محور المقاومة والتصدّي للاستنزاف
 

غالب قنديل

غالب قنديل / لا ميديا -

من يدقّق في مسار التطورات يجد مشهدا للحروب المتواصلة التي يشنها المحور الأمريكي ـ الصهيوني الرجعي ضد محور المقاومة بأشكال وأنماط يحاول بها الالتفاف على عجزه عن حسم الأمور لصالح تجديد الهيمنة الاستعمارية في الشرق العربي.
ويتضح من التطورات والأحداث أن الحلف الاستعماري يسعى -بتسجيل النقاط- إلى تبهيت الحقيقة التي صارت واضحة لصالح حلف المقاومة والتحرّر في عدد من بلدان المنطقة.
أولاً: في سورية يحاول الحلف المعادي إضعاف حقيقة المعادلة التي اختلّت بصورة كبيرة لصالح الدولة الوطنية السورية وحلفائها. ويبدو ذلك نافرا من خلال تحرّك حلف العدوان، مباشرة وبالوكالة، لإدارة استنزاف يعترض طريق الحسم العسكري الذي يتحرّك نحوه محور المقاومة والاستقلال. والمعارك الأخيرة التي شهدتها سورية كشفت رجحان كفّة الدولة الوطنية وحلفائها، في حين تكرّست الجهود الاستعمارية، والتدخلات الأمريكية بالذات، لقطع الطريق على تقدّم المحور نحو حسم الصراع لصالح الدولة الوطنية.
وتبدو الأمور اليوم معلقة على أبواب مبادرة عسكرية هجومية شاملة، لا يُستبعد أن يطلقها الجيش العربي السوري وحلفاؤه في الميدان عند اكتمال التحضيرات. ولن تفلح جميع محاولات الحلف المعادي في إبقاء الوضع معلقا والرهان على استنزاف سورية وحلفائها في الميدان.
رغم جميع التعقيدات السياسية والاقتصادية والعسكرية، بات من المحسوم أن الرئيس بشار الأسد يعمل لتوفير مستلزمات الحسم النهائي على جميع الأصعدة. ووجهة تحرّك الجيش العربي السوري وخطط الدولة الوطنية تشير إلى أن الحسم النهائي لإنهاء الحرب العدوانية هو السياق الحقيقي الذي تُدفع إليه المواجهة ضد العدوان على الأرض السورية.
وإذا كان صحيحا أن ذلك سيستغرق وقتا غير قليل، فإن جميع المؤشرات والوقائع تؤكد عزم القيادة السورية على الحسم في وقت ليس بعيدا، وهي ستكون مدعومة من حلفائها الموثوقين عسكريا وسياسيا واقتصاديا. ومن شأن تطور كهذا ـ حين يُنجز ـ أن يحّق تحولا كبيرا في توازن القوى الإقليمي عسكريا وسياسيا، وسيكون من شأن انعتاق القوة السورية إطلاق مسارات جديدة في وتيرة الشراكات الإقليمية، وبناء منظومة متحرّرة من الهيمنة الاستعمارية.
ثانياً: الوضع اليمني في واقعه الراهن يشبه إلى حدّ بعيد مسار المجابهة التي خاضتها الدولة الوطنية السورية وحلفاؤها ضد العدوان الاستعماري. فاليوم بات اليمن قطبا وطنيا تحرّريا صاعدا. والمعارك الباقية لتصفية بقايا الحلف الاستعماري وأدواته لم تعد بالحجم والمدى القادر على قطع المسار الوطني نحو الخلاص النهائي. والحرب اليمنية غير المنتهية تشبه في سياقها الحرب على سورية مع بعض المفارقات نتيجة تبلور قوة الدولة السورية وفاعليتها المتقدمة سياسيا واقتصاديا وعسكريا، بما لا يمكن مقارنته مع القوى الوطنية اليمنية في المناطق التي تحت سيطرتها، لكن ذلك لا يجب أن يُسقِط من الحساب الشوط الذي قطعه أنصار الله وحلفاؤهم على الأرض في بلورة البدائل لمؤسسات النظام العميل، التي انهارت وتآكلت، ولم يبق منها سوى الواجهات وحشد من المرتزقة.
هذا الوضع في اليمن يسير وفق المؤشرات العامة نحو حسم قادم، رغم جميع المتاعب والمشاكل التي يراكمها الحصار الاستعماري والعدوان المتواصل على المناطق المحررة. لكن القوى الوطنية بقيادة أنصار الله أثبتت مرونة سياسية في حشد التحالفات وتعبئة الجهود، وكذلك في فاعلية القوى العسكرية التحرّرية التي تقاتل ضد العدوان. وهذا يعني أن أفق المواجهة ذاهب إلى انتصار للحلف الوطني والشعبي الذي يقوده أنصار الله، خصوصا بعد ما أظهره من قدرة عالية على مدّ الجسور وتشبيك العلاقات داخل اليمن لصالح المشروع التحرّري.
ثالثاً: إضافة إلى ساحتي سورية واليمن، تجري بقيادة محور المقاومة عملية تنظيم للقدرات والإمكانات في مجابهة الحلف الاستعماري الصهيوني في الساحتين الفلسطينية واللبنانية. ويبدو من الوقائع أن الميدان يتحضّر لجولات مقبلة، يُتوقع أن تكون فاصلة في بلورة توازن القوى.
وإذا كان الحسم النهائي للمعادلات الميدانية وللواقع الفلسطيني متعذرا في المدى المنظور، فإنه سيشهد تطورات لصالح قوى المقاومة وخيار التحرّر.
فلسطينيا، تلتقط قوى المقاومة زمام المبادرة، وهي تسعى لسدّ الثغرات في الجبهة السياسية لتطوير المواجهة ضد العدوان الصهيوني. ومن الأكيد أن الصراع بأسلوب تسجيل النقاط وتحصين المواقع الحاضرة للمقاومة الفلسطينية سيكون هو السياق المرجّح لأن تتبلور ظروف تسمح بنقلة نوعية في حركة المقاومة.
إن وجهة حركة محور المقاومة خلال الفترة المقبلة ينبغي تركيزها على تحصين المواقع والإعداد لمرحلة جديدة، تسمح بتصفية الجيوب الباقية لصالح المحور وقواه التحرّرية. وهذا يستدعي في لبنان حسما لوجهة الصراع بالتراكم، من خلال تعزيز الحلف المقاوم وتطوير مبادراته السياسية والعسكرية، وبالذات من خلال بلورة برنامج اقتصادي لجعل لبنان قلعة من قلاع المحور التحرّرية، بالتراكم الممكن والهادئ لعناصر القوة، ولذلك أبعاد ومستويات سياسية واقتصادية وعسكرية، هي المهام الراهنة لمحور المقاومة في الساحة اللبنانية. وكل تأخير في العمل على هذا الخيار وبناء الجبهة الوطنية القادرة على تجسيده، هو إضعاف لمعركة المحور الوجودية على صعيد المنطقة.
إن تكتيك الاستنزاف والمعارك غر المحسومة هو ما يختاره الحلف الاستعماري أمام فشله في تنفيذ حسم شامل لساحات الصراع بين المحورين. وهو يراهن على التحالف مع الوقت الذي كان حليف قوى المقاومة أصلا، وهذا ما ينبغى الالتفات إليه، والتعجيل بتشبيك الإمكانات والقدرات العسكرية والتشبيك السياسي ووحدة المخطط الدفاعي ضد العدوان بين جميع قوى المقاومة والصمود في المنطقة برمّتها.

أترك تعليقاً

التعليقات