الجنوب القسري
- وميض شاكر الجمعة , 25 نـوفـمـبـر , 2016 الساعة 7:00:08 AM
- 0 تعليقات
يزور الرئيس هادي عدن هذه الأيام، ويجتمع بالقيادات هناك، هذا أمر جيد قد يفعل خيراً في مساعدة الناس على تسيير أمورهم وتوفير ما يحتاجونه من خدمات. لكن، هناك أمر غير جيد صاحب زيارة هادي واجتماعاته: تهليل الناس بكون هادي والمجتمعين معه كلهم جنوبيين في عاصمة «الشرعية اليمنية».
بهذا التهليل، وهذا التفكير، وهذه العقلية، يصعب علي الاقتناع بجدوى تشكيل دولة منفصلة للجنوب. ففي علوم السياسة، تبنى الدول على أساسين متينين هما الايديولوجية والمجتمع، لا يملك قادة مشروع الدولة في الجنوب أياًّ منهما حتى الآن.
هل للجنوبيين ايديولوجية؟ أو ما هي ايديولوجية الدولة في الجنوب، إذا افترضنا أن هناك مشروعاً لدولة الجنوب؟ إذا ما انتهى الساسة الجنوبيون من تشكيل هذه الايديولوجية والاتفاق عليها، أو قاموا بأحياء ما كان موجودا، سيضطرون على التخلي عن التهليل والتفكير بالقضايا الصغيرة التي تعتبرونها اليوم أولوية. ما سيجدون انفسهم عليه حينها هو صياغة رؤية سياسية شاملة يقدمونها ليس للجنوب فقط، ولكن للشمال أيضا، إذ من الضروري أن تشمل الرؤية علاقة دولة الجنوب بالشمال بحكم الجوار والأمن القومي على الأقل. كذلك ستمتد رؤيتهم الى الاقليم كالخليج والدول العربية، وكذلك العالم. هنا سيجدون انفسهم مضطرين مرة ثانية إلى مراعاة مصالح الفاعلين في المنطقة، وهي في مجملها «الرسمي»- كما تؤكد عليه قرارات مجلس الأمن مثلاً- مصالح داعية لوحدة واستقرار اليمن.
هل يعرف الجنوبيون أنفسهم حقاً؟ أو ما المجتمع الذي سيعقدون معه اتفاقا يكون على أساسه تشكيل الدولة؟ هذا ما يعرف في علم السياسة «بالعقد الاجتماعي».
في تاريخنا العربي، تقريباً نجحت معظم الأنظمة في تشكيل الرؤى السياسية للدول، لكنها لم تنجح في تحقيق الاستقرار لهذه الدول لأنها لم تنجح في صناعة عقد اجتماعي رصين. يعود عدم نجاحها، من وجهة نظري المبنية على وجهات نظر كتاب ومفكرين، الى أن العربي بتراثه السياسي المحمول إلينا عبر الدول الإسلامية الكثيرة التي تعاقبت خلال الـ12 قرناً الماضية- الى الدولة العثمانية- وكانت دول ما تتشكل حتى تنهار وتقوم أخرى مكانها، لم يعرف ساستها ومفكروها- ما عدا ابن خلدون- معنى «المجتمع». لقد كانوا يظنونه مجتمعاً مسلماً وكفى.
هذا الجهل بالمجتمع ولد تراثاً مضطرباً غير مستقر وهو ما ورثناه إلى اليوم. حتى أن العرب يطلقون لفظة مجتمع على كل شيء من مجموعة الناس في القرية الى كل الناس في البلد إلى الشعب والأمة ثم الرعايا وأخيراً المواطنين.
لا أمتلك الإجابة التي أستطيع من خلالها أن أعرف أو أصف مجتمع الجنوب، ولكني أعرف لماذا يؤكد علم السياسة على اتخاذ لفظة «مجتمع» عند الحديث عن تشكيل الدول، إذ لا يقول شعب الجنوب مثلاً، لا يقول أمة الجنوب ولا مواطني الجنوب. ما يجب قوله في هذه المرحلة قبيل تشكيل دولة الجنوب- حيث لا دولة رسمية على الأقل- هو مجتمع الجنوب.
هنا تكمن القصة بتفاصيلها، ما هو مجتمع الجنوب؟ المجتمع ليس الناس فقط، انه بنية الناس التاريخية والثقافية والاجتماعية والسياسية التي يتفاعلون ويبنون علاقاتهم وينشطون ويشكلون آراءهم وفقاً لتفاصيلها، تلك التفاصيل التي لم تكتب قط على لوحة عند بوابة كل مجتمع في أي مكان في العالم، ولكنها محفورة في وجدان كل فرد من أفراده.
مثلاً، أن تقول لأفراد الجنوب: أنتم لستم يمنيين بل جنوبيين. هذا القول سيحقق لهم البهجة، ولكنها بهجة آنية، سيبتهجون الآن فقط بحكم حالة الصراع الجنوبي-الشمالي. لاحقاً سرعان ما ستزول بهجتهم حال ارتطامها بكتلة الوجدان المجتمعية التي خلفتها آلاف السنين في فكر ومشاعر الناس وأسست على ضوئها هويتهم، إنها شرط كينونتهم أو وجودهم إن أحببتم. باختصار، توصيف المجتمع اليمني في جنوبه بالجنوبي قسراً على هذا النحو هو عامل اضطراب لا استقرار.
الأمثلة الأخرى كثيرة، ولكنها كلها تدور حول محورية اعتبار المجتمع، واعتبار تفاصيله في صلب مناهج السياسة الرامية لتشكيل الدول. فإذا كانت الايديولوجية أو الرؤية هي ما تعطي للدولة إطارها أو رمزها السياسي، فإن المجتمع هو من يعطي الدولة الشرعية، ليس الشرعية هو المهم في عالم غير ديمقراطي، ولكن المجتمع هو ما يعطيها الاستقرار، ما يمنحها كينونته أو وجوده.
المصدر وميض شاكر
زيارة جميع مقالات: وميض شاكر