عقدة «البحر الأحمر»..ميدان التصعيد
 

خليل نصر الله

خليل نصر الله / لا ميديا -
ما في جعبة صنعاء هو أكبر ممّا شهدناه، ويترك لكل خطوة معادية علاجاً عسكرياً يحدث عن نفسه في وقتها، وواشنطن تخشى التبعات؛ لأن قرار الرد في صنعاء متخذ، وسيكون موجعاً ومضراً لكل من يشارك في «التحالف» المعلن عنه.
لم يكن الإسناد اليمني لغزة مجرد تسجيل موقف، ولا حركة «متهورة» كما وصفها الأمريكيون، إنما هو تدخّل مؤثر ضرب على وتر الاقتصاد في الكيان الصهيوني، وشكّل عامل ضغط يصب في مصلحة المقاومة الفلسطينية.
تدرّج صنعاء في خطواتها، والتي بلغت ثلاث خطوات، كشف أمام الأمريكيين عدة حقائق؛ أبرزها:
- توفر القرار السيادي لدى العاصمة اليمنية.
- توفر القدرة المادية والتسليحية لتنفيذ التهديد.
- عبثيّة التهويل والضغط الذي مورس ضد صنعاء ومايزال.
- قدرة صنعاء على رفع الوتيرة بحسب ظروف المعركة في قطاع غزة.
- عدم قدرة واشنطن على تحمّل تبعات أي عمل منفرد.
- عجز صهيوني عن الرد؛ لأن الكلفة ستكون أكبر.
هذه الحقائق، شكّلت عامل ضغط أمام صانع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية، خصوصاً مع تجاوب شركات عالمية مع التحذيرات اليمنية، ووقف رحلاتها باتجاه الموانئ الصهيونية، خشية من استهداف سفنها.
خلال الأيام الأخيرة، وقبل يوم من وصول وزير الحرب الأمريكي إلى «تل أبيب»، قال وزير الحرب الصهيوني يوآف غالانت: «إن إسرائيل جاهزة لعملية توقف تهديدات الحوثيين لكنها تعطي فرصة للجهود الدولية». تصريح غالانت لا يخرج عن إطار الإشارة إلى الهدف الرئيس لزيارة لويد أوستن، وهو «عقدة البحر الأحمر»، فـ»تل أبيب» عاجزة عن التصرف منفردة، لأن الاشتباك البحري في منطقة بعيدة عن موقع الكيان الصهيوني يعدّ خسارة، وهو ما كانت تشير إليه تقديرات أمنية صهيونية قبل أعوام، عندما أوصت بوقف المعركة البحرية مع إيران لأن الخسارة لـ»تل أبيب» فيها مرتفعة، وهو ما تُرجم في كثير من المفاصل، ويمكن استنتاجه.
ومع وصول وزير الحرب الأمريكي إلى «تل أبيب»، لوحظ أنه لم يخرج كثيراً عن اللغة الأمريكية في ما يتعلق بالحرب الصهيونية العدوانية على قطاع غزة، وجلّ اهتمامه انصبّ على الخطوات اليمنية الضاغطة في البحر الأحمر. وقد كشف عن سعي لتشكيل تحالف لمواجهة الأمر، وكشف كذلك عن اجتماع افتراضي مع وزراء دفاع دول عدة لمناقشة الأمر.
بعيداً عن اللغة الأمريكية عالية السقف، وتحوير ما تقوم به صنعاء عن هدفه وحجمه، إلا أن الخطوات الأمريكية وما أعلن عنه ليلاً من قوّة متعددة الجنسيات، تأتي في إطار العمل نيابة عن «تل أبيب» ومحاولة لتخفيف الضغط عنها.
لكن، يجب الإشارة إلى عدة أمور بحال ذهبت القوة متعددة الجنسيات التي أعلنت عنها واشنطن، والتي حصرت مهامها في مرافقة السفن، إلى تنفيذ ضربات ضد اليمن:
- إنّ الضربات لن تمنع الاستهداف البحري، فلا قواعد ثابتة تنطلق القوات اليمنية منها.
- إنّ صنعاء سترى أي ضربات بمثابة إعلان حرب ضدها، وأنه يأتي في سياق دعم «تل أبيب»، وبالتالي ستذهب نحو خطوات أكبر في البحر الأحمر لا تمس الصهاينة والأمريكيين فقط.
- إنّ الخطوات الأمريكية قد تؤدي الى توسع رقعة المواجهة وانفلات الأمور.
ربما يرى الأمريكيون أن ما يحصل في البحر الأحمر فرصة لردع صنعاء، لكن ذلك قياساً بالوقائع الميدانية لليمن قد يعد خطأً في التقدير، خصوصاً أن كثيراً من الأمور غائبة عن أعين الأمريكيين.
في المحصلة، إن البحر الأحمر الذي عملت واشنطن على جمع دول غربية وإقليمية فيه، وأرادت له أن يكون عمقاً آمناً لها ولحلفائها تتحكّم بمساراته، بات عقدة يصعب تفكيكها مع خطوات يمنية متواضعة شهدتها خلال أقل من شهر.
ويبقى القول إن ما في جعبة صنعاء هو أكبر ممّا شهدناه، ويترك لكل خطوة معادية علاجاً عسكرياً يحدث عن نفسه في وقتها، وواشنطن تخشى التبعات؛ لأن قرار الرد في صنعاء متخذ، وسيكون موجعاً ومضراً لكل من يشارك في «التحالف» المعلن عنه.

أترك تعليقاً

التعليقات