خالد العراسي

خالد العراسي / لا ميديا -

سنتحدث اليوم عن مؤسسة من أهم المؤسسات الحكومية، وهي حاليا في حالة انهيار وشلل كامل، وسبق وأن مرت بالحالة نفسها عندما كانت تحت رئاسة الشخص نفسه الذي يترأسها اليوم، وهي «مؤسسة التأمينات»، هذه المؤسسة العريقة التي يفترض أن تعتني بأكبر شريحة في المجتمع اليمني (المتقاعدين من موظفي القطاع الخاص والوحدات الاقتصادية)، وتشق طريقها نحو تنمية واستثمار مواردها. كان أول قرار اتخذه رئيسها الحالي هو إيقاف النفقات التشغيلية لجميع فروعها، حيث يحتجز تعزيزات النفقات التشغيلية للفروع بين أوراق البريد المكدس. وبحسب المزاج ترى بعض الأوراق النور وبعضها تظل محتجزة، وأهمها تعزيزات الفروع بالنفقات التشغيلية، حيث لا يزال رئيس المؤسسة يحتجز التعزيزات الخاصة بشهري يونيو ويوليو 2020، دون أسباب ومبررات قانونية، في الوقت الذي يجب فيه تطوير وتحديث وتأهيل فروع الهيئة، كونها الأساس الذي ترتكز عليه الهيئة.
وبسبب التوجه التدميري للرئيس الحالي لمؤسسة التأمينات تم تجميد العمل في المؤسسة وكل فروعها، وإفراغها من مهامها الرئيسية، بالإضافة إلى عدم وجود آلية تطبيق وتنفيذ عملي أو حتى برامج لمتابعة استقطاع أقساط التأمين من مرتبات موظفي القطاع الخاص، وهذا يجعل الدولة تفقد إيرادات تقدر بالمليارات شهرياً. كما أن المؤسسة تعاني تزايداً غير مسبوق في حجم المديونيات التي عليها، وتوقيف الجانب الاستثماري للمؤسسة نتيجة الخسائر الناجمة عن توقف إيراداتها وغياب الرؤية والبدائل وانخفاض موازنة المؤسسة، كونها عبارة عن نسبة من الإيرادات. كما أن ذلك سيسبب مستقبلا كارثة مجتمعية، حيث إن موظف القطاع الخاص سيحال إلى التقاعد في مرحلة معينة بحسب القانون المنظم للعمل في القطاعات الخاصة، ولن يحصل بعدها على راتبه التقاعدي في حين تكون حالته الصحية لا تمكنه من العمل في أي مجال، نظرا لتقدمه في العمر.
والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: ما الذي يسعى إليه رئيس المؤسسة من خلال هذا التوجه التدميري؟!
الموضوع هنا لا يمكن أن تقتصر أسبابه على الغباء الإداري أو الإهمال والمزاجية التي عرف بها رئيس المؤسسة الحالي فقط، فهذا سيقود إلى الفشل بشكل تدريجي غالبا ما يكون بطيئاً، إلا أن رئيس المؤسسة يقودها إلى الفشل والعجز الكامل بشكل سريع ومنظم، بل ويتسبب بشكل ممنهج بقصور كبير في الإيرادات وبكارثة مجتمعية مستقبلا كما سبق شرحه.
وعلى المستوى الداخلي للمؤسسة فقد ضاق موظفو المؤسسة ذرعا بالطريقة التي يتعامل بها رئيس المؤسسة معهم، لاسيما بعد عودته إليها مرة أخرى وكأنها عودة المنتقم، فتعامله مع الجميع قبيح جدا، سواء على المستوى الشخصي الذي يتعامل به مع الموظفين أم في الحقوق والمستحقات المالية أم في طريقته لإدارة المؤسسة. لكنه يحرص كل الحرص على تواجدهم ودوامهم اليومي رغم غيابه. وفي الأيام النادرة جدا التي يحضر فيها إلى الدوام ينشغل طول الوقت بحصر الحاضرين والغائبين في يوم حضوره وفي الأيام السابقة، وعقد اجتماعات طول فترة الدوام لا تخرج بأي نتيجة ولا تؤدي إلى أي تحسن ملموس في العمل، وهذا هو أسلوبه المتبع نفسه لم يتغير، فلا يزال متأثراً بعمله في السابق كـ»مراقب دوام»، والذي يبدو أنه لا يجيد غيره، ولم يتمكن من تطوير ذاته وأدائه.
ويعتبر موظفو المؤسسة فترة الرئيس الحالي بأنها من أسوأ فترات عملهم، ويفيدون بأنه لم يعد يداوم مطلقا ولا يجيب على اتصالات الجميع، بمن فيهم مدراء عموم الفروع، بذريعة أنه ينتظر اتصالات من شخصيات مهمة جدا ولا يستطيع أن يشغل هاتفه بمكالمات معهم، ربما لإيهام الآخرين بأن كبار رجالات الدولة على تواصل دائم ومستمر معه، ويضطر المدراء إلى الانتظار أكثر من شهر ليحظوا بلقاء معه لا يتجاوز دقائق.
تصرفات غريبة أدت إلى فتور في العمل وخلق حالة من عدم الرضى الوظيفي، والإحباط العام لدى الأغلبية، لاسيما بعد تهميش وإقصاء كل الكوادر والكفاءات في المؤسسة واستبدالهم بموظفين معظمهم لا يملكون أي خبرات ولا يملكون المهارة اللازمة لإنجاز الأعمال الموكلة إليهم، وبعض مدراء العموم قام بتعيينهم بموجب تكاليف وزارية وليس بقرار صادر عن رئاسة الوزراء، وذلك لضمان ولائهم وعدم معارضتهم له. كما أنه قام بتوظيف عدد كبير ومكنهم من إدارات حساسة وهامة، على الرغم من أن بعضهم موظفون رسميا في جهات أخرى (ازدواج وظيفي ومخالفة للتوجيهات بوقف التوظيف الجديد).
ولا يوجد للرئيس الحالي لمؤسسة التأمينات أي إنجاز يستحق الذكر حتى على مستوى الحساب الختامي السنوي (وهو من أهم الأعمال التي يفترض إنجازها بأسرع وقت وبشكل سنوي)، والذي لم تقدمه المؤسسة إلى الجهات المعنية منذ 2016 حتى 2019، وهي فترة ترؤسه لمؤسسة التأمينات سابقا، وتم إنجاز إغلاق حساب 2016 خلال الفترة التي ترك بها المؤسسة (فترة تعيينه وزيرا للمالية)، وكان قد شرع الموظفون بإنجاز حسابات ختامية لبقية الأعوام، لكن الكارثة حلت مع عودته إليهم فتوقف العمل.
الغريب في الموضوع أن هذه التصرفات لا تلقى أي اعتراض، سواء من الجهات الرقابية أم من المعنيين بالإشراف والمتابعة لأعمال المؤسسة، كوزارة الخدمة المدنية ورئاسة الوزراء ورئاسة الجمهورية، وكأن الرئيس الحالي لمؤسسة التأمينات كيان مستقل لا حسيب ولا رقيب عليه.
والأغرب من ذلك أن هذا الشخص سبق وأن ترأس 3 جهات حكومية، وقد فشل فشلا ذريعا فيها كلها، فأول شيء يعمل على تدميره في كل جهة يتعين فيها هو الإيرادات ونفسيات الموظفين، فمثلا عندما كان رئيسا لهيئة المواصفات والمقاييس انخفضت الإيرادات حتى وصلت إلى 10 آلاف ريال يوميا، وبعد انتفاض موظفي الهيئة ضده وخروجه من الهيئة بشكل المطرود ارتفعت إيرادات الهيئة ووصلت إلى 10 ملايين ريال يوميا، وأيضاً عندما كان وزيراً للمالية انخفضت الإيرادات العامة للدولة في الربع الأول للعام 2020 عما تم تحقيقه في الربع الأول من العام السابق 2019 بنسبة 20٪ تقريبا، وخرج من وزارة المالية في ظل احتقان كبير بين موظفي المالية وسخط عارم ضده.
لا يوجد لهذا الشخص أي نجاح أو إنجاز يذكر، لا على المستوى العملي ولا غيره، ليستحق إعادة تدويره وإعادة تعيينه رئيسا لمؤسسة التأمينات!
وعندما تساءلت عن سبب تكرار تعيينه رغم كل ما يفعله بشكل متكرر في كل الجهات التي تم تعيينه فيها أجابني كثير من المقربين من أصحاب القرار إجابة واحدة، وهي: «إنه متحدث فصيح، ومتملق يجيد التدليس ويغرر على كل من يقابلهم ويشعرهم بأنه من أنجح المسؤولين».
قد ينطلي هذا على من يقابله من العامة للمرة الأولى أو حتى الثانية والثالثة، لكن من المعيب والمخزي أن ينطلي عدة مرات على أصحاب القرار الذين يفترض أن لديهم تقارير أداء من واقع العمل تجعلهم يقيمون عمله خارج إطار العلاقات والمصالح الشخصية.
هذا الرجل كارثة بما تحمله الكلمة من معنى، وبقاؤه في منصبه جريمة متكاملة الأركان، وأصبح تصحيح الوضع ضرورة حتمية بتغييره ومحاسبته على كل الاختلالات التي تسبب بها.
اخلسوا ظهره، فأقوى المضادات الحيوية لا يمكن أن تجدي نفعا مع هذا الكارثة. أكتفي بهذا القدر وللحديث بقية.

ـ صورة مع التحية لسيد الثورة.

أترك تعليقاً

التعليقات

مروان النزيلي
  • الخميس , 30 يـولـيـو , 2020 الساعة 1:27:02 PM

كلام في غاية الدقة وشخص مثل هذا إما يكون عديم الكفاءة او متعمد ..تسلم يمينك استاذ خالد واتمنى ان تصل رسالتك الى المعنيين بالامر