أجرى اللقاء في دمشق:  أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
العميد المتقاعد تركي الحسن من الخبرات السورية المميزة في المجالات العسكرية والاستراتيجية، والتي كونها من خبراته الكبيرة التي راكمها من خلال خدمته في الوحدات العسكرية الميدانية والأمنية في سورية ولبنان.
ويتميز بأنه متابع ممتاز للأحداث وتطوراتها، بالإضافة إلى أنه مثقف ثقافة شخصية رفيعة وقارئ جيد للتاريخ. هذه الميزات جعلته المحلل السياسي والاستراتيجي المميز للأوضاع في سورية والمنطقة، والضيف الدائم على وسائل الإعلام والمحطات الفضائية العربية والأجنبية، ومطلوباً 
لمراكز الأبحاث العربية والدولية المهتمة بشؤون سورية والمنطقة.
«لا» التقت المحلل العسكري والاستراتيجي العميد المتقاعد تركي الحسن، وكانت هذه القراءة للأوضاع في سورية واليمن والمنطقة.

انسحاب الاحتلال 
 الوضع في سورية والمنطقة معقد جداً.. إذا بدأنا من الملف السوري.. هناك منطقتان ساخنتان هما شرق الفرات أو الجزيرة السورية وإدلب.. لنبدأ من الوضع في الجزيرة، كيف تراه؟
باعتقادي أن المرحلة التي آل إليها الوضع السوري بعد التسويات التي جرت في درعا بقي لدينا قضيتان أساسيتان هما شمال شرق سورية والمقصود منطقة الجزيرة وشرق الفرات، والوضع في إدلب، هذان الوضعان معقدان.
في منطقة الجزيرة، الوضع الأمريكي حتى الآن لم يثبت على قرار نهائي، والوضع هناك مرتبط بالاحتلال الأمريكي أو وجود القواعد الأمريكية في العراق، المعروف أن هناك اتفاقاً جرى ضمن الإطار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق على انسحاب القوات القتالية في نهاية هذا العام، وهناك نقاش وتجاذب بين القوى السياسية في العراق، البعض لا يرغب بسحب هذه القوات، والبعض الآخر يفضل أن تنسحب سريعا، والمقاومة كانت تقول خلال عام، أخيرا وصلت القيادة العراقية أو مجلس الوزراء العراقي والرئيس مصطفى الكاظمي إلى أن الانسحاب سيتم نهاية هذا العام، وأعتقد أن الوضع في منطقة الجزيرة لن يبقى على حاله، لأن إمكانية إمداد القوات الأمريكية الموجودة في منطقة الجزيرة يأتي من العراق تحديداً، والدعم اللوجستي الذي تقوم به شركات ومقاولون أمريكيون، يأتي من الكويت، وتتعرض أرتال الدعم في العراق لضربات المقاومة، فكيف سيتم الدعم اللوجستي للقوات المتواجدة في منطقة الجزيرة، بخاصة أنها بحدود 1000 والمقاولون بين 2000 و3000، قد تبقى قوات في التنف، لأن إمكانية الدعم اللوجستي المقدم لهذه القوات من الأردن موجود، ويمكن أن يتم الدعم مباشرة، بخاصة وأن التنف موجود في منطقة مثلث الحدود السورية- الأردنية- العراقية، وأنا منذ 6 أشهر أقول بأن الأمريكيين سينسحبون من سورية، لأنه لا يمكن إمداد هذه القواعد من العراق.
أما بالنسبة لما بعد الانسحاب الأمريكي من الجزيرة تبقى مسألة «قسد»، وأعتقد في لحظة انسحاب القوات الأمريكية تعتبر «قسد» كجسم عسكري بحكم المنتهية، ويمكن تطبيق كل التسويات على منطقة الجزيرة، وتبقى مسألة أخرى وهي ما كانت تطالب به «قسد» وإمكانية قيام كيان، لنقل إدارة ذاتية أو حكماً ذاتياً، أو شكلاً من أشكال الإدارة التي يختص بها الأكراد، هذا الكلام لا يمكنهم تطبيقه لوحدهم، والحل يصبح في إطار اللامركزية، وقانون الإدارة المحلية.

تراجع الدور الأمريكي
 هناك تعزيز للتواجد الروسي في المنطقة الشمالية والشرقية.. ماذا يعني ذلك وسط تعقيدات المنطقة، والوجود الأمريكي والتركي فيها؟
تعزيز التواجد الروسي في الجزيرة يعبر عن تراجع للدور الأمريكي، والذي جاء بعد التوافق مع العراق لسحب القوات القتالية منه. والوجود الأمريكي في منطقة الجزيرة مرتبط بتواجده في العراق كمسرح عمليات واحد. وفي ظل تراجع الدور الأمريكي في المنطقة وبقرار ذاتي حول التحديات الاستراتيجية التي تواجهه وإعطاء أولوية للتحدي الصيني ويليه الروسي يصبح إعادة نشر القوات الأمريكية في المنطقة كلها متسقا مع الأهداف، وتبريد الملفات إن لم يمكن حلها وفق الرؤية الأمريكية، وقد أبلغت «قسد» بالرغبة والقرار والدفع بها لتوسيط الروس للحوار مع الحكومة السورية.. من هنا فإن الدور الروسي يكبر بحكم القدرة على فتح الحوار بين «قسد» والحكومة.

حل في إدلب
 وماذا عن الوضع في إدلب؟
بالنسبة لإدلب، من المعروف أنه منذ مارس 2020 كان مقررا أن تصل القوات السورية إلى إدلب، وأن تفتح طريق حلب- اللاذقية «M 4»، وقد وقع الرئيس التركي أردوغان مع الرئيس الروسي بوتين على الانسحاب إلى شمال هذا الطريق لمسافة 6 كم، أي إلى مركز مدينة إدلب تقريباً، وأن يفتح طريق اللاذقية- حلب، إلا أن أردوغان ماطل في العامين الماضيين، وأعتقد أن الاتجاه الآن إلى تفعيل هذا الاتفاق، والحل في إدلب سيكون إلى حد ما قريباً من الحل في درعا، بمعنى أن المجموعات الإرهابية هي قسمان، قسم خارجي بمعنى أجانب، وقسم سوريون، الأجنبي سيرحل بالتأكيد.. أما كيف سيرحل؟ فهذه ليست مسؤولية الدولة السورية، بل مسؤولية من أتى بهم، وهذا يقع تحديدا الآن على عاتق الحكومة التركية. أما بالنسبة للسوريين، فيمكن أن تطبق عليهم عناصر التسوية، وفي هذه الحالة نكون قد فصلنا بين المجموعات الإرهابية الخارجية، والمجموعات الإرهابية الداخلية.
إمكانية تطبيق التسوية، نعم موجودة، وهناك شاهد، وهو الفيلق الخامس واللواء الثامن في الفيلق الخامس «في درعا»، طبق عليه تقريبا ما يطبق على التسويات الأخرى، الآن يصار إلى إجراء تسوية للواء الثامن في الفيلق الخامس، وبالتالي هناك إمكانية أن تعود القوات إلى منطقة بصرى الشام في درعا، وبالتالي ما طبق في درعا يمكن أن يطبق في محافظة إدلب. 

خندق واحد
 هل ترى أن الوضع في اليمن مستقل عن الوضع في سورية أم مترابط معه؟
ليس مستقلاً، بل مترابط ومتشابك مع مختلف الملفات، اليمن، سوريا، لبنان، العراق، وفلسطين. وأي إنجاز يحققه طرف في محور المقاومة هو إنجاز لجميع دول المحور، فالمعركة واحدة.

معركة نهاية العدوان
 ما هو تقييمك للوضع في مأرب؟ 
معركة مأرب تنظر لها كل الأطراف بأنها تحدد مصير الحرب، بسبب موقعها الاستراتيجي، لاتصالها بمحافظة شبوة التي تطل على المحيط، وهذا يسرع في إنهاء الحرب ومنع التقسيم. يضاف إلى كل ذلك الأهمية الاقتصادية حيث تنتج مليون برميل نفط يوميا، كل هذه العوامل تجعل من المعركة ذات أهمية خاصة.
الآن تم تحرير 12 مديرية من أصل 14 مديرية، وأرى أن القيادة اليمنية تعاملت بمنتهى المسؤولية في تجنيب المدينة المعارك، للتخفيف من الخسائر البشرية ودمار المدينة، وهي تستميل أبناءها وتحاور القبائل، وقد حققت نجاحات هامة في ذلك، في حين أن التحالف يحاول وقف النار والمحافظة على سيطرته على مأرب، وتقديري أن تحرير المدينة سيتحقق بعد استكمال الحوار مع القبائل وأبناء المدينة.
وأعتقد أن تحرير مأرب سيسرع في إنهاء الحرب وهزيمة العدوان، وستعزز الاقتصاد اليمني وتحافظ على وحدة اليمن.

دور سعودي تخريبي
 برأيك ما هي تداعيات فشل العدوان على مستقبل السعودية والأسرة السعودية؟
ليس سرا أن السعودية اتخذت نهجاً عاماً طيلة قرن من الزمن، يقوم على التدخل المباشر وغير المباشر لمنع النهضة اليمنية عبر شراء الذمم والضمائر وزرع الفرقة وكسب الولاءات ونشر الوهابية، ووصل بها الأمر أن اشتركت في قتل الرئيس إبراهيم الحمدي لأنه صاحب مشروع نهضة اليمن، وكانت خلف حروب اليمن الست التي شنها الرئيس السابق علي صالح (على صعدة)، والمعروف أن النظام السعودي تميز بالاستقرار والتلاحم الداخلي منذ عهد الملك المؤسس عبدالعزيز، ولكن هذه الصورة تغيرت بعدما وصل الملك سلمان وإبعاد أشقائه وأبنائهم، تمهيدا لتسليم ولده ولاية العهد، وبالتالي سيكون الملك القادم، وقد أراد ابن سلمان أن يقدم إنجازاً يبدأ به عهده، فكان العدوان على اليمن، وما أطلق عليه «عاصفة الحزم»، لم يكن للأسرة الحاكمة دور في هذه الحرب ولا للسعوديين، فهي معركته الشخصية، والتي قدر لها أن تنتهي خلال شهرين، والآن نحن في العام السابع، والخسائر السعودية كبيرة سياسيا وعسكريا واقتصاديا، وأمن المملكة في خطر، وزمام الأمور ليست في صالحها، والأمر المنطقي أن هناك من يتحمل ما جرى وتداعياته، وهذا في تقديري سيترك أثره بعد انتهاء الحرب التي لن تتوقف إلا بعد تلبية الشروط اليمنية، بعد ذلك سيأتي الحساب الداخلي ضمن العائلة والشعب السعودي، والذي يجب أن يطال صاحب الحرب المدمرة والعبثية التي طالت البلدين لتحقيق مجد شخصي.

اليد اليمنية ستطال الكيان رغم المسافة
 هناك حديث متزايد عن دخول اليمن ساحة الصراع العربي «الإسرائيلي»، كيف سيتم ذلك مع البعد الجغرافي بين اليمن والكيان الصهيوني؟ 
لم يكن اليمنيون يوما سلبيين تجاه القضية الفلسطينية أو خارج الصراع، فقد شاركوا كأفراد في صفوف الثورة الفلسطينية، وكانت للفصائل الفلسطينية معسكرات للتدريب في اليمن، وكانت إحدى الدول التي احتضنت الفصائل الفلسطينية بعد الخرَوج من بيروت، لذا أعتقد أن تعلق اليمنيين بالقضية متقدم جدا، ولا يمكن لأحد أن يزاود عليهم، ولأن اليمنيين مؤمنون بفلسطين ويرفعون شعار المقاومة الرافض للهيمنة والموت لـ«إسرائيل»، فهم تلقائيا منخرطون في محور المقاومة ذاتيا، وعن وعي وإيمان والتزام طوعي، وبُعد المسافة لن يمنع المشاركة وبأشكال متنوعة، سواء بالتسليح بالصواريخ الدقيقة والطيران المسير والخبرات المتراكمة والمساعدة في تصنيعها أو المشاركة المباشرة في المعارك أو الدعم المادي، أو من خلال حصار السفن والبحرية «الإسرائيلية» في البحر الأحمر وباب المندب والمحيط وحتى السفن التجارية، وهذا يقلق «إسرائيل» الآن، ولهذا تشارك في العدوان الآن بصورة مباشرة.

اعتراف صهيوني
 وسط التطورات الإقليمية والدولية والانتصارات التي يراكمها حلف المقاومة، ما رؤيتك لمستقبل الكيان الصهيوني في المنطقة؟
يمكن أن أربط تاريخيا بين رؤية «الإسرائيليين» المؤسسين أي الآباء المؤسسين وما نحن فيه الآن، في 1956 في لقاء بين ناحوم غولدمان وديفيد بن غوريون، وهما من المؤسسين الثلاثة، يضاف لهم، حاييم وايزمان، وكان بن غوريون رئيساً للوزراء يقول لناحوم «سأقول لك سراً أحتفظ به لنفسي ولا أجرؤ أن أبوح به لزوجتي: أنا بلغت الـ70 بالتأكيد سأعيش بقية عمري في إسرائيل وسأدفن فيها، ولكن ولدي الذي يتجه إلى الـ50 لا أضمن أنه سيكمل باقي عمره في إسرائيل ويدفن بها، يا ناحوم أخذنا الأرض وشرّدناهم وطردناهم.. إلخ، كنا نعتقد أن الأمر قد انتهى بالنسبة لنا، لكن تبين أن القضية مستمرة». هذا يعني أن الاعتماد على مبدأ أن الآباء يموتون والأبناء ينسون، غير صحيح.
إذا أخذنا تسلسل الأحداث في فلسطين المحتلة حتى الآن منذ نشأتها حتى الآن يكفي أن نذكر ما جرى في معركة «سيف القدس» لا غيرها، عندما استطاعت غزة ذات المساحة 360 كم2 أن تطلق حوالي 4000 صاروخ، في البدء قال «الإسرائيليون» إنهم أسقطوا 90٪ منها، ثم عادوا ليقولوا بأنه سقط عليهم ما يقارب حوالي 90 أو 80٪ والمتشددون يقولون 70٪ إذا كانت غزة لوحدها قد قامت بذلك، ما المصير الذي ينتظر هؤلاء؟
ثانياً: معركة «سيف القدس» طرحت شيئاً جديداً، وهو أن هناك جبهات عديدة في «إسرائيل»، والاستراتيجيون في «إسرائيل» يقولون إننا أصبحنا أمام عدة جبهات، في السابق كانت «إسرائيل» تقاتل على الحدود و«الإسرائيليون» يعيشون في الملاهي والشواطئ، وفي معركة «سيف القدس»، كل «الإسرائيليون» كانوا في الملاجئ وكل المدن والبلدات «الإسرائيلية» كانت أهدافاً تطالها صواريخ المقاومة.

مستقبل سيئ جداً
 وماذا يقول هؤلاء الاستراتيجيون عن هذه الجبهات؟
ما قرأته مؤخراً حول الاستراتيجيين «الإسرائيليين» الذين يقولون بالجبهات التي يمكن أن تشتعل أمام «إسرائيل»، بدلاً من أن تكون جبهة شمالية سابقاً، الآن هناك جبهات، وأخطر جبهة في «إسرائيل» هي جبهة الداخل، والشيء الذي أضيف مجدداً في هذه المعركة هي جبهة عرب 1948 عرب الداخل، هؤلاء الذين قاموا وسيطروا على مدن وفقدت «إسرائيل» السيطرة على هذه المدن، وفاجأوا «الإسرائيليين»، وبالتالي هذا الأمر عندما يتم قراءته بشكل صحيح، نجد أن معركة «سيف القدس» وحرب عام 2006 على لبنان، ثم حروب عام 2008 و2012 و2014 على غزة، هذه المعارك شكلت بالنسبة للإسرائيلي عبارة عن كي للوعي، وحالة جديدة بحيث إن «الإسرائيلي» أصبح يقول لم تعد «إسرائيل» هي مشروع الرفاه، «الإسرائيلي» عندما أتى إلى «إسرائيل» كان يراها فرصة والأمن متحقق وبنفس الوقت الدخل والرفاهية موجودة، والآن «الإسرائيلي» يعاني وعامل الخوف موجود لدى كل الإسرائيليين، في 2006 نزح من شمال فلسطين المحتلة وحده نصف مليون باتجاه الجنوب، وعدد الذين هاجروا من «إسرائيل» منذ عام 2017 حتى الآن -وهذه إحصائية إسرائيلية- مليون و175 ألفاً. وهذا يشكل خطراً ديموغرافياً على «إسرائيل» لن تستطيع تعويضه بالهجرة إليها، وهذا نتيجة عامل الخوف والتشكيك في أنها لم تعد فرصة، وبنفس الوقت جيشها لم يعد قادرا على حماية الإسرائيليين، هذا سيشكل أكبر تهديد لـ»إسرائيل»، وبالتالي نعتقد أن «إسرائيل» أمام مستقبل سيئ جداً، وفي داخل أعماق «الإسرائيليين» يؤمنون إيماناً كاملاً أن هذا المستقبل قاتم.
«الإسرائيليون» الآن يدرسون المعارك القادمة ومتى سيخسرون المعركة القادمة، وهم في التقارير الاستراتيجية التي يصدرها مركز دراسات الأمن القومي وتقدم إلى رئيس الدولة في بداية كل عام، وسيصدر هذا التقرير في الشهر الأول من العام المقبل، يقولون استناداً للواقع الذي كانت فيه سورية تتخبط في دمائها في 2011 حتى عام 2016 كان مستوى التهديد في الحرب 0 ٪ وفي 2017 ارتفعت إلى 1 ٪ في 2018 إلى 10 ٪ وفي 2019 أصبحت المعركة يقينية، أي أن المعركة قادمة، ويمكن أن تكون على كل الجبهات «الإسرائيلية»، جبهة غزة، وجبهة الساحل، والجبهة الشمالية مع المقاومة اللبنانية، والجبهة الشمالية الشرقية مع سورية، والجبهة الداخلية وهي أصعب الجبهات.

سيناريو الخوف والهجرة
 هناك عدة سيناريوهات أمام مستقبل «إسرائيل»، الأول أن تخسر معركة كبرى تؤدي إلى انهيارها وهو ما حذر منه بن غوريون، والثاني فقدان الأمل عند المجتمع وهجرة كبيرة وجماعية، والثالث حل سياسي وأن تصبح دولة لكل سكانها. بين هذه السيناريوهات ماذا ترجح؟
الطاقم السياسي في «إسرائيل» سواء كان اليمين المتطرف أو المعتدلين حتى الآن، لا يقبلون بحل الدولة ولا حل الدولتين، لأن «إسرائيل» ذهبت إلى التطرف نتيجة ما جرى في الأعوام الماضية منذ زيارة السادات للقدس واتفاق السلام بين مصر و«إسرائيل»، ثم اتفاقات وادي عربة وأوسلو وإلى آخره، أنا أرجح الثاني وهو عامل الخوف والهجرة، وهذا ما يتم الآن وقد أتيت بمثال.
الآن ليس هناك قيادة «إسرائيلية» قوية وتاريخية تتخذ القرار، في 1967 مؤسس «إسرائيل» ديفيد بن غوريون كان مع القرار 242 وكان مع الانسحاب، وناحوم غولدمان كان مع الانسحاب، إلا أن المتطرفين أخرجوهما وهم يقولون إننا انتصرنا، وهل يمكن بعد توحيد الدولة وتحقيق حلم «إسرائيل» في القدس إلى آخره أن ننسحب؟ لا نقبل بذلك.
الآن الواقع «الإسرائيلي» مأزوم، يتجه من اليمين نحو اليمين المتطرف، وبالتالي لا يوجد هناك عقلانية سياسية الآن في «إسرائيل»، يحكم التطرف كل شيء، وبالتالي إمكانية الحل السياسي غير متوفرة، لا من خلال اتفاقات ولا حل الدولتين ولا الدولة الديموقراطية، فـ«إسرائيل» تقوم على اللاديموقراطية وعلى التمييز بين اليهود والعرب، وهذا سيؤدي إلى ترجيح الحل الثاني وهو الهجرة، وهذه الهجرة ستدفع إلى أن يكون هناك توازن ديموغرافي سيأخذ وقتاً يقال إنه في التقديرات الحالية كما قرأت وفي واقع العرب واليهود في الأرض المحتلة إننا في 2050 سيتساوى في فلسطين المحتلة عدد سكان العرب واليهود، وحينذاك سيأتي الحل السياسي، لأن هؤلاء سيمثلون في الكنيست، بنفس الوقت حقهم في المواطنة وإن كانوا الآن لا يأخذون حقوقهم.

تحديات وجودية
 ارتفعت هذه الفترة درجة التهديد والتوتر بين الولايات المتحدة وكل من الصين وروسيا.. هل تتوقع أن يؤدي التصعيد إلى نشوب حرب بينها؟
من خلال قراءتي للاستراتيجية الدفاعية الأمريكية المؤقتة التي أعلنها الرئيس بايدن في آذار/مارس من العام الجاري، حدد أن الأخطار والتحديات الوجودية لأمريكا هي:
ـ تحدٍ سياسي عسكري تتقدمه روسيا وخلفها الصين.
ـ تحدٍ تجاري ومالي تتقدمه الصين وخلفها روسيا.
ـ تحدٍ تكنولوجيا سيبراني تتقدمه الصين وخلفها روسيا. 
ومن استعراض هذه التحديات نجد أن الولايات المتحدة حددت أولوياتها في المستقبل، ومع من سيكون الصراع، ولكن رغم ذلك لا أعتقد بقيام الحرب، سيكون هناك تنافس كبير مع الحرص كأقطاب ألا تذهب للحروب المباشرة بينها، وإنما -كما قال بايدن في القمة التلفزيونية مع الرئيس شي جين بنغ- سننظم التنافس بيننا دون الانزلاق إلى حرب، وهذا لا يمنع تطوير القدرات العسكرية والضغوط الاقتصادية المتبادلة ومحاولات حصار بعضهم، مع إشعال نيران غير مباشرة، وإنما حرائق إقليمية للتأثير على اقتصاديات بعضها بعضاً.