إبراهيم الحكيم / لا ميديا -
يتذكر كل اليمنيين، بمن فيهم من يتحسر، أن اليمن قبل 21 أيلول/ سبتمبر 2014 كان قد دخل رسمياً نفقاً مظلماً، وصُنف عالمياً «دولة فاشلة» تتصدر المراتب الأولى في تصنيفات الاضطراب والانهيار، وتتجذر بالمراتب الدنيا في تصنيفات الأمن والاستقرار، النزاهة والازدهار!
تقر بهذا التقارير الدولية والأممية، وكان الجميع حينها يعترف به: الأوصياء العشرة على اليمن، والفرقاء في منظومة السلطة، بمن فيهم المستفيدون الوحيدون من حال الانهيار، المتبارون في تفكيك الدولة ومؤسساتها بنهم غريب وتنافس مريب كمن يؤدي مهام عقد عمل!
لا يستطيع أحد إنكار هذا الواقع المرير ليمن ما قبل 21 أيلول/ سبتمبر، وكيف أن رئاسة الدولة كانت رهن سفارتين، ورئاسة الحكومة كانت رهن عشر سفارات، ومجلسا النواب والشورى كانا شبه معطلين باتفاق «مبادرة دول الخليج»، والجمهورية برمتها غدت تحت الوصاية الدولية بموجب «البند السابع»!
مع ذلك، يُصر خصوم «21 أيلول/ سبتمبر»، بعد أحد عشر عاماً، على تسميته «انقلاباً» على نظام حكم تهاوى بفرارهم خلال ساعات! متناسين أنهم بذلك يضيفون إنجازاً لها جدير أن يدرج بموسوعة «غينيس» للأرقام القياسية، بوصفها «أطول انقلاب صمد بوجه دول العالم»!
يتباكى هؤلاء اليوم، ومثل كل عام، على ما يسمونه «انتكاسة دولة» يعلمون أنها ما عادت قائمة فعلياً، وتصنف حتى من دول تحالفهم «دولة فاشلة» منهارة! ويتشدقون بشعار «استعادة دولة» انكبوا على تفكيك مفاصلها وتعطيل وظائف مؤسساتها، بنهم من يجني أرباحاً!
يعتقد خصوم «21 أيلول/ سبتمبر» أن ذاكرة اليمنيين مثقوبة، نسيت الانفلات العام الذي أحدثوه بتعميم فوضى عارمة ما انفكت تصدم اليمنيين بفجائع مروعة، ليس أقلها سقوط طائرات حربية على منازلهم وسط العاصمة صنعاء، وتفجير أخريات في مرابضها داخل قواعد جوية!
يتعامون بجرأة فجة عن قرابة 4500 جريمة اغتيال ومحاولة اغتيال، طالت سياسيين وعسكريين وأمنيين خلال أقل من أربع سنوات من حكمهم التدميري للدولة، شملت نحر جنود الجيش في الشوارع والمعسكرات، واقتحام مقار قيادة المناطق العسكرية، وصولاً إلى مجمع وزارة الدفاع نفسه!
يتجاهلون مجازر بشعة بحق اليمنيين، ظلت تتوالى بوتيرة تصاعدية ممنهجة: قصفاً لمواكب زفاف ومجالس عزاء بطائرات الدرون الأمريكية بعد إباحة أجواء اليمن لها، وتفجيراً للتجمعات والمساجد والمدارس بعبوات ومفخخات تنظيمي «القاعدة» و«داعش» طليقي السراح!
يتناسون الحياة الضنكى جراء تعرض أنابيب النفط والغاز وشبكة وأبراج محطة كهرباء مأرب لمئات الاعتداءات التخريبية، وإعلان وزير الداخلية حينها، عبد القادر قحطان، أن «المخربين معروفون وعددهم 75 متهماً»، كل ما استطاعت فعله حيالهم إدراجهم في «قائمة سوداء» لتستمر الاعتداءات!
يتغافل خصوم «21 أيلول/ سبتمبر» عن مظاهر الانهيار التام وهي تنتشر كالنار في الهشيم، وتأتي على كل بقية باقية من شكل دولة، لدرجة إصدار قرارات جمهورية بتعيين أشخاص من الشارع، بلا سابق خدمة أو خبرة، وكلاء وزارات ومحافظات، بنظام الدزينة (12 وكيلاً) ومع أخطاء في أسمائهم!
يتجاهلون ارتفاع ترتيب اليمن في التصنيف العالمي للأكثر فساداً، والأكثر مخاطر، والأكثر بطالة، والأكثر فقراً، والأكثر تضخماً، والأكثر ديناً داخلياً وخارجياً، والأقل إنتاجاً محلياً، والأقل نمواً اقتصادياً، والأقل إنماء (تنمية)، والأقل أمناً، والأقل شفافية، والأقل عدلاً... إلخ!
يزايدون على رواتب موظفي الدولة التي أوقفوها هم منذ عام 2016، متناسين إعلان حكومتهم بلسان وزير ماليتها قبل «21 أيلول/ سبتمبر 2014» أنها، ورغم استمرار عائدات تصدير النفط والغاز وجميع الصادرات والمساعدات الخارجية، «لن تستطيع دفع رواتب الشهر المقبل ما لم ترفع الدعم كلياً عن المشتقات النفطية»!
يعتقدون أن اليمنيين سينسون أن نظام حكمهم قبل «21 أيلول/ سبتمبر» رهن البلاد علناً وكلياً لسفراء دول الوصاية العشر: رعاة «المبادرة الخليجية»، و«نحطلة الجيش» وتصفية الأمن، وفوضى «ترحيل المؤسسات»، ومفخخات «مؤتمر الحوار»، وخطة «أقلمة اليمن» وتقسيمه على مقاس مصالح قوى النفوذ!
يتغابون بحديثهم عن «السيادة الوطنية»، وهم من طلب رسمياً، في سابقة عالمياً، إدراج اليمن تحت الوصاية الدولية بموجب الفصل السابع لمجلس الأمن الدولي، ثم طلبوا التدخل العسكري الخارجي، ليشن عدواناً عسكرياً واقتصادياً مدمراً ويفرض حصاراً قاتلاً على اليمن وشعبه!
لن ينسى اليمنيون إعدام نظام حكم ما قبل «21 أيلول/ سبتمبر» أمانهم وآمالهم، وإلغاء إرادتهم وإسقاط حقوقهم، حد شتم رئيس الدولة لهم، وتفخيخ حالهم ومآلهم، ودفعهم للثورة على وقاحة الفساد وخيانة العمالة ومهانة الوصاية الخارجية، والارتهان الكلي للخارج على حساب الامتهان الدامي للداخل.
كلا، لن ينسى اليمنيون، مهما دلس المضللون وحوروا الوقائع وزوروا الحقائق، جناية هؤلاء على اليمن وجريمتهم بحق كل يمني، خلال أربع سنوات (2011-2014) من التفكيك والتدمير والنهب والتفقير، وعشر سنوات من العدوان والحصار والتجويع والترويع، والاتجار بدماء اليمنيين وأرواحهم!
المصدر ابراهيم الحكيم
زيارة جميع مقالات: ابراهيم الحكيم