غالب قنديل

غالب قنديل -

يمكن لمن يتابع ما يجري في منطقتنا أن يلاحظ وجود خطة أميركية شاملة لاستنزاف محور المقاومة ومنعه من استثمار انتصاره الساحق على غزوة التكفير وعلى الحروب المتنقلة التي قادها الأميركيون في المنطقة. ومن فرص استثمار نتائج الصمود الدفاعي في التصدي للغزوة الاستعمارية التي استخدمت الحصار والعقوبات الاقتصادية لكسر إرادة التحرر.
يكرر الصهاينة اعتداءاتهم على قطاع غزة المحاصر، رغم اضطرارهم لمراعاة القدرة الرادعة المتنامية لدى فصائل المقاومة الفلسطينية. وخلال الأسابيع الماضية تزايدت حمى التهديدات الصهيونية بالعدوان على اليمن وقواه المقاومة؛ بينما أكدت القيادة العسكرية اليمنية رسميا جاهزيتها لتلقين العدو دروسا قاسية في حال شن أي اعتداء على اليمن، وهي تمتلك ما يكفي من القوى والإمكانات القتالية والخبرات التقنية كما أثبتت التجربة.
أنفقت مبالغ طائلة لتمويل الحرب ضد اليمن، وقدرها البعض بمئات المليارات التي دفعتها المملكة السعودية لحكومات الغرب ولشركات صناعة الأسلحة، ولكن رغم كل ذلك ازداد اليمنيون تمسكا بإرادة التحرر والمقاومة وأبدعوا بقدراتهم الذاتية في ابتكار وسائل الدفاع وأدوات الردع، وطوروا ما كان بيد قواتهم المسلحة من قوة صاروخية اقتبسوا من رفاق محور المقاومة طرق تعديلها وتحديثها، حتى باتت صواريخهم وطائراتهم المسيرة بسواعد وعقول يمانية مصدرا لمخاوف أميركية على أساطيل الناتو في الممرات والمضائق البحرية. والهلع الصهيوني لا ينفك يتبدى ويتجذر منذ الضربات الرادعة التي وجهها المقاومون اليمنيون داخل عمق شبه الجزيرة العربية بإتقان أذهل الخبراء.
صلابة الإرادة الوطنية التحررية والابتكار واكتساب الخبرات التقنية لتطويعها في الدفاع عن اليمن هي عنصر التفوق اليمني رغم الحصار والجوع والموت والدمار. ويبدو هذا الشعب العظيم المصمم على النصر نموذجا يقتدى في الصبر والتحدي وفي قوة الوعي وحرارة الانتماء الوطني، وهو يؤكد ذلك مجددا التزامه بقضية فلسطين وبانتمائه إلى معسكر المقاومة والتحرر في المنطقة.
إن تلك الروح اليمانية الحرة هي أمثولة لجميع البلدان المستهدفة بالحصار الاستعماري وبالعدوان والاحتلال، وبالذات في لبنان وسورية وإيران والعراق، التي مهما بلغت صعوبات العيش فيها فهي دون مستوى ما يعانيه اليمنيون في يومياتهم؛ وهو ما يستحق شرحه جهدا سياسيا وتعبويا يعمم روح الصمود والتحدي والابتكار، فالمجابهة مع العدو الاستعماري ليست قصيرة وينبغي أن تتجه الجهود لاقتراح  خيارات جديدة في طرائق العيش.
التحدي الراهن يتطلب تشبيك البنى الاقتصادية في بلداننا دون تردد، وتوحيد الجهود في التصدي لهذه الحلقة من العدوان الاستعماري على منطقتنا. وإذا كانت في سورية وإيران حكومتان حرتان ودولتان وطنيتان تستطيعان رسم سياسات وخيارات يمكنهما تعبئة القدرات الشعبية لتحقيقها، فإن الأمور تختلف كثيرا في بقية بلدان المحور.
تسعى إيران إلى تنويع الشراكات الاقتصادية الإقليمية والدولية في وجه الحصار والعقوبات، كما اتخذت رزمة توجهات وتدابير اقتصادية ومالية داخلية لاحتواء النتائج.
في سورية حدد الرئيس بشار الأسد طريق كسر الحصار والاستنزاف الاستعماري بالاعتماد على القدرات السورية الوطنية والشراكات الشرقية وبمبادرات اتخذتها الدولة الوطنية لتوفير مستلزمات الصمود الشعبي وابتكار الوسائل الوطنية المناسبة لذلك، مع السعي الحثيث لإحياء دورة الاقتصاد الوطني والإنتاج الوطني عبر مواصلة المسيرة الوطنية لتصفية معاقل الإرهاب التي يخوضها الجيش العربي السوري لتحرير كامل الأرض السورية واسترجاع جميع حقول النفط والموارد الزراعية المنهوبة على يد المحتلين الأميركيين وعملائهم، وكما تعهد الرئيس المقاوم باحتضان المقاومة الشعبية السورية ضد الاحتلال الأميركي، بينما تعزز البلاد قدراتها الدفاعية الرادعة للغطرسة الصهيونية.
تبدو المعضلة أكثر تعقيدا بالنسبة للعراق ولبنان؛ فهي تطرح إضافة إلى تحدي الصمود والمقاومة مستقبل السلطة السياسية وطبيعة النموذج الاقتصادي الاجتماعي بعد الانقلاب الأميركي على حكومتي المساكنة في بيروت وبغداد، وينعقد المشروع التحرري الوطني عند أولوية التخلص من الهيمنة الاستعمارية.
إن أفضل السبل لردع العقوبات والغطرسة الاستعمارية هو اقتلاع الاحتلال الأميركي من سورية والعراق وكسر الحصار على اليمن، والتخلص من وهم المساكنة مع محور الهيمنة داخل لبنان والعراق؛ وهي أهداف ممكنة لو توحدت الجهود. وأيا كانت كلفة السير بتلك الخيارات، ستبقى أقل بكثير من كلفة الاستنزاف الأميركي الغربي المتواصل.
إن تحول محور المقاومة إلى تكتل اقتصادي متحرر من الهيمنة الاستعمارية هو الأفق الذي ينبغي العمل لبلوغه، وفيه يمكن أن تتكامل القدرات والإمكانات والخبرات لبناء نمط عيش جديد للجميع. وإلى أن يتحقق ذلك ينبغي أن نعمم في بلداننا ثقافة الصمود والصبر وروح المبادرة والمقاومة والاقتداء بأبناء اليمن الأبطال.

* كاتب لبناني

أترك تعليقاً

التعليقات