منعاً للاستغلال والعبثية الفكرية
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
من أشد وأقسى الأمور التي لا قبل للحر في احتمالها، هي: تلك المساعي المحمومة من قبل بعض أقلامنا الوطنية، الرامية لإخراج ثورتنا من مقام قدسيتها، المحفوف بطهر دماء العامة من الناس، والمسجى بجماجم وأجساد المستضعفين، الذين نهضوا استجابة لله، لا استجابة لنكف، ولا امتثال لمرقوم قبلي؛ ليدخلوها في دواوين المشيخات القبلية، ويلبسوها شيلان الوجهاء والأعيان، ويجعلوها مدينة لكبار القوم.
وهم ما فعلوا ذلك وسيفعلونه إلا لأنهم جاهلون بأسس ومنطلقات مسار الشعب الثوري، التي تأتي في مقدمتها هذه المنطلقات كمثال:
أولاً الارتباط بالله سبحانه، ارتباطاً قائماً على الاخلاص له بالعبودية، إقراراً بوحدانيته، واعترافاً بنعمه وعظمته، وامتثالاً لأمره، وانقياداً تاماً وتسليماً مطلقاً له، في كل شيء، إلى الدرجة التي تتلاشى معها الذات، بحيث تصبح خالية من كل نزعة، يدفع باتجاهها هوى، أو تدعو إليها أنانية، وبذلك يتعزز في الوجدان الدافع للعمل الصالح، بما يعبر عن مستوى الإيمان، ويوحي بالاستقامة عليه، مع سلامةٍ في القصد، وسموٍ في الهدف والغاية، فتنمو بموجب ذلك الإرادة، وتشتد العزيمة، من أجل تحقيق النقلة النوعية، في تغيير الواقع السيئ، ومحاربة الطواغيت والظالمين، وصولاً لإرساء قواعد العدالة، وتحقيق الاستقلال والحرية، وإيجاد موجبات العزة، كل ذلك مع التركيز على التحرك الدائم من قبل العاملين، على الانطلاقة في مواجهة الخطر الذي يتهدد وجودنا، في جبهتين، جبهة العدو الظاهري، والعدو الخفي، المتمثل بالنفس وما يعتريها من مطامع ونزعات وأهواء، وهذا العدو هو الأشد خطراً والأعظم دماراً وضرراً على الحياة والواقع كله.
وثانياً إن وجود مسيرتنا وخطنا ليس وجودا طارئا، ظهر فجأة ودون مقدمات، أو ارتبط بالقبيلة وعلية القوم، وإنما هو وجود راسخ الجذور، واضح المعالم، له صولات وجولات عبر الزمن، من خلال رجال صدقوا، نسبهم الحق، وقبيلتهم العبودية لله، وشرفهم الشهادة في سبيله. ويمثل أنبياء الله ورسله عليهم السلام، والصالحون من عباده وأولياؤه سبحانه، المقام الذي نتطلع إليه، بغرض التأسي والاقتداء، لكون وجودنا ما هو إلا امتداد لوجودهم ونهجهم وحركتهم، ورسالتهم في هذه الحياة، وبذلك تكتسب حركتنا الأصالة والحيوية والقوة والثبات.
وثالثاً إن تحركنا لم يكن رغبةً بالانتصار للقبلية، ولا نتيجة التأثر بالسلف والعرف، ولا تحت راية حاشدي وبكيلي، ولم يكن مبنياً على فلسفات ورؤى تبنتها النخبة، من مفكرين وسياسيين وغيرهم.. وإنما كان نتيجة استجابة واعية وحقيقية لله، من قبل عامة الناس، وفقراء وبسطاء وكادحي هذا المجتمع، قبل غيرهم، وهذا الشيء هو الذي يمنحنا الثقة بأن ثورتنا لن تؤطر بإطار نخبوي استعلائي، ولن تموت في أدراج المنظرين، وإنما ستبقى حيةً وفاعلة، تمتلك روحية المبادرة، في اقتحام كل ساحات الخطوب، من موقع القدرة على التأثير والعطاء، لأنها مُهرت بدماء ودموع ومعاناة عامة الناس، الذين سيظلون مخلصين لها، من خلال الحضور الدائم في مختلف ساحاتها، منعاً للاستغلال والعبثية.

أترك تعليقاً

التعليقات