمقراطية» لخدمة أجندات استراتيجية خفية؟
التحليل اللغوي والأيديولوجي للخطاب السياسي الأمريكي
يتسم الخطاب السياسي الأمريكي تجاه اليمن بعد ثورة أيلول 2014، بمستويين من التناول:
- مستوى إعلامي -رمزي يستخدم مفردات مثل «الشرعية»، «استعادة الدولة»، «الدعم الإنساني»، و«مكافحة الإرهاب».
- مستوى عملي -استراتيجي يتجلى في دعم عسكري للتحالف، بيع الأسلحة، وصمت عن الانتهاكات الحقوقية.
التحليل اللغوي
- استخدام التكرار لعبارات مثل «الشرعية المعترف بها دولياً»، بما يعزز صورة طرف واحد بوصفه ممثلاً وحيداً للدولة.
- إدراج الاستعارات السياسية مثل «استعادة اليمن من المليشيات المدعومة من إيران»، والتي تُؤطّر الصراع بلغة تبسيطية تصنع ثنائية أخلاقية.
- هيمنة لغة التهديد الأمني على حساب القضايا الاجتماعية والإنسانية، حيث يُقدَّم الوضع اليمني باعتباره مشكلة أمنية أكثر من كونه مأساة إنسانية.
التحليل الأيديولوجي
الخطاب الأمريكي لا يُنتج فقط توصيفاً للوضع، بل يُعيد صناعة الواقع السياسي عبر مفاهيم محمّلة بالأيديولوجيا، من أبرزها:
- «الشرعية»: تُوظف كمفهوم غير محايد، يدعم طرفاً محدداً، ويُلغي إمكان الاعتراف بأطراف سياسية أخرى رغم سيطرتها الواقعية على الأرض.
- «الإرهاب»: يُستخدم بانتقائية، حيث تُصنَّف جماعة أنصار الله باعتبارها «تهديداً إرهابياً» حين يتطلب ذلك الضغط السياسي، ثم يُزال التصنيف حين تفرض المصالح تسويات دبلوماسية.
- الديمقراطية وحقوق الإنسان: تُذكر في الخطاب الرسمي، لكن يُغض الطرف عن التحالف مع دول تنتهك هذه المبادئ.
من منظور نقدي، لا يمكن اعتبار هذا الخطاب بريئاً أو موضوعياً، بل هو خطاب مُنتِج للهيمنة ومُعادٍ لأي سردية يمنية مستقلة عن الأجندات الأمريكية والخليجية.
بناء صورة «الحوثيين» و»الشرعية» في الخطاب الأمريكي
أولاً: صورة «الحوثيين» (أنصار الله)
- يُقدَّم «الحوثي» بوصفه «مليشيا مدعومة من إيران»، «قوة انقلابية»، أو «جماعة متطرفة»، مع تجاهل السياق السياسي والاجتماعي الذي مهد لصعوده.
- يُجرد الخطاب الجماعة من صفات الفاعل السياسي الوطني، ويتم شيطنتها من خلال ربطها دائماً بإيران أو «الإرهاب».
النقد المنهجي: بناء الصورة يمر عبر إلغاء السياق اليمني المحلي، وإعادة تأطير الجماعة ضمن الصراع الإقليمي -الدولي، وهو ما يخدم مبررات التدخل الأمريكي والخليجي.
ثانياً: صورة «الشرعية»
- تُقدَّم «الشرعية» ممثلة في الرئيس عبد ربه منصور هادي، ولاحقاً «مجلس القيادة الرئاسي»، كمرجعية وحيدة.
- يتم التغاضي عن فشل هذه «الشرعية» في تحقيق الأمن أو تقديم الخدمات، مع تجاهل التحديات الشعبية والداخلية التي واجهتها.
النقد المنهجي: الخطاب الأمريكي يعتمد على تعريف شكلي لـ«الشرعية» (اعتراف دولي) مع تجاهل المضمون الشعبي أو القانوني، ما يفضح تحيّزاً بنيوياً يخدم القوى المتحالفة.
تناقضات بين الخطاب والمصالح
1. دعم التحالف رغم خطاب حقوق الإنسان
منذ بداية التدخل العسكري في اليمن عام 2015 بقيادة السعودية، أبدت الولايات المتحدة دعماً سياسياً ولوجستياً واستخباراتياً واضحاً للتحالف، وذلك رغم تبنيها خطاباً علنياً يُشدد على ضرورة احترام حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
أشكال الدعم الأمريكي:
- دعم استخباراتي وعملياتي مباشر: عبر تحديد الأهداف، وتزويد الطائرات بالوقود (على الأقل في المراحل الأولى من الحرب).
- مبيعات أسلحة متقدمة: شملت قنابل دقيقة التوجيه، طائرات بدون طيار، وأنظمة دفاعية، رغم إدراك تأثيرها على المدنيين.
- حماية سياسية في المحافل الدولية: من خلال تعطيل قرارات أممية كانت تُطالب بتشكيل لجان تحقيق مستقلة في انتهاكات التحالف.
تحليل نقدي: يتضح التناقض الجذري بين الخطاب الذي يروّج للديمقراطية وحقوق الإنسان، وبين الدعم الفعلي لأطراف متورطة في عمليات قصف ممنهجة ضد البنية التحتية المدنية، مثل المستشفيات، والمدارس، والأسواق.
2. الصمت أو التواطؤ في انتهاكات واضحة
على الرغم من توثيق منظمات دولية كـ«هيومن رايتس ووتش» و«العفو الدولية» و«الأمم المتحدة» لانتهاكات جسيمة ارتكبها «التحالف العربي»، حافظت الولايات المتحدة غالبًا على صمت ملحوظ، أو أصدرت بيانات عامة لا تحمل أي إجراءات ملموسة.
مظاهر الصمت أو التواطؤ:
- التقليل من حجم الكارثة الإنسانية: غالباً ما يُستخدم مصطلح «أزمة إنسانية معقدة» بدل الإشارة المباشرة لأسبابها وهي الغارات والحصار.
- تسييس المساعدات الإنسانية: حيث تُستخدم كوسيلة ضغط، وتُربط بشروط سياسية تخدم أجندة واشنطن أو التحالف.
- غياب الضغط الفعلي لوقف العمليات العسكرية: رغم الاعتراف بتدهور الأوضاع، لم تُمارس ضغوط فعالة لإنهاء الحرب، بل بقيت الأولوية لتأمين التحالفات الجيوسياسية.
تحليل نقدي: الصمت الأمريكي ليس مجرد موقف سلبي، بل هو شكل من أشكال الفعل الرمزي، حيث يتم تطبيع الانتهاك حين لا يُدان، ويُعاد إنتاجه حين يُغضّ الطرف عنه، مما يُسهم في إعادة إنتاج المنظومة الهيمنية بذريعة «الاستقرار».
3. هيمنة الاقتصاد والموقع الجغرافي على الاعتبارات المعلنة
الخطاب الأمريكي يُشدّد على مفاهيم مثل «إعادة الشرعية» و«الحفاظ على الديمقراطية» و«مكافحة الإرهاب»، إلا أن السياسات العملية تكشف عن هيمنة اعتبارات أخرى أكثر واقعية، خاصة الاقتصادية والجيوسياسية.
أولاً: البُعـــــد الجغرافـــــي -الاستراتيجي
- مضيق باب المندب: أحد أهم الممرات المائية عالمياً، والذي تمر عبره نسبة كبيرة من التجارة العالمية والنفط.
- موقع اليمن جنوب شبه الجزيرة العربية: يجعله نقطة وصل بين إفريقيا وآسيا، ومنطقة حساسة في صراع النفوذ الإيراني -السعودي -الإماراتي.
ثانياً: البُعد الاقتصادي
- صناعة السلاح: استمرار الحرب يغذي سوق الأسلحة الأمريكية، التي تستفيد منها شركات كبرى، مثل (رايثيون، لوكهيد مارتن).
- موارد اليمن غير المُستغَلة: تُظهر تقارير وجود احتياطات من الغاز والنفط، فضلاً عن ثروات معدنية نادرة.
تحليل نقدي: ما يُعلَن حول «إرساء السلام» لا يعدو كونه غطاءً خطابياً لمصالح أكثر واقعية، مثل: تأمين تدفق التجارة، منع توسع النفوذ الصيني أو الإيراني، ضمان استمرار صفقات السلاح. بهذا، يصبح الخطاب أداة تمويه لا مرآة للقيم، ويُظهر وجهاً إمبريالياً مموّهاً.
إعادة بناء الفهم: نحو خطاب بديل
- ما الخطاب المضاد الممكن؟
في مقابل الهيمنة الخطابية الأمريكية والغربية، التي تُعيد إنتاج الصراع اليمني من منظور أمني- تبعي، بدأ يتشكل خطاب مقاوم من داخل السياق اليمني نفسه، لاسيما في خطاب السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي، الذي يُعد من أبرز أشكال الخطاب البديل لما يُسمى بـ«المجتمع الدولي»، سواء على مستوى اللغة أو الرؤية أو الغايات.
أولاً: خطاب عبدالملك الحوثي كنتاج بديل
خطاب السيد الحوثي، في سياقه المتكرر منذ 2015، يعيد تشكيل فهم الواقع اليمني انطلاقاً من رؤية سيادية ترتكز على عدة مرتكزات نقدية:
- رفض التبعية والتدخل الخارجي: حيث يضع التدخل الأمريكي -السعودي ضمن منظومة استعمار ناعم، ويُعيد تأريخ العلاقات الدولية مع الغرب باعتبارها علاقات اختلال قيمي واقتصادي وعسكري.
- تفكيك مفاهيم «الشرعية» و«الإرهاب»: يُقدّم قراءة مخالفة للمفاهيم السائدة، معتبراً أن ما تُسمى «شرعية» هي نتاج تدخل دولي، بينما «الإرهاب» هو صفة يتم توظيفها لتجريم المقاومة.
- إعادة بناء الهوية السياسية اليمنية: الخطاب يُبرز الهوية الوطنية -الإيمانية باعتبارها عنصراً مقاوماً، ويستند إلى المرجعية التاريخية والدينية في توليد شرعية بديلة عن «الاعتراف الدولي».
تحليل نقدي: خطاب السيد الحوثي يتجاوز مجرد الرد على الخطاب الأمريكي؛ إنه يُنتج سردية خاصة تحاول تأسيس نموذج معرفي جديد يرى الصراع من زاوية السيادة والكرامة والتحرر، لا من زاوية التسويات الغربية. إنه خطاب يُزعزع المعايير الخطابية التقليدية، ويُحاول فك الارتباط المعرفي -السياسي مع الغرب.
ثانياً: ملامح الخطاب الوطني المقاوم للهيمنة
- خطاب يستمد شرعيته من الأرض، لا من الخارج.
- يعيد تعريف «المصلحة الوطنية» من منظور غير نيوليبرالي.
- يُحمّل التدخل الخارجي مسؤولية إنتاج الصراع، بدل اختزال المعضلة في الداخل فقط.
- يطرح مشروعاً بديلاً للدولة خارج هندسات «مخرجات الحوار الوطني» أو «المبادرة الخليجية».
ختاماً
أولاً:
- دعوة لتوسيع استخدام المنهج النقدي في تحليل الخطابات الدولية، خاصة في البيئات التي تُعاني من تدخل خارجي كثيف.
- الحاجة إلى دراسات ميدانية وتاريخية معمقة حول تحولات الخطاب الأمريكي تجاه اليمن منذ 2001، لرصد المنعطفات والتغيرات البنيوية.
- تشجيع بحوث ما بعد الاستعمار لفهم العلاقة بين القوة والخطاب في السياقات العربية.
ثانياً:
- ضرورة إنتاج إعلام بديل يُعيد سرد القضية اليمنية من الداخل، ولا يستنسخ القوالب الغربية أو الخليجية.
- دعم المنصات التي تتبنى خطاباً ناقداً للهيمنة، وتحترم التعدد اليمني، دون الوقوع في ثنائيات التخوين أو التبعية.
- تدريب الصحفيين والباحثين اليمنيين على أدوات تحليل الخطاب السياسي لتفكيك اللغة المهيمنة وكشف انحيازاتها.
ثالثاً:
- بناء مشروع وطني يمني جامع يعيد إنتاج الخطاب السياسي من منطلق السيادة والكرامة والاستقلال، لا من منطلق البحث عن «اعتراف خارجي».
- الانفتاح على نماذج الخطاب المقاوم، مثل خطاب السيد عبدالملك الحوثي، لكن ضمن إطار وطني شامل يتجاوز البُعد الفئوي.
- تعزيز حضور اليمن في الساحة الدولية عبر خطاب نابع من الذات لا تابع لمنظومات دولية منحازة.
المصدر محمد أبو راس
زيارة جميع مقالات: محمد أبو راس