سوق نخاسة الانتهازيين
 

عبدالفتاح حيدرة

عبدالفتاح حيدرة / لا ميديا -
مع الهدنة هذه أصبح الكثير منا معزولين عن كل شيء للأسف، لم نعد نلتقي أو نتواصل أو نتعامل مع أحد من القيادات في الدولة أو حتى القيادات الثورية والوطنية والثقافية الرسمية وغير الرسمية، إلا من خلال أولئك الذين لا يحترمون إلا نجاح المُعرّصين وفهلوة الانتهازيين، أولئك الذين لا يثقون بأحد، إلا بمن لديه طريقة لنيل المكاسب المادية والمناصب الإدارية، وهؤلاء نعرف جيدا أن داخل كل واحد منهم انتهازياً مادياً وقحاً، يأخذ فرصته وفرص غيره.
وللأسف، مرة أخرى بات جهل البعض بهم يعمل على حشر خلق الله في زوايا معارك مصالح الانتهازيين الضيقة. ومن خلال هذه الزاوية المظلمة فإن قبول الشخص أو رفضه دفع بالكثير للدخول في سوق نخاسة الانتهازيين، وتم تقييمه وتثمينه ماديا (بيع وشراء). والمصيبة الأكبر، على ما يبدو، أن هناك تقييماً رسمياً وشبه رسمي لتحرك أو نشاط كل شخص من خلال ثمنه المادي، وليس قيمته الفكرية والأخلاقية والدينية والوطنية والإنسانية.
إن التقييم المادي الذي توسع الانتهازيون والمُعرّصون في انتشاره، يعد من المؤشرات الأساسية التي تجعلك تعرف أن هناك زبالة انتهازية تدعي دوماً القيم والمبادئ، لا تميز بين القيمة الأخلاقية والثمن المعنوي. ولأن قيمتهم أصلاً مادية متدنية وثمنهم رخيص، أصبح ذلك ينعكس على كافة ممارساتهم وتصرفاتهم مع الآخرين، بدءاً من حديثهم وسلوكياتهم ومعاملاتهم الشخصية، مروراً بدوائر معارفهم وحتى عملهم الوظيفي والمهني والإداري. كل شيء محكوم عليه مسبقاً، عند هؤلاء النفر، بمقياس أن لكل شخص ثمناً وقيمة مادية، وليس قيمة معرفية ووطنية وأخلاقية وموقفه وصموده وتضحيته ووعيه.
إذا كانت مسألة تقييم الآخرين من خلال ثمنهم المادي، وليس من خلال قيمتهم الفكرية والمعرفية، فلدينا في اليمن أكبر صورة لمن اختاروا أسلوب الثمن المادي هذا والقيمة المادية تلك، ونشاهد من خلالهم كل يوم أوسخ وأتفه نماذج الخيانة والعمالة والارتزاق ونماذج العمل الانتهازي الرخيص، والذي دفع بهم ليبيعوا دينهم ووطنهم من أجل بضعة ريالات ودراهم. هؤلاء المرتزقة والعملاء والخونة أكبر تجسيد حي لهذا التقييم المادي الرخيص، بعكس أصحاب القيمة الفكرية والوطنية والإنسانية الواعية، الذين خاضوا ويخوضون كل معارك الدفاع عن عرض وأرض شعبهم ووطنهم، ولديهم وعي تام بأن كل معاركهم ضد العدو مهمة جدا، مهما كانت صغيرة وفرعية، ومهما رآها الآخرون تافهة، فكلها معارك مهمة وضرورية عندهم، بغض النظر عن الانتصار فيها أو حتى خسارتها؛ لأن الحقيقة اليوم هي أن لكل مواطن يمني حر وشريف قيمة معنوية عليا وسامية مرتبطة بالله وكتابه والسيد القائد والوطن والإنسانية، وهي قيمة أكبر من كل أموال ووظائف الدنيا.
ختاماً: إن ذكاء الانتهازي ليس شرطاً للانتماء الديني أو الوطني أو الثقافي، فهناك متدينون ووطنيون ومثقفون جداً، طلعوا أغبياء وخونة وعملاء ومرتزقة تافهين ورخيصين جدا، قبلوا بالاشتراك مع العدو في قتل وحصار شعبهم وأهلهم وقبائلهم.
ومع كل هذا القبح الرخيص بقيت الجماهير اليمنية التي تئن وتعاني يومياً من حرب وحصار وغلاء وتجويع وخراب، لم تصدق كل الأغبياء من نخب الأحزاب السياسية والأيديولوجية والوطنية والثقافية خلال السنوات الماضية، وكل ما حدث ويحدث كانت تتوقعه الجماهير اليمنية بكل الصور والأشكال الممكنة، وهي تتعلم من تجاربها المريرة هذه، ولن تكررها مرة أخرى بأي شكل من الأشكال؛ لأنها ببساطة شديدة جماهير واعية بدينها وأخلاقها ووطنيتها، وتعرف جيدا قيمة قياداتها الثورية الدينية والإيمانية والوطنية والفكرية والسياسية والأخلاقية، وتساندها وتقف معها في أحلك الظروف، وتدفع الثمن من دمائها وحياتها حتى يتم استكمال مشوار التحرر والاستقلال، وبعدها كل واحد سيعرف ثمنه وقيمته.

أترك تعليقاً

التعليقات