خليل نصر الله

خليل نصر الله / لا ميديا -
على هامش منتدى "دافوس" الشهر الماضي، عقدت ندوة تحت عنوان: "الشرق الأوسط: منطقة تقارب أو ساحة نزاع". وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، وجه خلال الندوة دعودة إلى حكومة بنيامين نتنياهو للتعامل "بجدية لتسوية الصراع مع الفلسطينيين"، وقال إن إشارات لا تبشر بجدية تسوية الصراع ترسلها حكومة نتنياهو. وزير الخارجية، الذي يعكس تطلعات محمد بن سلمان، رئيس الوزراء وولي العهد، شدد خلال مداخلته على أن "حل الصراع سيكون في مصلحة إسرائيل والمنطقة ككل".
تصريح وزير الخارجية السعودي، الذي تفتح بلاده الأجواء للطائرات "الإسرائيلية"، لم يكن مجرد تعليق بقدر ما هو رسائل قد توصل إلى نقطة تلاقٍ يمكن من خلالها أن تجنح السعودية نحو تطبيع علنيّ يعبر عما ترفعه من شروط تتعلق بالفلسطينيين.
عندما عقدت "صفقة القرن"، سُرّبت تقارير غربية، كما توافرت معطيات، عن إقدام محمد بن سلمان على تولي مهمة الضغط على السلطة الفلسطينية للسير فيها، والتنازل عن "القدس الشرقية" عاصمة لدولة فلسطينية مفترضة، والقبول بـ"أبو ديس" بدلاً منها. يومها سارت دول تدور في الفلك السعودي أو شريكة لها في درب التطبيع، ومنها الإمارات، والبحرين التي استضافت مؤتمرات التآمر على الحق الفلسطيني.
نتنياهو، الذي وقعت في عهده اتفاقات التطبيع مع المغرب والإمارات والبحرين والسودان ودول أخرى، أمل إتمام الصفقة، التي يراها الجائزة الكبرى، مع السعودية. لكن شاءت الظروف السياسية داخل الكيان أن يبتعد عن المشهد الرسمي لمدة عامين. ومع عودته مؤخراً إلى تولي رئاسة الحكومة عاد الحديث عن ضرورة التوصل إلى اتفاق "تطبيع" مع المملكة السعودية، لأهميته، كما يؤكد. وعليه، يمكن فهم فحوى الرسالة التي أطلقها ابن فرحان مؤخرا وأهمية "الصفقة" لهما.
يتلاقى نتنياهو مع الموقف السعودي لجهة "أهمية أي اتفاق" وانعكاسه على السعودية والكيان الصهيوني، من منظور مصالحهما؛ لكنه يذهب بعيدا بتحديد جدوى "الربح"، بقوله خلال مقابلة مع قناة (LCI) الفرنسية، مطلع الشهر، إن "السلام بين إسرائيل والسعودية سيؤدي إلى انهاء الصراع العربي - الإسرائيلي، وهذا سيؤدي إلى نهاية واقعية للصراع الإسرائيلي - الفلسطيني"، حسب تعبيره.
يُفهم من كلام نتنياهو، الذي يرفض حتى إقامة دولة فلسطينية ولو على مساحة بضعة كيلومترات وبدأت حكومته بـ"تشريع المستوطنات" في الضفة والقدس المحتلتين، أنه يطمح إلى اتفاق مع الرياض خارج أي حل للقضية الفلسطينية، كما تقول الأخيرة في العلن، أي: على قاعدة: لنطبّع الآن ونعزز المصالح الاقتصادية، ثم لاحقاً نتحدث عن القضية الفلسطينية.
يُفهم أن نتنياهو ما زال يدور ضمن مضامين "صفقة القرن". هو يحاول إحياء الجزء الخاص بها والمرتبط بدور السعودية. وببساطة يوجه رسائله إلى الطامح محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، الذي كان -وما زال- أكبر المتحمسين لتلك الصفقة، وهو الذي اعترف بما سماه "الحق اليهودي في فلسطين" خلال أولى زياراته إلى واشنطن عام 2018، يوم كان وزيراً للدفاع.
هذه الرسائل العلنية المتبادلة قد تعكس تواصلاً يحصل من خلف الستار، وهو ما ينكشف بعضه. فقد ذكرت وكالة "بلومبرغ"، نقلاً عن ستة مصادر، أن "إسرائيل" كثّفت محادثاتها مع السعودية بدعم من واشنطن، لتوثيق العلاقات العسكرية والاستخباراتية لمواجهة "عدوّهم المشترك: إيران". كما ذكرت قناة (i24news) العبرية أن الاتصالات الرسمية بين الرياض و"تل أبيب" تكثفت خلال الأشهر الأخيرة، وهو ما لم تنفه السعودية حتى الآن.
في حقيقة المشهد يمكن القول إنها رسائل "نتنياهو ـ بن سلمان"، اللذين التقيا مع مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي السابق، أوائل العام 2021.
من خلال التصريحات المتبادلة، يمكن فهم جوهر ما يفكر فيه كلا الطرفين، خاصة أن ما يُطرح من منظورهما لا يعكس واقعية دور كل منهما فيما يتعلق بأي "حلول" وفق منطق "الرباعية الدولية" أو زمن "أوسلو"، المرفوضين شعبيا وفصائليا في فلسطين. فلا ما طرحه بنيامين نتنياهو حول ربط "اتفاق" مع الرياض بإنهاء "الصراع العربي الإسرائيلي"، وتاليا "الصراع الإسرائيلي الفلسطيني" كما سماه، هو واقعي، ولا ما تطمح إليه الرياض يمكن تحقيقه؛ كونها لا تسيطر على "القرار الفلسطيني" الذي لا تختزله رام الله.
وبالتالي، يمكن الحسم بأن تبادل الرسائل هو مقدمة لظرف يسمح للرياض بأن تعبُر فوق ما تدعيه أنه عائق، وهو "حل الدولتين".

كـــاتـب وإعلامـــي لبنانـــي

أترك تعليقاً

التعليقات