في عامها الحادي عشر.. هل نجحت «21 أيلول» في الحد من دكتاتورية البلداء؟!
- محمد القيرعي الأحد , 21 سـبـتـمـبـر , 2025 الساعة 1:47:18 AM
- 0 تعليقات
محمد القيرعي / لا ميديا -
كان الفوهرر أدولف هتلر فاشلاً في حياته الاجتماعية والأسرية، وفي دراسته وتطلعاته المهنية أيضاً، ومع هذا فقد تسببت دكتاتوريته العنصرية النازية التي ولدتها ظروف الفوضى القومية في ألمانيا منتصف القرن الفائت بمقتل 55 مليون إنسان تقريباً، وفي خراب أغلب مدن وحواضر أوروبا.
وكذلك كان مولانا الرئيس السابق علي عبدالله صالح شبه أمي أيضاً من الناحية المعرفية والعلمية، وإن كان أكثر بلاغة خطابية من خَلَفه أفندم الرذيلة هادي، الذي لم يكن يفرق في الواقع ما بين كلمتي "لم" و"لن"، مثلما كان خط يد حاكم دولتنا العميقة والمثخنة بالماضيوية الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر يشبه إلى حد بعيد الرسوم السوريالية، بحيث كان يحتاج في الواقع إلى مترجم حصيف أو خبير علمي بفك الرموز والطلاسم المرسومة لترجمة فحواه.
ومع هذا فقد حكمونا جميعاً بالحديد والنار، إلى حد أنهم نجحوا وعلى امتداد مراحل العملية الثورية الوطنية سبتمبر الأم 1962 في ضرب وتقويض كل أسس السلام والمواطنة والتقدم والاستقرار والبناء التنموي والهوية الوطنية، من خلال الفوضى والصراعات الأهلية والحروب لمتوالية والانقسامات الطبقية والقومية التي أنتجوها بدرجة تجعل من الصعوبة بمكان اليوم رأب صدوعها.
اليوم انبثقت من رحم ماضيهم المأساوي ذاك، ثورة اتسمت منذ انطلاقتها الأولى بالطابع الشعبي والجماهيري والمدني الصرف، وهي ثورة 21 أيلول 2014، ما عزز إيمان غالبية القوى الجماهيرية والحركية المكدودة والملتفة حول عقالها، بأنه حان الوقت للتخلص الفعلي من تبلد الدكتاتوريات وبلادة الدكتاتوريين الذين تعاقبوا على تخضيب ملامح وطننا المكلوم بدماء أبنائه وأحراره. فهل نجحت "21 أيلول"، يا ترى، في تحقيق هذا المسعى الحضاري والتقدمي والانتصار لقضايا القوى الجماهيرية والمدنية والحركية التواقة لامتطاء ركب الحضارة الإنسانية الحقة؟! أم أنها أخفقت وتعثرت كسابقاتها في تحقيق التحولات الاجتماعية والحضارية والثورية المطلوبة على الصعيد الوطني ككل؟!
بالتأكيد كان لـ"21 أيلول" نجاحاتها المعينة في جوانب عدة وملموسة، منها استنهاض عناصر الكرامة الوطنية والقومية الموءودة في مواجهة العدوان الفاشي الإخضاعي، بالإضافة إلى نجاحها في قيادة معركة الكرامة الوطنية باقتدار من خلال قدرتها الفريدة والخلاقة (كعملية ثورية) في حشد وتنظيم القوى والإمكانات البشرية والجماهيرية واللوجستية والمادية التي تمكنت من خلالها، ورغم شحتها ومحدوديتها، من تسطير أروع صور ملاحم الكفاح التحرري (بشقيه القومي والوطني) وتحويل مسار الكفاح المقدس إلى عقيدة وطنية وشعبية راسخة، بالإضافة إلى نجاحها في تحويل البؤس والدمار الناجم عن الحرب الائتلافية العدوانية في حياة شعبنا وفي محيط مدننا وقرانا المدمرة إلى مرابض حية وحقيقية للثبات الوطني (المعجزة)، محققة من خلاله توازناً ردعياً ونوعياً مرعباً في مضمار المواجهة المفروضة علينا قسراً، عبر الإبداع الذاتي الذي أذهل العالم من حولنا في ابتداع كل سبل ووسائل الدفاع والمواجهة التي قضّت ولا تزال تقضّ حتى اللحظة مضاجع العدو، من الرياض وأبوظبي إلى البحرين الأحمر والعربي، وصولاً إلى "أورشليم" الدخيلة.
أما إخفاقها، أي "21 أيلول"، فيتجلى في الحد أولاً من مكامن الفساد (بجوانبه الذمي والأخلاقي والأيديولوجي) الذي يشكل الأساس الفلسفي للعملية الثورية برمتها.
فعلى مستوى الفساد الذمي والمالي الموروث من حواصل القرون الوسطى، نستطيع القول إن الثورة، وإن كانت قد نجحت فعلاً في تجفيف بعض منابعه الظاهرة في العديد من الهيئات والإدارات الحكومية المناطة بتسيير الشؤون العامة واليومية للمجتمع، إلا أن الفساد لا يزال مستشرياً وبدرجة مخيفة وكارثية في أشكال وطرق عدة، وإن كانت مبطنة ومبهمة في العديد من جوانبها المخفية والمؤصلة في حواصل العديد من بؤر الفساد المحصنة بالسلطة السياسية والثورية والمبندقين، بشكل جعلها عصية على أي جهد تطويعي، ما يعني أن الفساد الذمي والأخلاقي لا يزال يتسم في العديد من جوانبه بالطبيعة الثورية الصرفة والمخلة بأهم الأسس والمرتكزات الفلسفية لأيلول 2014، التي أنتجتها في الأساس الحاجة الاجتماعية والوطنية الملحة للخلاص من براثن الفوضى والفساد والتخلف الحضاري والإثني والماضيوي.
ويكمن الفساد الفلسفي والأخلاقي، الذي لا يزال يعتري مسار العملية الثورية، في استشراء مظاهر الخلل الكامنة في بنيان الشراكة والمواطنة المتساوية والمفترض بناؤها على أساس تكافؤ الفرص والامتيازات، بالنظر إلى شيوع مظاهر الإقصاء القائمة على مبدأ المحاصصة والاستحواذ المغنمي بأنماطه الشللية والعائلية حتى المناطقية والطائفية في بعض جوانبه المعتمة.
هذا يعني أن الثورة لا تزال في جانبها الأعم أسيرة ومقيدة جزئياً داخل حدود النزعات الاستحواذية والإقصائية ذاتها التي ظل هدف اجتثاثها من جذورها يشكل الأساس المنهاجي لـ"21 أيلول" منذ انطلاقتها الأولى، وهذا ناجم بطبيعة الحال عن إخفاق بعض العناصر القيادية المؤثرة والمهيمنة على مفاصل العملية الثورية في إدراك البعد الحضاري الخلاق للثورة كفعل وطني مصبوغ بخاصية الشراكة الجماهيرية والشعبية الواسعة، جراء التحصن العصبوي الشوفيني لهذه العناصر داخل حدود عقلياتها الثأرية التي راكمتها حروب وصراعات الماضي التي استهدفتهم على أسس مناطقية وطائفية صرفة، الأمر الذي عزز اعتقادهم وقناعاتهم الذاتية بأن الثورة هي في الواقع وسيلة مشروعة ومتاحة لاستعادة بعض الأمجاد الغابرة لأسلافهم، وليست منطلقاً وطنياً حيوياً للحداثة والتقدم المفترض.
إن تجاهل القانون والأخلاق والأطر الأيديولوجية لأي عمل أو تحول ثوري هو أمر معيق حقاً، ومميت في الصميم لأية تطلعات ثورية جدية، مهما بلغت حدة حداثتها؛ لأن المسألة هنا لا تتعلق فحسب بالانتصار على العدو كحاكم أو كنظام حكم، بقدر ما تتعلق بكيفية اجتثاث رواسبه الماضيوية الراسخة في الوعي والحياة الاجتماعية والوطنية، بغية إفساح المجال لإحداث التحولات الحضارية والثورية المطلوبة، والتي لا يمكن أن تتحقق بشكل مثمر طالما بقي هنالك نفس واحد منها.
وما لم يدرك هؤلاء المقيدون بعثرات الماضي أهمية هذا المسعى التحرري وقدسيته، فإن "21 أيلول" ستتقوقع هي الأخرى بالطريقة ذاتها التي تقوقعت بها قبلاً (والدتها العتيقة) "أيلول 1962" داخل مزبلة التاريخ الآثم كإحدى علائم الإخفاقات الوطنية المتوالية لشعب خانه التاريخ وخذلته المشيئة، وأطبق على خناقه قادته الأماجد دون فكاك.
المصدر محمد القيرعي
زيارة جميع مقالات: محمد القيرعي