الخروج من مأزق «عدم وجود البديل»
 

عبدالفتاح حيدرة

عبدالفتاح حيدرة / لا ميديا -
إن الحديث بوعي هذه الأيام هو حديث سياسي بامتياز، فهو حديث عن استمرار الفشل والفساد، وعن تحدي مؤسسات الدولة للشرع والعُرف والقانون، وعن الاحتقان الجماهيري الذي يغذيه ويسمن عجوله العدو، وعن توقع اشتعال فتنة لا يعلم مداها إلا الله.
إن شرع الله وأعراف الإنسان والقانون والسياسة والوعي يقولون إنه في حالة الحرب مع عدو خارجي فالديمقراطية لا تصلح مع الانتهازيين والأنانيين وثقافة الجهل المعرفي والتخلف العقلي، ولا تملك ديمقراطية المحاصصة والشراكة السياسية معالجة كل تلك الأمراض والعاهات. الأمر يتطلب أن تتطهر الأرض أولا من الأعشاب الضارة والحشرات السامة التي تعتاش وتتغذى من فواكه الفساد والفشل.
من المقولات الرائجة لدى أنظمة الشراكات والمحاصصات السياسية ومؤيديهم أنه لا يوجد «بديل»، وربما نتفق جزئياً معهم في عدم وجود بديل جاهز وقادر بالفعل؛ لكن من صنع هذه الحالة التي جعلت بلداً تعداده فوق الثلاثين مليونا ليس به شخص واحد جاهز ليكون البديل؟! هذه الحالة صنعتها حالة الخنق المستمرة للحياة السياسية، والحياة السياسية الطبيعية هي المسؤول الأول عن إيجاد البدائل، وبالتالي فحالة عدم وجود بديل صنعها النظام ذاته، وليس عيباً في تركيبة هذا الشعب.
كما أن انتظار البديل الجاهز في ظل الخنق المستمر للحياة السياسية لن يحدث. ومن هنا لن يكون أمام الشعب سوى المحاولة والخطأ. اختياراته لن تكون صحيحة على الدوام، ولن تكون صائبة بشكل كامل؛ لكنها في النهاية ستخلق مع مرور الوقت البديل القادر والمستعد.
على مدى عقود أوقعتنا الأنظمة المستبدة في حفرة «عدم وجود بديل»، وتطالبنا بعدم الخروج منها؛ لأن ذلك سيكون مكلفا وصعبا وكارثيا؛ لكن السؤال: هل هناك مسار آخر أكثر أمنا للخروج من مأزق هذه الحفرة؟!
إن الخروج من هذه الحفرة الخبيثة يحتاج قدرا كبيرا من الشجاعة والتهور، لا الحكمة والتأمل. نحن نمتلك رؤية واضحة وصلبة لأهداف التغيير التاريخي المطلوب، يمكن تلخيصه في إسقاط دولة التبعية، وإنجاز الاستقلال السياسي والاقتصادي، على قاعدة الانتماء والولاء الإيماني والوطني والقومي، توطئة لتوفير الشروط الموضوعية لدولة الوحدة الديمقراطية، وتأكيد أن الصراع العربي - الصهيوني صراع وجود لا صراع حدود، وأننا ضد التفاوض والصلح والاعتراف بالعدو الصهيوني، وأننا ضد الرأسمالية في الاقتصاد وضد الليبرالية في السياسة، وأننا نؤمن بالديمقراطية الشعبية، وليس بالتعددية الحزبية الشكلية التي تعمل على تقسيم الوطن والأمة وإضعافهما أمام أعدائهما في الداخل الرجعي وممثلي الرأسمالية العالمية، وفي الخارج أمام قوى الاستعمار الحديث بكل أشكاله وأدواته وأساليبه.
إن الخروج من حفرة غياب البديل هو أننا نؤمن بأن الجماهير الثورية هي صاحبة المصلحة، ولا بد أن تكون هي الضامن والمدافع الحقيقي عن عملية التغيير، وبالتالي لا بد من توفير آليات حقيقية -لا مصطنعة- للرقابة والمتابعة والمحاسبة والعقاب، وأخيرا أن نكون ممتلئين بوعي تام أن الصراع الدائر يضم طرفين فقط: معسكر الحق، وهو معسكر الأمة وجماهير ثورتها، ومعسكر الباطل، وهو معسكر القوى المضادة للثورة، ولا ثالث لهما، وكل من يدعي عدم الانتماء لأحدهما كاذب يستهدف إبقاء الأوضاع كما هي عليه، في مستنقع الفشل والفساد. وعلى كل من يؤمن بهذه الرؤية تبنيها والدعوة إليها والبناء على أساسها، وطرح أساليبها وأدواتها، واقتراح آلياتها وفعالياتها، ورفع شعاراتها، يوما وراء يوم.

أترك تعليقاً

التعليقات