معركة تحرير العراق وأبعادها
 

غالب قنديل

غالب قنديل / #لا_ميديا -

كعادتها تحاول الولايات المتحدة أن تزيف الحقائق وتعمم انطباعات مضللة لتوهين إرادة المقاومة والتحرر، وهي تخشى نتائج انتقال محور المقاومة إلى العمل الجدي لطرد جيوشها وأساطيلها من المنطقة، بينما يبدو العراق ميدان المعركة الأولى التي ستخاض شعبيا وسياسيا وعسكريا لطرد الاحتلال حين تقتضي الضرورة.
القوات الأمريكية في العراق هي قوات احتلال ونهب منذ الغزو الوحشي المدمر عام 2003 إلى اليوم، وحيث شكلت التدخلات الأمريكية السياسية والأمنية والعسكرية أدوات لكسر إرادة العراقيين وإخضاعهم في سبيل نهب البلد الأهم في المنطقة من حيث المخزون النفطي وسهولة الاستخراج وقلة الكلفة ومعدل الرواج في الأسواق العالمية، أما كذبة دونالد ترامب عن انتفاء الحاجة لنفط المنطقة العربية، فهي دجل خالص واعتداد فارغ بمستخرجات النفط الصخري الأمريكي مرتفع الكلفة والأقل جودة، بينما بات معروفاً أنه لا مجال للمقارنة بين كلفة برميل النفط الصخري المقدرة بحوالي الـ10 دولارات، وكلفة برميل النفط العراقي التي لاتصل إلى دولار واحد.
من هنا فالغاية الأمريكية من احتلال العراق وإدامة الوجود العسكري الأمريكي في العراق، هي اللصوصية والهيمنة لنهب النفط العراقي والسيطرة على سوق استهلاكي ضخم قادر على استيعاب مئات الأصناف من السلع التي ترغب الشركات الأمريكية في تصديرها.
كشفت المبادرة الاستقلالية الشجاعة التي اتخذها رئيس الحكومة عادل عبدالمهدي، عبر توقيع اتفاق ضخم مع الصين للتعاون الاقتصادي وانضمام العراق إلى مبادرة الطريق والحزام، مدى الأطماع الأمريكية في الهيمنة والنهب، فقد أكد الرئيس عبدالمهدي مؤخرا تلقيه تهديدات أمريكية بالقتل، إضافة إلى تحريك الشغب في الشوارع لإرغامه على الاستقالة من خلال منصات الثورة الأمريكية الملونة التي أشعلت في العراق.
الحملات والتحركات ضد عبدالمهدي كانت عقابا أمريكيا على الاتفاقية مع الصين وعلى فتح المعابر الحدودية العراقية مع سورية التي عرقلها الأمريكيون عمدا وتلمسوا فيها خطرا على الهيمنة واللصوصية الأمريكية، وهو موقف لازم جميع الخطط الاستعمارية الغربية في المنطقة، وزادت حدته منذ اغتصاب فلسطين، فتحول خطر التكامل السوري العراقي تهديداً وجودياً في عقائد الغرب والكيان الصهيوني، ولذلك جرى تعطيله واعتراضه بجميع صنوف المؤامرات والضغوط منذ عشرات السنين.
الهيمنة السياسية والعسكرية لإدامة اللصوصية والنهب هي وظيفة الاحتلال الأمريكي في العراق وتقوم على وصاية سياسية واغتصاب متجدد للسيادة الوطنية، وقد استعمل المخططون الأمريكيون غزوة داعش لتجديد حيثيات دوام الاحتلال والمضي في خطط النهب والاستيلاء على ثروات العراق واستنزافها ولذلك عملوا على اعتراض طريق توسع الحشد الشعبي الذي تلقى دعماً إيرانياً مهماً، واستهدفه المحتلون، بينما حجبوا عن الجيش العراقي المعونة الأمريكية المفترضة وفق نصوص المعاهدة الموقعة بين بغداد وواشنطن منذ سنوات.
نجح العراقيون في دحر داعش والقاعدة بقواهم المقاتلة وبفضل الدعم الإيراني الكبير، بينما احتمت فلول الإرهابيين بظل الاحتلال الذي أرسل طوافاته مرارا إلى ساحات القتال لانتشال قادة الإرهاب ونقلهم إلى مخابئ يخرجون منها بنداء استحضار أمريكي غب الطلب، ومن المعلوم ان القوات الأمريكية أنشأت أكثر من محمية لجماعات القاعدة وداعش في العراق وسورية، وبعد اندحار داعش في عمق البلدين أقامت لها أوكارا متعددة منها محمية التنف على المثلث الحدودي الأردني العراقي السوري.
إن تحرك الشعب العراقي وفصائل المقاومة العراقية ضد الاحتلال الأمريكي، والذي انطلق بعد اغتيال القائد أبو مهدي المهندس والفريق المقاوم قاسم سليماني، يستهدف تحقيق حاجة وطنية عراقية هي التحرر الاقتصادي والسياسي من اللصوصية الأمريكية والاستعمار الأمريكي، وهذه غاية عراقية وطنية سامية لأجل الشعب العراقي وحقه في مسك مصيره ومقدراته بيديه دون هيمنة وإملاءات أجنبية لصوصية.
إن طرد الاحتلال الأمريكي من العراق هو فعل تحرري يخص الشعب العراقي ومصالحه ومستقبله، وهو ينعكس دون شك بصورة إيجابية لمصلحة إيران وسورية ولبنان، لأنه يعني تراجع القوة الأمريكية الطاغية في المنطقة، ومن شأنه إضعاف الكيان الصهيوني الذي قدم الأمريكيون بجيوشهم وأساطيلهم، واحتلوا العراق لتعويض هزائمه أمام حركات المقاومة في لبنان وفلسطين التي دعمها المحور الاستقلالي السوري الإيراني.
إنها مصلحة مشتركة لبلدان المنطقة ولإرادة الاستقلال والتحرر، وهي فرصة للتخلص من العقبة الرئيسية التي تمنع تكتل بلداننا وتحولها إلى قوة اقتصادية متكاملة تمتلك الحرية التامة في الشراكة مع الشرق الكبير الصاعد والتحرك المشترك لتحقيق التنمية المستقلة التي تخدم مصالح الشعوب وسيادتها التامة على الثروات والأسواق.
يحاول المستعمر الأمريكي وعملاؤه تشويه صورة المعركة التحررية العراقية وإظهارها كعملية مدبرة لخدمة السياسة الإيرانية، والحقيقة أن حرية واستقلال العراق وازدهاره وتعاظم دوره وتأثيره في محيطه كقوة كبرى فاعلة تأتي في مقدمة نتائج النضال لطرد الاحتلال الأمريكي من بلاد الرفدين، وهي مصلحة مشتركة مع لبنان وفلسطين وسورية وإيران واليمن، فالمعركة واحدة مترابطة تخص الجميع بعد الأشقاء العراقيين ومعهم، وعلى هذه الحقيقة ينبغي أن تبنى المواقف، وينبغي فضح الأكاذيب والتلفيقات الأمريكية.
* كاتب لبناني

أترك تعليقاً

التعليقات